الحقيقة واضحة إذن فالرئيس جورج بوش تجنب قول الحقيقة عندما ادعى أنه قلق بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة فالعراق حاليا يكثف تعاونه مع المفتشين الدوليين من أجل نزع أسلحته وهو ما يجب النظر إليه باعتباره أنباء جيدة من أجل تفادي الحرب فمفتشو الأممالمتحدة يتأكدون من تدمير الصواريخ العراقية ويجرون مقابلات خاصة ومغلقة مع العلماء العراقيين ويزورون المواقع التي تم تدمير الأسلحة البيولوجية والكيماوية العراقية فيها منذ عام 1991 كما تم السماح بتحليق طائرات التجسس الأمريكية يو تو وهو ما يعني تلبية كل مطالب واشنطن لنزع أسلحة العراق ولكن البيت الأبيض يقول انه حتى إذا دمر العراق كل أسلحته ستواصل أمريكا حشد قواتها العسكرية من أجل تغيير نظام الحكم في العراق! وهنا تبدو الغطرسة الأمريكية واضحة للعيان فقد كنا كأمريكيين نطالب بنزع سلاح دولة ما فإذا ما قامت هذه الدولة بتنفيذ الطلب نقول انه أمر غير مهم وأن هذه الاستجابة جاءت متأخرة جدا ونطالب هذه الدولة بأن تلقي سلاحها وتنتظر الذبح على يد الغازي الأمريكي وكان الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لينكولن قد لاحظ قبل قرون أنه حتى الشعوب الحرة ترتكب بعض الحماقات أحيانا وقد كانت كلمات لنكولن هذه قبل ظهور شبكات التلفزيون الإخبارية بفترة طويلة. يقول جون برادي كيسلنج الذي أمضى عشرين عاما من عمره يعمل في الخارجية الأمريكية في خطاب استقالته الذي بعث به إلى وزير الخارجية كولن باول أنه لم يشهد في حياته عملية منظمة لتوسيع المخابرات الأمريكية وزيادة نفوذها كما يحدث الآن ولم يشهد عملية منظمة لاحتكار الشعب الأمريكي منذ حرب فيتنام كما يحدث الآن كان كيسلنج يعمل مستشارا سياسيا في سفارات الولاياتالمتحدةالأمريكية في عدد من الدول الشرق أوسطية وأضاف كيسلنج في خطاب الاستقالة التي جاءت تعبيرا عن رفضه لسياسة الإدارة الأمريكية: قبل هذه الإدارة الأمريكية كان من الممكن الاعتقاد أنه بالالتزام بسياسات الرئيس الأمريكي فأنا اكون ملتزما أيضا بمصالح الشعب الأمريكي والعالم ولكنني اعتقد أن الأمر لم يعد كذلك في ظل إدارةالرئيس جورج بوش وهذا الرجل الشجاع لم يكن الوحيد الذي اتخذ هذا الموقف فالعالم كله في حالة ذهول من الرئيس الأمريكي الذي يمارس الخداع متجاهلا الواجب المقدس الذي يقع على عاتق رئيس أقوى دولة في تاريخ البشرية لكيلا يتصرف بطيش يهدد أمن شعبه والعالم أول المزاعم غير الحقيقية كانت القول بأن العراق ساعد في تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة ولكنه لم يستطع تقديم أي دليل على هذا الزعم وهنا من المثير أن نعلم أنه لم يصل أي قائد من قادة القاعدة إلى العراق حتى هذه اللحظة حتى أن آخر زعيم للقاعدة تم اعتقاله هو خالد شيخ محمد كان يعيش في باكستان وليس العراق في حين أنه تربى في الكويت حيث درس الهندسة هناك ثم تعلم فيزياء المتفجرات في نورث كارولينا بأمريكا ثم كانت الخديعة الثانية وهي أن حيازة العراق لأسلحة دمار الشامل تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي ورغم أن الولاياتالمتحدة تمتلك أكبر شبكة تجسس في التاريخ سواء باستخدام التكنولوجيا المتقدمة أو العناصر البشرية وتقدر نفقاتها بحوالي مائة مليار دولار سنويا ورغم شبكة المنشقين العراقيين الذين جندتهم هذه المخابرات فلم تتمكن أمريكا من تقديم دليل واحد على حيازة العراق لمثل هذه الأسلحة أما ثالثة الاثافي من تلك المزاعم وأكثرها خطورة فهي القول بأن مهمة أمريكا الآن هي تحقيق السلام في الشرق الأوسط من خلال غزو العراق والذي سينتهي كما زعم الرئيس بوش الأسبوع الماضي بإقامة حكومة ديموقراطية في العراق وتؤدي إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط كله فبعد أن تخلى الرئيس بوش عن التعهد الذي التزمت به الإدارة الأمريكية السابقة ببذل الجهد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن فريق بوش يزعم الآن أن تغيير حكومات الدول الإسلامية على مستوى العالم سوف ينتهي بتراجع روح العنف في المنطقة وهذا يقودنا إلى خديعة أخرى وهي أن هذا يصب في مصلحة حليفتنا إسرائيل وهو زعم يردده المحافظون الجدد المسيطرون على السياسة الخارجيةالأمريكية. وفي الواقع فإن إسرائيل سوف تجد نفسها في موقف مرعب تظل فيه بمثابة ورقة التوت التي تغطي على الطموحات الأمريكية وفي نفس الوقت تظل قوة عسكرية معزولة في هذا العالم العربي فهذه الرؤية لإعادة بناء النظام العالمي تأتي من الرؤيةالساذجة وغير الواعية للادارة الامريكية الحالية التي تردد بان العالم يجب أن يعيش عصر الإمبراطورية الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي. فدائرة مستشاري بوش تضم ريتشارد بيرل وديك تشيني وبول وولفوفيتز ودونالدرامسفيلد وجميعهم كانوا أعضاء في مشروع يسمى مشروع القرن الأمريكي الجديد الذي يطالب بضرورة قيام الولاياتالمتحدة بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط منذ عام 1997 وبعد الحادي عشر من سبتمبر استغلت هذه المجموعة المأساة القومية الأمريكية كوسيلة لجذب بوش إلى مساندة رؤيتهم ولم يكن مثل هذا الطيش جزءاً من الحملة الانتاخبية للرئيس بوش بل إنه على العكس كان يسخر من تدخل أمريكا في شئون العالم أو ما كان يطلق عليه بناء الدول عن لوس أنجلوس تايمز خدمة الجزيرة الصحفية