صورة نشرت في جريدة الجزيرة في الصفحة الأولى ليوم الأحد 27/1/1424ه، على ضوء أحداث الحرب في العراق، تمثّل مجندة أمريكية، جالسة بجوار مدرّعة حربية، في وضع ينبئ عن حالة يأس وإحباط، إن لم تكن في حالة تشنّج وبكاء، حيث صوّر لها ولغيرها من المجنّدات الكثيرات في الجيش الأمريكي، وللمراهقين في جيش التحالف الأمريكي البريطاني، صّور لهم قادتهم، أن ذهابهم للحرب، ما هي إلا رحلة نزهة، لا تزيد على ثلاثة أيام، نقتحم فيها بغداد، واسبوع نقتسم فيه الغنيمة، ثم تعودون لأسركم تحكون ما مرّ بكم خلال هذه الرحلة الممتعة.. لكن واقع الحال الذي تحكيه هذه الصورة للمجندة الأمريكية التي تخلّت عن ملامحها ومعدّاتها وجزء من لباسها العسكري.. وبوضع لا يمثّل الاستعداد العسكري.. * فجعلوها بعيدة عما خلقها الله له. هذه المرأة التي طبع الله قلبها على الرقة والعطف، وأعطاها الإسلام حقوقاً كثيرة في مجال الحياة شتى، جاءت حضارة الغرب لتغيّر ما فطرها الله عليه وليجعلوها تتحّمل المشاقّ القتالية، وتخوض المعارك. بل توّجه قسراً لدخول الحروب الشّرسة، كما هو الحال في العراق قتال وحرّ وعواصف وصحراء فهل من حرّية المرأة، في عرفهم أن تساق بالقوة، لأمور ليست بقدرتها، ولا تتحملّها، بل في حرب لا هدف لها ظاهر، ولا مقصد صادق فيما يبرّر به من اشعل فتيل هذه الحرب. وعندما نعطي مقارنة بين حالة المرأة في الإسلام، بحالة المرأة المجندة في جيوش التحالف، يظهر الفارق الكبير، وان الإسلام جعل المرأة في مهمة كبيرة، بعملها وأجْرِها عند الله، وخفّف عنها الأعمال الحربّية، لما فيها من قسوة، ومناظر تقصر عاطفة المرأة عن تحملها: القتل والدماء وما ينتج عن الحروب من مناظر وأحداث شنيعة من هدم المساكن على أصحابها، وقتل الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة: نساء وأطفالاً وعجائز ومرضى.. وتشريداً ومجاعات.. وغير هذا من المناظر المفزعة لبعض الرجال فكيف بالمرأة فقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس علينا قتال كالرجل حتى نحظى بأجر الجهاد؟. فقال صلى الله عليه وسلم: «عليكنّ جهاد ولا قتال فيه الحج والعمرة». ثم أبان صلى الله عليه وسلم، في موطن آخر: بأن في حسن تبعلكن وتربية أولادكن أجر كبير، يضاهي كثيراً من أعمال الرجال. فإذا نظر لهذه المجندة، وهن كثيرات في جيوشهم، فإنّ في واقع الدراسات الأمريكية نفسها توضيح يردّ عليهم في مثل: انتشار الأمراض النفسية بين المجنّدات، والأمراض خاصّة عند المجنّدات في البحريّة، وبروز انفصام الشخصية، وتحول المرأة إلى الأسلوب، العدوانّي.. مما يجعلها ناقمة على المجتمع لتعبّر عن نفسها بعد انتهاء الخدمة العسكرية بأساليب منها: الجريمة والحقد على المجتمع.. ومن يحلل نفسية هذه المجنّدة وأمثالها في جلستها تلك، وقد جعلت يديها على رأسها المرخي بقوّة الى تحت، فيتبادر لهذه: بماذا تفكّر، ولماذا هي حزينة، فلعلّها تفكر في وضعها، وما وصلت إليه في أرض ليست أرضها وبيئة ليست بيئتها، أم في نتيجة لا تدركها.. بينما المرأة المسلمة كفلت لها تعاليم الإسلام الرعاية والاطمئنان، فهي مكفولة بالولاية، ويرعاها ويهتم بها الأب ثم الزوج، وتكفل في شيخوختها ببرّ الأبناء لها حقاً شرعه الله سبحانه وأوصى في كتابه الكريم به بجانب طاعته سبحانه.. بل إن المرأة عندهم في كبرها لا يلتفت إليها أحد وتودع الملجأ. أما لماذا هي حزينة فلأنها درّبت عسكرياً، وطلب منها بعدما اصطلت بسعير الحرب، أن تدفع حياتها وقدراتها عوضاً عما صرف عليها، وأن تتحّمل الحرب والبعد وجوّ الصحراء، لتحقق نصراً لقادتها.. المتوارين في مكاتبهم والمهتمين بتقسيم الغنائم التي لم تتم بعد.. وإنما دفعت هذه المجندة وأمثالها، ليحققوا مآربهم، التي قد بدأ الخلاف بين الحلفاء حولها، كما يروى في قسمة الغنيمة للأسد بين الثعلب والذئب التي جاءت كعبرة للواقع بين الناس في حياتهم، ساقها صاحب كتاب كليلة ودمنة، وآخر ما كانوا يفكرون فيه حياتها، فهي حزينة للنتيجة التي وصلت إليه باسم: حقوق المرأة، وحرّية المرأة.. أما المرأة في الإسلام فهي ملكة في بيتها وأسرتها غير متؤجة ، كما قالت إحدى الإخصائيات الألمانيات، الذي نوّهت عنه في كتابي: المرأة بين نور الإسلام وظلام الجاهلية، بأصوات نسائية في ديار الغرب بأوروبا وأمريكا واعترافاتهن بما بان لهن من فوارق وحقوق وضعها الإسلام للمرأة، وتتمتع بها المرأة المسلمة، وحرمت من ذلك المرأة في ديار الغرب، التي لضعفها التكويني، تسلّط عليها ذئاب البشر ليجعلوها لعبة بين أيديهم.. فالمرأة المسلمة وصىّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في حجة الوداع، وبيّن أنها أمانة في المجتمع كلّ يجب أن يهتم بها: كفالة وحقوقاً وعطفاً وبراً، وقرن الله حقّ الأم بعبادته.. واعطاها الله حقها في التملك والميراث، والنفقة والصداق، وخوطبت مع الرجل في الأوامر الشرعية، وأعطيت وضعاً خاصاً يتلاءم مع فطرتها، ويحفظ لها شرفها ودينها، وشهادتها عندما تستشهد. فالإسلام هو الذي كفل للمرأة كرامتها، وأعطاها حقوقها، وأحلّها منزلة عالية في شؤون الحياة كلها، وخففّت عنها الأمور الشرعية والعبادات بما يعتريها من أمور تختص بالمرأة، وأن حضارة الغرب اذلتها وأهانتها في أمور كثيرة، فكان الفارق كبيراً، اعترفت به نساء الغرب، ولا عبرة بما يقوله رجالهم. حيل ترتدّ على صاحبها:- ذكرى الجوزيّ في كتابه الأذكياء: ان رجلاً من الجند خرج من بعض بلدان الشام يريد قرية من قراها، فلما صار في الطريق تعب، وكان على دابة وعليها خرجه ورحله، وقد قرب الماء، فإذا بحصن عظيم وفيه راهب في صومعة، فنزل إليه واستقبله، وعرض عليه المبيت والضيافة، فوافق فلما دخل الدير لم يجد فيه غيره، فأخذ الراهب بدابّته وجعل رحله في غرفة، وطرح للدابة الشعير، وجاء إليه بماء حار، وكان الجوّ بارداً، والثلج يتساقط، وأوقد بين يديه ناراً عظيمة وجاءه بطعام طيّب، فأكل ومضى قطعة من الليل، فأراد النوم، فسأل الراهب عن طريق النوم ثم سأله عن طريق المستراح، فدله على طريقه وكان في غرفة. فلما صار على باب المستراح، إذا بارية عظيمة، فلمّا صارت رجلاه عليها نزلت به، فإذا هو في الصحراء وإذا البارية كانت مطروحة على غير سقف، وكان الثلج يسقط سقوطاً عظيماً، فصاح بالراهب في كلّمة فقام وقد تجرّح بدنه، فوجد طاقاً عند باب الحصن فاستظل به عن الثلج، فإذا حجارة لو جاءته وتمكنت من دماغه لطحنته، قال: فخرجت أعدو وأصيح فشتمني، فعلمت أن ذلك من جانبه، وطمع في رحلي، فلما خرجت وقع الثلج عليّ وبلّ ثيابي، ونظرت فإذا أنا تالف بالبرد والثلج، فوجدت حجراً نحو 30 رطلاً، فوضعته على عاتقي وصرت أعدو في الصحراء شوطاً طويلاً حتى أتعب، فإذا حميت وعرقت طرحت الحجر، وجلست استريح، فإذا أخذني البرد تناولت الحجر وسعيت كذلك إلى أن قرب طلوع الشمس، فصرت خلف الحصن، وسمعت صوت الباب يفتح، وإذا أنا بالراهب قد خرج، فبحث عنّي يظنّني قد متّ من حجره فلم يجدني، وصار يمشي. فخالفته إلى الباب ودخلت الحصن، وقد كان في وسطي سكين لم يعلم بها، فلما لم يقف لي على اثر، دخل وأغلق الباب، فثرت إليه وفاجأته بالسّكين، وذبحته وأغلقت باب الحصن، فدرت فيه افتح باباً، بعد باب وإذا بأموال عظيمة من كل نوع، وإذا الراهب من عادته قتل كل من مرّ به وسلب أمواله ما دام وحيداً. «ص 13 - 132».