الموت حق، غير أن رحيل أعز الناس لديك فجأة، يظل أمراً يتعذر على النفس تحمله، دون أن تدمع العين بحرارة، ويحزن القلب بعمق، لذا يجد المرء نفسه معبراً عن شيء من ألمه عبر هذه الكلمات لعلها تسليه أو يسلو بها، هذا فيض مشاعر لا تزال متقدة وجريحة منذ أن فقدت والدي وأخي محمد رحمهما الله وجمعنا بهما في مستقر رحمته.. شمسُ القُلوبِ ونورُهَا وسنَاؤها غَرَبَتْ فهل أمل بنورٍ مشرقِ شمسٌ إذا أَفَلَتْ ستأفلُ بعدها أنوارها من غربها للمشرقِ شمسٌ إذا غابتْ نغيبُ لأننا ظلٌّ لها والظلُّ يبقى ما بقي والشمسُ إن غابت يغيبُ لأجلها ما أشرقت فيه ومنهُ تستقي رمضانُ يا شهرَ الصيامِ ورحمةً تعطى لكل العاملينَ الأصدَقِ في ثالث من بعد عشرٍ قدْ خلت منهُ أتاني هاتفٌ لم يُسْبقِ حملَ المصيبةَ كلها وأحاطني خبراً يكدرُني ويأخذُ ما بقي ويقول حِبّي والدي وأخي معاً عبدُالعزيزِ بحادثٍ فلتلحقِ ونسيتُ من هولِ المصيبةِ أن أسلْ عما أصابَ محمداً بتحققِ وبدأتُ أرجفُ خالفاً متوجساً وأخذتُ ألهجُ بالدعاءِ وأنتقي ومضيتُ والأمَلُ الكبيرُ يلفني وعسى الذي أخشاهُ لم يتحققِ يا ربِّ أنتَ المرتجى سلمهما فبكَ الحبالُ تعلقتْ بتوثقِ لكنْ إذا خيلُ المنيةِ أقبلتْ فمنِ الذي يجتالها أو يتقي وابيضتْ العينانِ حزناً بعدما رأتِ الحبيبَ موسداً في أضيقِ(1) وكشفتُ وجههُ كي أقبلُ رأسه فرأيتُ نوراً كالصباحِ الأفلقِ لله درُّكَ يا أبي حتى وأنتَ تودعُ الدنيا تشهَّدُ متقي كحّلتُ عيني في رؤاكمْ حينها فمتى أكحّلها برؤية مُغْرِقي ويزيدُ من هول المصيبة فقدنا لمحمد فالقلب ماذا قد لقي يهناكمو حسنُ الختامِ بعمرةٍ وبصومِ يومٍ كان بَينَا مُرْنقِ ياربِّ نسألكُ الرِّضا واخلف لنا خيراً فأكرمِْ بالرَّفيق الأرفقِ رحلَ الذي ملكَ القلوبَ وهَّزها برحيله لله درُّ المتّقي ومضى يجلِّلُهُ الثناءُ وحلةٌ من صدقهِ مع ربهِ بتألقِ ذاكَ الذي ملأَ القلوبَ بعطفهِ وحنانهِ وبحبِّه المتدفق ذاكَ الندى والخيرُ والعلمُ الذي شهدَ الكثير بفضلهِ المتفوقِ طابتْ لهُ وبه النفوسُ تعلَّقتْ وتتيَّمت وازدادَ فيه تعلُّقي هذي القلوبُ بكتكَ دمعاً جارياً واخضلَّ قلبي في دمٍ مترقرقِ تبكيكَ والدتي التي ألفيتها سكناً يفيضُ برحمةٍ لم تُسْبَقِ يبكي سُليمانُ الجريحُ بأدمعِ حرّى، وإنْ رئْتَ البناتِ ستشفقِ عبدُ العزيزِ رفيقكم وكسيرنا يبكيكمو ألماً ويوسُفُ ذا النِقي ورأيتُ فهداً حزنهُ لا ينتهي ومن الذي بمصابنا لم يُصْعَقِ تبكيكَ فاطمةٌ وصالحُ وابتها لُ وأمهم من منهمو لم يأرَقِ يبكيك بيتُكَ بل بيوتُكَ كلها يبكيك مزرعةٌ اشدت فمن بقي أمحمداً نبكيكَ حتى لم يعدْ في القلبِ متسعٌ لحزن مطرقِ نبكي محمدَ ذلكَ الشهمَ الذي بزّ الكثير بطيبهِ المتفوقِ صدقاً وإخلاصاً وزاداً من تُقى حتّى علا بلْ ما يُبالي يرتقي أبكي إذا قبَّلتُ ابنكَ يا أخي ألماً وإنْ شدت هنادي مفرقي بلْ يوم عيد الفطرِ كانَ فراقكم همساً يزيدُ الحزنَ إذ لم يرفقِ فلأمها قالت هنادي إنها رأتِ الجميعَ سوى أبي لم ألتقِ يا والدي قلبي جريحٌ يشتكي فَمنِ الطبيبُ وكيفَ أسلو وأتقي فالقلبُ بعدَ رحيلكم يا والدي ما عادَ يسطيعُ الخطُوبَ ويتقي أيُّ حياةٍ بعدكم يا والدي أيُّ هناء نعتلي أو نرتقي يا والدي ذكراكَ في قلبي تفوحُ وتنتشي بعبيركَ المتألقِ وتطُوفُ بي ذكراكَ حيثُ طُفُولتي وأنا أقلدُ مشيةً بتنمقِ هذا أبي يأتي ويدخلُ بيتهُ فكأنني هوَ حينَ يدخلُ ألتقي وأراكَ في التعليمِ تاريخاً سما صفحاته ملئت بنور مشرق سيظلُّ في الزُّلفيِّ ذكركَ عالياً ويظل من علّمتَ يذكر ما بقي الله أكبر ما ألذ العيشَ في كنفِ الكريمِ أبي مساعدَ والتّقي كنتَ الرفيقَ وكنتَ خيرَ موجهٍ حتى بنيت نفوسنا للأليقِ عفّتْ جواحكَ الكريمةُ عن أذى وسما لسانكَ عن دوربِ المزلقِ كمِّ من جوادٍ فارسُ الخير امتطى فسقى بفيضِ سخائهِ المتدفقِ يا والدي كنتَ الصديقَ وخيزَ من أحببته إذ كُنتَ عذبَ المنطقِ يا والدي كنتَ العزيزَ ولم أخلْ يوماً عزيزي لا أراهُ وألتقي هذه الحياةُ بدونِ قربكَ مرةٌ وبدون صوتكَ كيف يمضي زورقي يا والدي سأظلُّ أذكر ما حيي تُ خصالكم وفضالكم بتعشقِ سأظلُّ أذكرُ كيفَ كنتَ تزوروني فأعيشَ سعداً بل أراكَ مطوِّقي سأظلُّ أذكرُ كيفَ تفرحُ حينما نأتي إليكَ وذاكَ فضلُكَ أخلقِ سأظلُّ أذكرُ ثم أذكرُ يا أبي وأظلُّ في ذكراي حتى نلتقي (1) هو المكان الذي يوضع فيه المتوفى في المستشفى.