تكتسب الزيارة السريعة التي سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكى كولين باول إلى بيروت اليوم السبت أهمية بالغة بالنظر إلى توقيتها في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بعد الحرب على العراق والملفات الساخنة التي يحملها باول خلال زيارته للعاصمة اللبنانية والتي سيسبقها بزيارة لدمشق تحمل كذلك قضايا شائكة تتصل في بعض خيوطها بقضايا لبنانية وفي مقدمتها الموقف من حزب الله. وعلى الرغم من أن هذه الزيارة سبقتها رسائل عديدة عكست اتهامات وتهديدات أمريكية لكل من سورياولبنان إلا أن المصادر الدبلوماسية اللبنانية ترى أن المحادثات المباشرة بين باول والمسؤولين في كل من دمشقوبيروت تعكس رغبة جدية لدى واشنطن في إقامة حوار جدي وحقيقي مع البلدين بعيدا عن الحروب الإعلامية وحملات العلاقات العامة التي يقوم بها كل طرف لتبرير موقفه من القضايا الخلافية بين الجانبين وعلى رأسها الموقف من الحرب على العراق وخريطة الطريق ودعم الحركات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين. وقد سبق جولة باول إلى دمشقوبيروت تصاعد نبرة الاتهامات والتهديدات لسوريا التي وصفها الناطق باسم البيت الأبيض بأنها «دولة إرهابية تدعم الإرهابيين وتحتل جزءا مهما من لبنان بواسطة حزب الله.. ويلزمها عادة النظر في دورها في العالم». وتزامنت التهديدات الأمريكيةلسوريا مع تحول مفاجىء في الموقف الفرنسي عبر عنه وزير خارجيتها دومينيك دو فيلبان بدعوة سوريا لسحب قواتها من لبنان وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 520 بهدف استعادة لبنان استقلاله التام وسيادته الكاملة على أرضه. ورغم تباين ردود الفعل اللبنانية الرسمية والمعارضة على هذا الموقف الفرنسي فقد أكد البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة الذي نالت على أساسه ثقة البرلمان التضامن مع سوريا لمواجهة كل الضغوط والاتهامات والتهديدات الموجهة إليها دون وجه حق ومنها مشروع قانون محاسبة سوريا في الكونجرس الأمريكي والذي يصيب لبنان بقدر ما يصيب سوريا وأكثر. وشدد البيان على أن التحديات الراهنة تقود إلى المزيد من التعاون والتنسيق مع سوريا لمواجهة مشتركة لتحديات الصراع العربي الإسرائيلي في المرحلة المقبلة.. مؤكدا على التزام الحكومة بتلازم المسارين السوري واللبناني والتمسك بقرارات القمة العربية التي عقدت في بيروت ورفض توطين اللاجئين الفلسطينيين. ورد البيان على الدعوات بسحب القوات السورية العاملة في لبنان بالتأكيد على أن استمرار التحديات والمخاطر التي تتهدد لبنان تؤكد استمرار حاجته إلى دعم سوريا وجيشها الذي يعتبر وجوده ضروريا وشرعيا ومؤقتا تمليه وتحدده الحاجات الاستراتيجية المتفق عليها بين البلدين. وبعيدا عن الخطاب الرسمي اللبناني ترى مصادر المعارضة المسيحية في لبنان ان إعادة انتشار القوات السورية تمهيدا لنشر الجيش اللبناني وبسط سلطته على كافة المناطق اللبنانية يعد مطلبا طبيعيا وتنفيذا لاتفاق الطائف الذي ارتضته كافة الأطراف اللبنانية والقوى الاقليمية والدولية عام 1989.. مؤكدين أن تصحيح العلاقات مع سوريا هو المدخل الطبيعي لقيام علاقات قوية بين البلدين تخدم مصالح الشعبين بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية أو السيطرة على القرار السياسي. وتبدي مصادر المعارضة المسيحية خشيتها من أن يتحول لبنان مرة أخرى إلى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية ويدفع ثمن الحروب التي تحدث في المنطقة خاصة وأن الجسم اللبناني لم يعد يحتمل المزيد من التجارب في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور. وإذا كان الموقف اللبناني من محاولات تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قد عبر عنه الرئيس اللبناني العماد اميل لحود خلال لقائه مؤخرا مع السفير الأمريكي في بيروت فنسنت باتل بأن لبنان لن يتدخل في الخيار الذي سيعتمده الفلسطينيون ولكنه يرفض محاولات إسرائيل إدخال تعديلات على مشروع خريطة الطريق تقضى بإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين.. مؤكدا أن الدستور اللبناني يرفض توطين اللاجئين لأنه يخل بمبدأ التوازن بين الطوائف ويؤدي إلى إنهاء الوجود المسيحي في لبنان. وإلى جانب ملف الصراع العربي الإسرئيلي يحمل باول خلال زيارته لسورياولبنان ملفا آخر أكثر سخونة يتعلق بالموقف من حزب الله والذي تعتبره واشنطن منظمة إرهابية يجب تفكيكها وحجب الدعم عنها وهو ما يرفضه البلدان ويعتبرانه حزبا سياسيا من نسيج المجتمع اللبناني كان له الدور الأبرز في تحرير الجنوب اللبناني ومازال يضطلع بدور هام في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرة وتحرير باقي الأراضي اللبنانيةالمحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، كما تتركز مهمة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول خلال زيارته إلى دمشق على حث الرئيس السوري بشار الأسد بالنظر في إنهاء دعمه جماعات من المقاتلين في الشرق الأوسط على ضوء الغزو الأمريكي للعراق وفقا لما أوردته وكالة رويترز في تقرير لمراسلها من مدريد.. ويقول باول في أولى جولاته في الشرق الأوسط بعد أكثر من عام ان الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين على يد الجيش الأمريكي ربما أوجدت «ديناميكية استراتيجية» في الشرق الأوسط وأنه يتعين على سوريا إعادة النظر في سياساتها. وهناك تغير آخر مع احتمال استئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بعدما تسلم كل من الجانبين نسخة من خطة السلام أو «خارطة الطريق» الأسبوع المنصرم. وقال باول في مؤتمر صحفي في مدريد يوم الخميس «سأحث السوريين على مراجعة هذه التغيرات وإلقاء نظرة على بعض من السياسات التي اتبعوها في الماضي ليروا ان كان لهذه السياسات صلة بالواقع في ضوء الوضع الجديد المتغير». وفي الطريق من مدريد إلى دمشق توقف باول في العاصمة الألبانية تيرانا لساعات قليلة ليشكر القادة الألبان على دعمهم السياسي للغزو الأمريكي للعراق ولتوقيع «ميثاق للشراكة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة ومنطقة الادرياتيك» مع وزراء خارجية ألبانيا وكرواتيا ومقدونيا.