عززت المساعي الامريكية والبريطانية الرامية الى إعطاء الرئيس العراقي صدام حسين مهلة حتى السابع عشر من مارس الحالي للاعلان عن مخزونه من أسلحة الدمار الشامل المزعومة المخاوف من اقتراب العد التنازلي النهائي للحرب المحتملة بمنطقة الخليج وتزايد الضغوط البترولية المصاحبة للحرب على اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة. وتتزايد احتمالات معاناة الاقتصاد العالمي من الصدمة النفطية المحتملة التي بدأت بوادرها بالتزامن مع حالة الترقب والقلق السائدة في أوساط الشركات والمؤسسات السياسية والاقتصادية في العالم بشأن التداعيات الخطيرة للحرب المحتملة بمنطقة الخليج العربي. ويبدي عدد كبير من المؤسسات السياسية والاقتصادية في العالم تشاؤما متزايدا بشأن احتمالات حدوث صدمة نفطية حال اندلاع الحرب بين العراقوالولاياتالمتحدة والتأثير المتوقع لارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي. وقال بيتر جينو الخبير النفطي بمؤسسة سيتي جروب بلندن ان الاسواق الدولية سوف تشهد فوضى نفطية حال اندلاع الحرب بمنطقة الخليج مشيرا الى ان بوادر الفوضى بدأت في الظهور خلال الاشهر الماضية حيث ارتفعت أسعار النفط الى مستويات عالية وتراجع المخزون النفطي لعدد من الدول الصناعية. ويرى المتفائلون ان الضغوط النفطية يمكن ان تحتوى في حالة نجاح الولاياتالمتحدة في حسم المعركة العسكرية بسرعة مشيرين الى ان أسعار النفط التي من المتوقع أن تشهد زيادة كبيرة خلال فترة الحرب المحتملة سوف تهبط بمعدل كبير بعد انتهاء الحرب. وأوضح ليو درولاس كبير الخبراء الاقتصاديين بمركز دراسات الطاقة الدولية أن أسعار النفط سوف تشهد تراجعا ملحوظا في اعقاب الحرب المحتملة مشدداً على ان الولاياتالمتحدة تعي جيدا ضرورة الابتعاد عن الحروب الطويلة. وقال درولاس ان المؤشرات توضح أن الحرب المحتملة بالخليج العربي سوف تكون سريعة وقصيرة. وأكد كلود ماندل مدير وكالة الطاقة الدولية المعنية بتوفير امدادات الطاقة بالدول الصناعية ان المخاوف من حدوث صدمة بترولية تزامنت مع تصاعد تطورات الوضع بالعراق والاضراب العام في قطاع النفط بفنزويلا الذي أدى الى توقف الصادرات النفطية في تلك الدولة التي تعتمد على النفط بصورة أساسية كمصدر للدخل القومي. ورغم عودة فنزويلا الى السوق النفطي إلا ان كميات النفط التي تصدرها ما زالت أقل من الكميات التي كانت تصدرها في الماضي. وتشير احصائيات وكالة الطاقة الدولية الى أن أزمة الاضراب العام بقطاع النفط الفنزويلى الذي استمر حوالي شهرين وفصل الشتاء القارص أدت الى انخفاض المخزون النفطي بالولاياتالمتحدة الى 270 مليون برميل وهو أدنى مستوى له منذ عام 1975م، وترى مؤسسات نفطية أمريكية وأوروبية انه توجد سيناريوهات ثلاثة بشأن تأثير الحرب المحتملة على أسعار النفط بالاسواق العالمية. الاول: نجاح الولاياتالمتحدة في الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين بسرعة وبقاء آبار البترول بعيدا عن نيران صدام حسين. ويتوقع أنصار ذلك السيناريو انخفاض أسعار النفط الى أقل من 30 دولارا في نهاية عام 2003. الثاني: الاطاحة بالرئيس صدام حسين خلال فترة طويلة نسبيا وتأثر بعض ابارالنفط جزئيا بالنيران. ويتوقع انصار ذلك السيناريو عدم زيادة أسعار النفط عن أربعين دولارا خلال عام 2003. الثالث: نجاح الرئيس العراقي في اطلاق صواريخ محملة بمواد كيماوية وبيولوجية على الدول المجاورة بالخليج العربي رداً على الغزو الامريكي وتهديده لصادرات النفط القادمة من الخليج. ويرى أنصار ذلك السيناريو ان أسعار النفط سوف تشهد زيادة ضخمة تتمثل في ارتفاع سعر النفط الى ما بين 80 و100 دولار للبرميل الواحد خلال العام الحالي إلا ان عددا كبيرا من المحللين يرون ان ذلك السيناريو صعب الحدوث. وأصبح الاحتياطي النفطي الأمريكي بمثابة الآلية الأساسية التي تتبناها جميع الادارات الأمريكية لدرجة أن عددا كبيرا من الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين أشاروا الى أن الحرص الأمريكي على الاحتفاظ بالاحتياطي النفطي لا يقل أهمية من وجهة نظر واشنطن عن الاحتفاظ بترسانة الأسلحة الضخمة من صواريخ وحاملات طائرات وقاذفات قنابل وغيرها. وتؤكد وزارة الطاقة الأمريكية أن الأحتياطى النفطي الأمريكي الذي يتناقص حاليا يعتبر خط الدفاع الأول بالولاياتالمتحدة لمواجهة أي اختناقات بأسواق النفط الدولية. وأشارت دراسة أجراها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بالتعاون مع معهد جيمس بيكر للسياسة العامة الى أن عودة العراق الى معدل إنتاجه السابق من النفط والذي كان سائدا عام 1990 يستلزم ضخ استثمارات تقدر بنحو خمسة مليارات دولار على الأقل لاعادة تأهيل منشآت النفط العراقية المتداعية. وفي الوقت نفسه.. أوضحت مؤسسات نفطية أمريكية أن مضاعفة الانتاج العراقي من النفط الى مستوى مقارب لمرحلة ما قبل 1990 يحتاج الى أموال ضخمة تقدر بنحو 40 مليار دولار. وترى الشركات الفرنسية والروسية أن الشركات النفطية الأمريكية سوف تحصل على نصيب الأسد بالسوق البترولية العراقية ولا سيما في مجال الخدمات النفطية، والتي سوف تكون تحت السيطرة الأمريكية حال انتصار واشنطن في الحرب المحتملة ضد العراق. وسوف تشعرالشركات البترولية الأمريكية مثل «هاليبتون» و«بيكرهوفيز» و«بكتل جروب» بانتصار قوى لا يقل عن الفخر الذي سوف تشعر به القوات الأمريكية حال انتصارها في الحرب المحتملة بالخليج العربي لأنها ترى أن المنافسة الحامية من جانب الشركات الروسية والفرنسية والصينية بشأن اعادة تأهيل مؤسسات النفط العراقية سوف تحسم لصالحها في تلك الحالة. وقال خبراء نفط أمريكيون أن ارتفاع أسعار النفط الى أكثر من 35 دولارا يعكس الحاجة الماسة الى وجود شبكة امان في مواجهة أزمات الطاقة المستقبلية. وأوضحت إمي مايرز خبيرة شئون النفط بمعهد جيمس بيكر للشئون العامة ان الوضح السائد في سوق النفط أسوأ من الوضح الذي كان سائدا إبان حرب تحرير الكويت عام 1990 مشيرة الى أن المملكة العربية السعودية وإيران ضختا حوالي110 ملايين برميل من النفط خلال الاسبوع الأول لغزو العراق للكويت في أغسطس1990م. وأضافت مايرز أن الدول الصناعية الكبرى سوف تضطر الى اللجوء الى الاحتياطي الاستراتيجي لمواجهة أي أزمة محتملة في امدادات النفط حال اندلاع الحرب بمنطقة الخليج. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة التي تسيطر على الاحتياطيات النفطيةالاستراتيجية بالدول الصناعية ان الاحتياطي النفطي الاستراتيجي بالدول الصناعية يكفي لمواجهة أزمة تعادل في حجمها تداعياتها الثورة الاسلامية الإيرانية عام 1978/ 1979م. ويتوقع المحللون الغربيون موافقة الوكالة الدولية للطاقة على ضخ كميات تتراوح ما بين واحد واثنين مليون برميل يوميا من المخزون النفطي حال اندلاع الحرب بمنطقة الخليج. وقال فيليب كلاب رئيس مؤسسة ناشيونال انفيرومنتال تراست ان الاقتصاد العالمي يعتمد بصورة أساسية على صادرات أوبك مشيرا الى ضرورة قيام الولاياتالمتحدة بتنويع مصادر الحصول على النفط والاستفادة من الاحتياطي الإستراتيجي الهائل لديها والذي يبلغ حاليا حوالي 3 ،599 مليون برميل مخزنة تحت الأرض في المنطقة الممتدة من تكساس وساحل خليج لويزيانا. ودعا فيليب كلاب الى تعزيز الاستفادة من النفط بالولاياتالمتحدة عن تطريق تحسين كفاءة الوقود المستخدم بالسيارات واستخدام مصادر الطاقة البديلة وتدعيم كفاءة المؤسسات الصناعية لخفض الكميات المستهلكة من الطاقة. فشركة فوود ليون كبرى شركات الأغذية الأمريكية خفضت استهلاك الطاقة بنحو 5 في المائة بفضل استخدامها للتكنولوجيا الحديثة وشركة يونيتد تكنولوجي تمكنت من خفض تكاليف استهلاك الطاقة بنحو 100 ألف دولار.