صورة الأسير التي غالبا ما يمكن استدراجها لسوق التلاعبات السياسية، ربما في الحروب، يمكن اللعب بورقة الأسرى، بنفس الطريقة التي تلعب فيها لعبة البنادق و الصواريخ، المسألة دائما تتحدد في عنوان واحد: الربح وبأي ثمن، في الحرب الأمريكية البريطانية على العراق، لا تخرج الصور عن هذه القاعدة، الأسير هو نفسه الذي يتحدد مصيره في بنود لا يقرأها كل الناس، قطعاً هذه هي الحقيقة الوحيدة إن تعلق الأمر بغير الأمريكيين، لا تعتبرون كلامي إساءة لأمريكا، أنا كأي شخص، يجد أن ثمة ما صنعته أمريكا للبشرية يجب الاستفادة منه بشكل ما، حتى الحروب التي نكرهها أحيانا تبدو مفيدة، أمريكا تعطي للعالم دروساً يومية في كيفية إعلان الحروب على الآخرين، وفي كيفية تجاوز القانون «بالقانون» كما تعطي للعالم تلك الخاصية العجيبة التي تعني في النهاية: أنا أمريكي! في جواز السفر الأمريكي لا بد أنك تتوقف كثيرا أمام عبارة «هذا أمريكي عليك أن تحترمه» ولا بد أنك تشعر بشيء من الاستغراب، على الأقل في صيغة الأمر الذي ينطلق من الجملة كلها: عليك أن تحترمه.. لهذا حين يدخل أمريكي مطار مدينة ما، يجب على موظف المطار أن يحترمه، وأن يبتسم له أثناء الكلام إليه، أن يبدو لطيفا وهو يسأله «ما الغرض من هذه الزيارة يا سيدي المحترم؟» ويرحب به بإلحاح واضح، ليشعر الأمريكي أنه شخص مميز، وأحيانا فوق العادة، هذا يحدث أيضا في السياسة التي تنتهجها الولاياتالأمريكية في العالم، بنفس الثقافة الأحادية حد الأنانية: هذا أمريكي عليك أن تحترمه! من حقك أن تسأل نفسك بواقعية: لكن لماذا علي أن أحترم أمريكياً لا يحترمني؟ كيف يمكن أن يتحول مبدأ الاحترام إلى تناقض بعينه، صدقوني أنا لست ضد أن نحترم أمريكا وكل الأمريكيين، نحن ندعو إلى احترام الجميع، كل البشر على هذه الأرض بنفس الرغبة في النداء إلى احترامنا، فليس في الأمر «شيزوفرانيا»، بل نريد أن نقول الحقيقة فقط! عندما أعلنت الولاياتالمتحدة أنها تسعى إلى القضاء على النظام العراقي، قلنا في سرنا: النظام العراقي ليس جديرا بالاحترام كي ندافع عنه! ولكن.. هل من حق دولة مهما كان اسمها أن تسعى لذلك؟ أمريكا سعت من البداية إلى ذلك، أرادت رأس العراق كله، وليس النظام العراقي فقط. الجنود الأمريكيون يقتحمون المدن العراقية، مثلما يقتحمون البيوت، لا يستأذنون قبل الدخول، يركلون الأبواب بأحذيتهم العسكرية، ويشهرون السلاح في وجه العائلات المرعوبة.. هذه أمريكا وعليك احترامها! الجنود الأمريكيون يقتادون الشباب إلى المعتقلات.. قيل أنهم نصبوا في «أم قصر» معتقلا أطلقوا عليه اسم «غوانتانامو»العراق! وأن العديد من المعتقلين موجودون هناك دون أن توجه إليهم تهمة محددة، وواضحة.. يعتقلون أي عراقي لا تعجبهم ملامحه، يصفعونه، يركلونه، ويضعون على رأسه كيسا بلاستيكيا ويجبرونه على الاستلقاء على الأرض كي يهينوا كرامته أكثر، وأمام الكاميرا! هذه أمريكا وعليكم احترامها! الرئيس الأمريكي يخطب في شعبه قائلا: إن أساء الجيش العراقي إلى جندي أمريكي واحد فسوف نبيده من على الأرض.. يا للمنطق السهل! في البداية، حين بث التلفزيون العراقي صور الأسرى الأمريكيين، ثارت ثائرة الأمريكيين، «دونالد رامسفيلد» اعتبر المسألة «دليلا قاطعا على أن العراقيين ليسوا أكثر من مجرمين!» واعتبر العالم أن ما فعله العراق «مخالفا للقوانين الدولية وأهمها اتفاقية جينيف»، اليوم، لا يتذكر أحد من هؤلاء المتباكين عن «حقوق الأسرى» اتفاقية جينيف، لأن الأمر يتعلق بالعراقيين الذين لم يحملوا الورود لاستقبال القوات الأنجلوأمريكية، ولأنهم في النهاية لم يقفوا ضد بلادهم.. أمريكا «الحريات» تخيط القوانين دائما وفق مقاسها هي، لأن اتفاقية جينيف ليست أكثر من «حرب علي الورق» حين يتعلق الأمر بحقوق شعوب أخرى أو أسرى آخرين، فهذه هي أمريكا وعليكم احترامها!