الهجرة تحول مهم في تاريخنا الإسلامي المجيد ولذلك فهي تظل حدثاً عظيماً يجب ان يتذكرها المسلمون دائماً وابداً طيلة اعوامهم وبصفة خاصة مطلع كل عام هجري جديد لتظل نبعاً متدفقاً تتجدد من خلالها ذكريات عطرة عن هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة بل انها تظل نبعاً متدفقاً يمد التربية الإسلامية بجملة من المبادئ والحقائق لو احسن المسؤولون عن التعليم الاستفادة منها استفادة كاملة في ايصالها إلى ابنائنا وبناتنا لتكون لهم نبراساً ومشعلاً وضاءً طيلة العام بل طيلة حياتهم كيف لا وهي الحدث الذي نستطيع من خلاله أن نغرس في نفوسهم حقيقة جلية تتمثل بأن الخالق سبحانه وتعالى لم يخذل نبيه صلى الله عليه وسلم حينما ضاقت به الأرض بما رحبت وتأمرت عليه قريش للتخلص منه وخرج من بلده مكة خائفاً يترقب وحيداً إلا من صحبة صاحبه أبو بكر رضي الله عنه متجهاً إلى المدينةالمنورة التي يعود منها إلى مكة فاتحاً كاسراً دولة الاصنام رافعاً راية الحق. إن الحقيقة التي ابرزتها حادثة الهجرة ناصعة قوية لابد من تأكيدها في تربيتنا لأبنائنا لنزرع في نفوسهم الرغبة القوية في الجهاد لنصرة كلمة الله دون فزع أو تثاقل ونستأصل منهم روح الانهزامية ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي وصل فيه المسلمون إلى أدنى مستوياتها .. فالحق سبحانه وتعالى لا يتخلى عن جنوده وعن اتباعه {إنَّا لّنّنصٍرٍ رٍسٍلّنا} { إن تّنصٍرٍوا اللّهّ يّنصٍرًكٍمً } {إنَّ اللّهّ يٍدّافٌعٍ عّنٌ الذٌينّ آمّنٍوا } فهل نحن جديرون بذلك في وقتنا الحاضر .. لقد تعهد الجبار سبحانه بالمدافعة عن المؤمنين وبالنصر لمن ينصره فما حالنا الآن ونحن نطلب النصر من أعدائنا بل ونتحالف معهم ضد بعضنا البعض ونهيئ لهم كل السبل لغزونا في عقر ديارنا فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يلحق بأعدائه الذل والصغار حتى مع اعتى دولة على الأرض وأكثرها قوةً وعتاداً. لكن بشرط أن نعد العدة ونتوكل عليه دون غيره ثم نترك ما فوق طاقتنا لعونه ومده سبحانه وتعالى. إن الهجرة دروس وعبر فهل استفدنا من تلك الدروس وتلك العبر!! كما استفاد منها سلفنا الصالح الذين وقر في قلوبهم أهمية حادثة الهجرة وهل استطاعت التربية بكل وسائلها وفعالياتها أن تؤكد حقيقة الدروس والعبر في نفوس ابنائنا وأن الله ناصر من ينصره ليكون ذلك اقوى الحوافز على أن يسير جيل المستقبل وعدة الأمة مطمئنين واثقين من نصر الله لهم متخذين من هجرة المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام قدوة مرموقة ومنهجاً دقيقاً للسير في دروب هذه الحياة. ان التربية تستطيع ان تأخذ من معالم الهجرة منهجاً تربوياً ليصوغ جيلاً قوياً مقداماً غير متخاذل مقدماً غير مدبر.. وهكذا تظل الهجرة حدثاً تاريخياً عظيماً تجسد معاني كثيرة وعظات ينبغي استيعابها والوعي بحقيقتها واهدافها واثارها وما تتضمنه من مواقف ومشاهد جديرة ان نتعلم منها ونستلهم منها الدروس والعبر والقدوة المثلى وغير ذلك من المعاني السامية المضيئة ولا سيما نحن نستقبل عامنا الهجري الجديد 1424ه والذي بكل أسف بدأ يتلاشى التأريخ به بعد أن تلاشى فعلاً أو كاد في الدول العربية والإسلامية وحل محله التاريخ الميلادي وصار يشار إليه وعلى خجل في وسائل الإعلام والمؤسسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بعد أن هيمن التأريخ الميلادي على ألسنة واقلام الكثير من بني جلدتنا. إن التأريخ الهجري إحدى علامات هويتنا الإسلامية وخصوصية نتفرد بها عن غيرنا وشرف نعتز به ونفتخر ولا غرو ان تدرك الحكومة ذلك وتؤكد مراراً وتكراراً على اعتبار التأريخ الهجري هو التأريخ الرسمي للدولة حيث صدر الأمر السامي رقم 7/ه/6571 في 12/7/1403ه ثم عندما لوحظ تراخي البعض من التقيد بذلك صدر الأمر السامي معقباً برقم 291/م وتاريخ 25/11/1409ه ومؤكداً على جميع الجهات المختصة باعتماد التأريخ الهجري في جميع أعمالها في الوقت الذي يمكن فيه تدوين التأريخ الميلادي إثر التأريخ الهجري. كما ان النظام الاساسي للحكم نص على أن التأريخ الهجري هو التأريخ المعتمد في هذه البلاد كما ورد في الباب الأول المادة الثانية من النظام الاساسي للحكم. ولكن هل تم التقيد بذلك اقول بكل اسف لا بل ان الامر يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ومطبوعاتنا شاهد على ذلك. لقد صار التأريخ الهجري هو التابع في احسن الاحوال بدل ان يكون هو المتبوع فهل وصلت بنا التبعية إلى هذا الحد من التنكر لاحد رموز هويتنا الحضارية. إنها الانهزامية والتبعية التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها. إن هذا التأريخ هو إحدى بقايا امجادنا.. وهو الذي دون فيه المؤرخون المسلمون انتصارات امتنا المجيدة وهو التأريخ القمري الهجري الذي اجمع عليه سلفنا الصالح حينما استشارهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في أن يكون مبدأ التأريخ الإسلامي هو مبدأ الهجرة المحمدية المجيدة حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الهجرة هي المبدأ الذي فصل الله فيه بين الحق والباطل. إذن كيف تخلى بعضنا عن تاريخنا الهجري المضيء انه لجدير بنا انه لو تخلى كل بلد عن ذلك التأريخ فإننا في ارض الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومنبع الرسالة والهجرة العظيمة ألا نتخلى عنه فهل نحن فاعلون.