من المستحيل أن يعيش الإنسان معنى الحياة وحده، فأخلاقه وعواطفه ومشاعره وأفكاره تتخلق من خلال أنسه بغيره.. ذلك أن «الإنسان من الأنس» ومن هنا فمعنى الحياة لا يكتمل من غير حياة مع الآخرين.. «وكالجسد الواحد» تعني بأنك لمجتمعك ومجتمعك لك. والحديث في الصفات - أي سمات المجتمع - فرع عن الحديث في الذات أي الذوات التي تسكنه. فصفي لي نفسك وتطلعاتك أصف لك مجتمعك وتطلعاته ولكل قدره وقدرَه. ... إن عملية الانتماء للشيء تعكس الغيرة عليه وبذل الجهد فيما يجلب العزة إليه والاعتزاز به.. والهّم الذي يجعل الإنسان يتأمل أو يكتب عن ذلك هو الشعور بأهمية أن تعكس وتنعكس هموم المجتمع/ الدولة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية والبيئية لتكون هماً لكل فرد يستظل تحت ظله. والأمر الآخر في هذا السياق هو ما الذي يخلق المسافة بين همومنا الشخصية والاجتماعية؟، وما الذي يجعل أبعاد الهم لدينا شخصية أكثر من كونها اجتماعية؟!.. وكيف يمكن أن نفعَّل هذين الاتجاهين سوياً لنجعل كلاً منهما يخدم الآخر ولا يهدمه؟... أسئلة جديرة بالطرح لتحوير وتحويل الاهتمام بالصراعات والصداعات إلى صياغات أكثر رشداً لاستقرار وتنمية شخصياتنا الفردية والاجتماعية. وقيمة الإنسان ومكانته من قيمة دولته ومكانتها،... ومن يحمل همّ وطنه يحمل في الوقت نفسه همّ قِيمه ومن هنا فالتفريق بين همّ الوطن/ المجتمع وقيمه وثقافته.. ومن يسكُنه.. هو تجريد للإنسان عن روح مجتمع وبالتالي التفاعل معه بما يحقق ذاته، الفردية والاجتماعية. ومعنى هنا أن من يحمل همّ دينه وقيمه هو في حقيقة الأمر يحمل هم مجتمعه - شعر أم لم يشعر - والعكس صحيح فمن يحمل هم وطنه كان لزاماً عليه أن يحمل هم قيمه وثقافته ومبادئها.. ذلك أن هذا البعد هو أحد مرتكزات وطنه.. بل أصلها، ومن هنا تتكامل كل من الأبعاد الوطنية/ الاجتماعية مع المقاصد الإسلامية. والذي يجعل الإنسان يركز على هذه التكاملية، هو حُبه لمن يحمل هم الوطن/ المجتمع أن يؤجر ليس في الدنيا بل كذلك الآخرة.. ذلك أن تجريد الهموم الوطنية/ الاجتماعية من مضامينها الإسلامية - فضلاً من كونها نقص في التكاملية - هي عرضة للملل والخلل و(النصب) - بفتح الصاد أو سكونها -... وبالتالي القيم الإسلامية نفسها هي ضمان للاستمرارية وروافد للإعانة ودافع للتقويم والتطوير ذلك أن مراده/ مرادها ربط الإنسان بخالقه قبل خلقه. وهكذا هُمْ وهَمُّ القادة وصناع الحياة الذين يعملون ليل نهار للتنمية والبناء بروح عملية تتجاوز فيها حظوظها الذاتية لتؤسس لقيم اجتماعية فاعلة ومتفاعلة في أي وعلى أي صعيد كانت. إن تعميق هذا المعنى في نفسية الناس أولوية تحتاج إلى تسويق من خلال إثارته عبر وسائل مختلفة تربوية، ومنهجية، وإعلامية، كما يجب أن تؤسس لذلك توجهاتنا وخططنا المستقبلية/ التنموية على مختلف مستوياتها. إن من مشكلاتنا الاجتماية، أننا دائماً ما نحسن التشخيص والكلام الكثير عن (مساوئنا) لكن هذا التشخيص يرقى لعملية العلاج فضلاً عن تبني برنامج عملي يتجه لإيجاد بيئة تكفل وتتجاوب مع آمال الناس وتطلعاتهم، ومن ثم تقي أو على الأقل تحد أو تقلل من وقوع ما يسوء.. وفي ذلك كله قصور وتقصير في حمل وتحمل هم البناء الاجتماعي. وفي الصورة الأخرى من المعادلة لا أظنه يتكامل أو حتى يجدي - في أي مجتمع - خلق خطط تنموية رائدة مع أفراد لا يحملون همه، كما لا يجدي في الوقت نفسه نفخ فرد أعزل في هشيم معطل. إن سلبية الإنسان تجاه مجتمع إيجابي أو ايجابية إنسان تجاه مجتمع سلبي يستحيل معها خلق فاعلية متكاملة يجد فيها الكل فرداً أو جماعة أنسه ومبتغاه. ومع الافتراض أو الاعتراف بوجود جزء من هذه الوضعية في مجتمعنا سواء في وقائع حقيقية أو مشاعر نفسية، فإن أصحاب المشاريع البنائية والتطويرية لا تعيقهم أوهام نفسية أو حتى حقائق سلبية وإنما يؤسسون لتغيير الواقع واستثمار المواقع بما يعود على نفوسهم بالرضا وعلى مجتمعاتهم بالعزة والتمكين. إن تساؤلات الفعل الاجتماعي.. من أين نبدأ؟ وأين نقف؟ وكيف نسير؟ استفهامات مهمة لخلق التناغم بين الشخصي والجمعي الذي يصب في مصلحة الوطني لذلك الكيان الذي يشملهم جميعاً. من أين أبدأ/ نبدأ؟.. ابدأ بنفسك.. وتعامل مع ذاتك لتقف عند حقيقتك، محرراً ذاتك من كل أنانياتك.. فصدق انتمائك لقيمك ولذاتك يعني استثمار جهدك في تنمية مجتمعك.. ذلك أن مجتمعك يحوي كل من فيه.. وبالتأكيد فأنت واحد منهم.. أو ليس كذلك؟.. إن صورة المجتمع وحقيقته تعود فتعني العاملين فيه والمساهمين في خدمته ونصرته، وتفعيلك لهذه المعاني وتفاعلك معها هو نصر لذاتك ولقيمك وصالحك ومصلحتكم.. كما أن اختراق مجتمعك هو اختراق لك إلا إذا كنت تشعر بالغربة عنه/ عنهم فهذا شأنك الذي لا نستطيع وإياك منه البداية ذلك أنك بفعلك وشعورك قد وصلت إلى نقطة النهاية. إن مما يؤزم «التفاعل» بين الناس فرداً أو جماعة اشتراط المثالية في «التعامل» أو التغافل عن الإيجابيات واستقصاد السليبات وأنت حينما تشترط ذلك في أخذك وردك فلن تجد أحداً يشاطرك ذاك حتى ولا نفسك. واحتداد النفس في هذه الاشتراطات تجعل من الاستحالة أن يجد الإنسان من يؤنسه، فمجتمع خير الناس لم يكن خالياً من الأدناس.. (وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). ومما يزيد الأمر إشكالاً رؤية بعضنا استحالة استصلاح أوضاع الناس، وأن المتغيرات العصرية عمقت في الناس الكراهية وحب الأنانية وبالتالي فلا داعي لاستفراغ الجهود العملية.. ذلك أن هذه إفرازات طبيعية للحياة المدنية.. وفي كل من النظريتين خلل.. ففي الأولى «استعلائية» وفي الأخرى «انهزامية» وكل هذه وتلك اتجاهات تبريدية لا تعني شيئاً ولا تبني هماً لقيمنا وقيمتنا الاجتماعية. ومن الأهمية بمكان أن نعلم ونتعلم قبل البدء بأن وجود مشكلة لا يعني التسليم بها أو لها.. كما أن عدم وجودها لا يعني نفي إمكانية حدوثها، فعلى المستوى الأول «نقي» وعلى المستوى الآخر «نبني».. فنحقق من خلال الأولى «الحماية» ومن خلال الأخرى «الكفاية» والقصد هنا أننا حينما لا نوفر ونهيىء للناس احتيجاتهم ورغباتهم.. كان ذلك عاملاً مهماً في البحث عنها بطرق غير مناسبة... ودائماً ما يتجه الناس إلى غير المناسب، لضعف أو تقصير «المناسب»، والمتناسب مع آمالهم وآلامهم. أين نقف؟.. تساؤل مهم بعد الاستعداد للبدء..؟ أن تحدد أين تقف؟ ويقف مجتمعك.. من حيث مكانته وإمكاناته وبالتالي تصوغ موقفك و«مواقفك» لتتعامل معه بما يخدم مكانته ويعزز إمكاناته. وقف دائماً في الوسط فلا تشتد «فتجني» ولا ترتخي «فتنتهي» .. وهذا لا يعني أبداً أن تقف دوماً وسطاً بين الأطراف والأشياء والأحداث وكأن ليس لك هوية ومزية وإنما الوسط المقصود هنا هو «الموقف الأفضل».. فالوسط الأفضل هو ما كان في الواقع «أفضل».. وسواء أكنت يميناً أو شمالاً أو فيما بينهما فالوسطية دائماً وأبداً تعني «الأفضلية». قف وتأمل قدراتك وإمكاناتك وأبعاد مسؤولياتك ومن ثم أعط كل ذي حق حقه وقدره، بدءاً بمسؤولياتك تجاه نفسك، واستثمار وقتك ومالك وجهدك، ومن ثم أسرتك وأقربائك وصلاتك.. ثم أدناك فأدناك.. وعامل من يقعون تحت مسؤوليتك كما تحب أن يعاملوك أياً كانوا وأينما كانوا.. ومن هناك تجعل من شخصيتك الفردية نموذجاً لتفعيل وتفاعل الروح العملية في حياتنا الاجتماعية.. وإن كنت تعيش بقلب واحد فقلوب الناس معك.. لأنك معهم.. بأحاسيسك ومشاعرك وجهدك لكن تأكد بأن ما تطلب من غيرك قد جسدته في نفسك لأن «المقال» من غير «أفعال» كالأجساد من غير أرواح.. وهذا ما تشتكي منه روحنا العملية حيث تكثر الصور وتغيب الحقائق.. وعموماً سائل نفسك قبل أن تسأل غيرك فليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل (المتفاعل) من إذا قُطع وصل! بعضنا قد يتصور بأنه يحمل هماً اجتماعياً حينما ينتقد أو يوجه توجيها عاماً لقضية اجتماعية.. لكن الذي حرك هذا الاهتمام هي مصلحة أو حاجة تصب في خدمته وذلك أنه لو لم تلق مصلحته الشخصية بالمصلحة الاجتماعية لم يرع للثانية اهتماماً.. ومثل هذا لن تصلح به الأحوال لأنه يعمل وفق اهتماماته الشخصية لا الاجتماعية ومن هنا فاهتمامك بشؤون الناس سواء التقت مع تطلعاتك ومصالحك أو لم تلتق هو معيار يعكس مستوى عال من هم البناء.. وبناء الهم الاجتماعي. ويشير علماء النفس الاجتماعي بأن عناصر المسؤولية الاجتماعية ترتكز أولاً على الاهتمام وثانيا على التفهم وثالثاً على المشاركة.. وعلى هذا فإذا كانت جل اهتماماتك شخصية فلن تتفهم مشاعر الناس واحتياجاتهم.. فضلاً عن المشارك البناءة في تحقيقها أو الوقوف معها أو السعي في تصحيحها ومعالجتها.. و«الحكم على الشيء فرع عن تصوره».. فلن تتصور آمال المجتمع/ الناس وآلاهم لأنك قصرتها على ذاتك الشخصية لا الاجتماعية. دعوني أعرض شيئاً من مظاهر نقص المسؤولية الاجتماعية لا على سبيل الحصر لكنها مشاعر وأفكار تواردت حين تسطير هذا المقال ومنها: أولاً: الاغتراب، ويعني الانسحاب عن المحتوى والإطار الاجتماعي لأي سبب.. كاختلال نفسي أو تقصير ذاتي أو شعور بالنرجسية أو الرمانسية التي تتعالى على الحقيقة الاجتماعية، وفي كل خلل فلا المقصِّر ولا المتعالي يمكن أن تصلح به الأحوال لأن الجميع مطالب أن يعيش الواقع ليكون واقعي النظرة، ومنظار الواقعية هو الذي يدفع للعملية والحيوية لكن منظار الدونية أو العلوية يعطل كل ذلك.. وما يدعو إلى ذلك! ثانياً: تفويض التربية لغير المربية.. فمشاعر الإنسان تتخلق منذ نعومة أظفاره.. فأفكاره وسلوكياته تتصنع في البيت وتتجمع في المجتمع، فإذا أوكلت التربية للمستخدمين لا للأبوين فإنما نربي في الناشئة معنى «اللا مبالاة» والاتكالية فضلاً عن تقدير المسؤولية الاجتماعية.. فالخادمة تنظر إلى الأولاد كأجهزة منزلية تنظف ثم تحفظ.. وكذا السائق لن يمنع الأولاد من قذف فضلاتهم في الطرقات لأن ذلك لا يعنيه وربما لا يستطيع ذلك لأنه لا يملك حق المسؤولية فهو يُؤمر ولا يَأمر.. وكم نحن اليوم بحاجة إلى تثقيف الوالدين قبل المواليد فلربما نلومهم وهذه قدراتهم فمن ضعف مسؤولياتنا الاجتماعية أن نفوض ما يجب علينا فعله إلى ما لا يجب وأن نلزم المستخدمين بما لا يلزم.. وفي الوقت نفسه ألا نقدر المتغيرات ونهيئ الأجواء للوالدين لمعرفة أساليب التعامل مع الأبناء فذلك جزء من التفريط في مسؤولياتنا الاجتماعية.. فدعونا نلوم تقصيرنا كمجتمع قبل أن نلوم أو مثل ما نلوم تقصيرنا كأفراد. ثالثاً: المطالبة من غير عطاء أو وفاء.. فكم يأخذ الإنسان جراء عيشه في جنبات مجتمعه؟.. وكم يعطي؟ هذا تساؤل يحتاج إلى وقفات.. كم طالبنا بطرقات!.. فهل أعطينا الطريق حقه؟ وكم طالبنا ببيانات فهل عمرناها كما يليق بها؟ كم يأكل الإنسان ويسعد!!.. وكم يشكر ويحمد؟!!.. إن حسابك مهما «كثر سوف ينتهي إذا أكثرت السحوبات منه ولم تودع فيه شيئاً.. طال الوقت أم قصر!! رابعاً: الاستثمار خارج الحدود.. على حساب المجتمع أحد مظاهر نقص المسؤولية الاجتماعية حيث يبني الإنسان وراء البحار تاركاً أهله وذويه ومجتمعه «نفسه» من غير استثمار.. وايصال الخير للبعيد على حساب القريب مخالفة للعقل وللشرع، تجسد نقصاً في ذاتية الإنسان ومواطنته.. فضلاً عن حمل همها وبنائه.. وكم كان الإنسان يأمل أن تعود الأموال قبل (11 سبتمبر) طوعاً لا كرهاً.. لكن هكذا سنة الحقيقة التي مهما تغلفت بالحيل لا بد أن تعود إلى الأصل. إن مكاسب الاستثمار في الداخل لا تقتصر فقط على زيادة المال، بل تتعداه إلى زيادة الأعمال وانكشاف الفرص واستغلالها خدمة وتنمية للمجتمع كله.. الذي أنت جزء منه! وعلى هذا فسيطرة البعد المادي يقلل من سريان روح التفاعل الاجتماعي «الإيجابي» الذي هو أصل المادة وحقيقتها! خامساً: غش الاحترام.. فكم تزين الطرقات والأبنية والردهات نظراً لزيارة مسؤول أو محاسب.. فتكثر الأغلفة والستائر وتنشط أسواق الزينة والبخور حتى يعمى المسؤول عن رؤية الحقيقة.. وينسى في زينة الاستقبال السؤال عن الحال! نعم إن لكل مسؤول قدره واحترامه.. لكن تقدير المسؤولين يتجسد في تقدير المسؤوولية لا في الديكورات المرئية.. إن من الغريب أن نقوم بتجديد المؤسسة لخطوة مسؤول وكأن العاملين فيها ليس لهم قيمة.. وذلك يعكس نقصاً في تقدير الذات الشخصية والمسؤولية الاجتماعية على السواء.. فحفظ المسؤول واحترامه تقتضي حمل أمانته غاب عنك أو حضر.. وتلك في ظني روح العملية الاجتماعية ونواة صلاحها من جهة وعطاؤها من حيث التجديد والإبداع من جهة أخرى. وعكس هذا المنظر هو غش للأمانة أو نقص في حمل المسؤولية الاجتماعية. سادساً: تقديم الأجنبي على الوطني.. في كل مظاهره ومعانيه يعكس ضعفاً في تقدير المسؤولية الاجتماعية.. فاستقدام العمالة الوافدة على حساب أجيالنا الصاعدة أحد مظاهرها، والتزيي بالزي الأجنبي على حساب الوطني وتزيين المحلات واللوحات والملبوسات باللغات الأجنبية على حساب العربية هو تهميش لها وهي الغنية.. واتهام لها عن استيعاب المتغيرات العصرية. إن التفريط في مظاهر حياتنا الإيجابية أياً كان يعني أننا بعد فترة سنعيش شروطاً حياتية لا تتناسب ومفاهيمنا.. ولذا فمن الجميل أن نرتقي بمسؤولياتنا الاجتماعية ونشترط على من يصدر لنا ما استطعنا لا أن يشترط علينا!.. لنعيش ما نريد لا ما يراد لنا!.. إن تفعيل هذا المعنى يحتاج إلى تكامل بين شخصياتنا الفردية وشخصياتنا أو قل مؤسساتنا ومسؤولياتنا الاجتماعية. سابعاً: ان ترك الموجات والأصوات الناشزة - أيا كانت - تسري في محيط واقعنا الاجتماعي وتحميل المسؤوليات من لا يحسن حملها هو جزء من التفريط في مسؤولياتنا الاجتماعية. والمسؤول الكفء يغلق أبواباً لا حد لها من الخروقات من ناحية ويشجع المتساهلين في تقدير مسؤولياتهم وحمل أماناتهم من ناحية أخرى، وما أحوجنا اليوم إلى إنصاف العاملين والأخد على أيدي المتخاذلين فواقعنا لا يحتمل شعار أو مشاعر المجاملة.. فإذا لم ننتخب الأكفأ فإننا نخلق مشكلاتنا ونزيد من حجم مسؤولياتنا ونفاقم أوضاعنا سوءاً.. وكان الحل أن نورث مظاهر حياتنا الأكثر أداء وأمانة لها؟.. إن مما يعمق الهوة في تنمية أوضاعنا الاجتماعية أن نجعل من الإداري الناجح مشكلة.. ومن المفكر العامل بلبلة، والمصلح الاجتماعي مضيعة للوقت.. كل ذلك من أجل أن يخلو الجو للمتنفعين أو المتفاشلين أو المتشائمين والسماعين لهم على حساب صلاح الدنيا والدين..! وذلك كله يعكس مظهراً مؤلماً من مظاهر نقص المسؤولية الاجتماعية وتربيتها فينا وتنميتها في أجيالنا!. إن مما يحسن التنبيه إليه أن قوانين الفعل الاجتماعي تؤكد بأنك إذا أعطيت الناس أعطوك، وإذا منحتهم الحب منحوك، وإذا شاركتهم الهّم شاركوك، كما أنك إذا نسيتهم نسوك أو تناسوك.. وهكذا سنن الأشياء وتقديرات العطاء! إن من المستحيل أن يسير الإنسان في طريق رقية وتحمل مسؤولية من غير هوية ينطلق منها.. إذ من الخلل أن تطلق من غير أمل وأن أسير من غير فكرة تحدد مساري.. ولذا فتشت التصورات واختلاف المطلقات يعوق مختلف المشروعات وشتان بين من قلبه معلق بالإصلاح ومن قلبه معلق بالمصالح!! هذا من ناحية، ومن أخرى فإن تشبث الإنسان بما يميزه يعكس عقليته النيرة وذلك لا يعني الانكفاء على الهوية وجعلها هي المزية من غير الاستفادة من منتجات الحياة العصرية فيما يكون لحسابها لا على حسابها!. وحين نحدد المسار أمكن أن نفكر كيف نسير.. والناس غالباً حينما تغيب عنهم الأفكار يستحيل أن تجد منهم الأفعال.. وما من شك بأن أفكارنا تعكسها أفعالنا.. والذي ليس له في الواقع أثر مهم جلّ قدره سوف يندثر!! إن مما يجرح المسير أن ننتظر فعل الناس لا أفعالنا.. وهذا ما يعكس معادلة الفعل والتفاعل فالعاقل لا يجب أن يحركه الشارع.. بل هو الذي يحركه والمشكلة لدينا أن نجعل عامة الناس هم أصحاب «الأحكام» ثم نقول هم لا يعقلون أو هم المخطئون.. وإذا أردنا أن نناقش شيئاً قيل لنا هم «لا يفهمون».. وهكذا تزيف الحقيقة. إن الالتزام بآداب المجتمع وإجراءاته يتأثر قوة وضعفاً بهشاشة المسؤولية الاجتماعية وقوتها.. ولذلك فتفعيل الجهود وتكاملها لبناء الهّم الاجتماعي من خلال مكونات المجتمع كله فرداً أو أسرة أو مجتمعاً أو مؤسسات دولة هو الذي يجعل من الآمال واقعاً ومن الآلام حلماً.. (عكس ما نعيش)..!! وجميلة على سبيل المثال تلك الإجراءات القانونية التي تعطي المسؤول الحق بأن يمنع دخول من لا يتزيا بالزي المناسب إلى المؤسسات الحكومية وتلك لمحة مهمة في تعزيز المسؤولية الاجتماعية - لو أنا تمثلناها - وهكذا لو تضافرت قنوات المجتمع كله تربوية، منهجية، إعلامية ونظامية في التأكيد على صناعة همّ المجتمع لأصبح هذا «السلوك» الذي نأمل ونريد.. نتيجة طبيعية وسلوكاً اعتيادياً نستغرب من مخالفته فضلاً عن خرقه أو تسويق بديل له! لكن هذا المعنى لن يكون له في الواقع أي معنى.. إلا أن نبدأ الآن المسار وإياك.. وذلك ما يُفعِّل الروح العملية في حياتنا الاجتماعية. لفتة: «إذا شعرت بأن الناس فيك.. فإن هذا يكفيك.. وفعلك للناس فعل لك وفعلهم كذلك لك». [email protected]