العلماء ورثة الأنبياء، وهم الذين يحملون مشاعل النور في مسيرة الأمة، ويأخذون بأيدي أبنائها إلى الحق والمثل العليا كلها، لذلك كان موتهم خسارة فادحة وشرخاً واسعاً وعميقاً في بناء المجتمع الذي يعيشون فيه، وقد لمسنا ذلك وأدركناه في السنوات الأخيرة حينما فُجعت الأمة بموت رموز لهم مكانتهم المرموقة في العمل الإسلامي والتعليم وغيرهما من المرافق الهامة، وتلاشت شهب كانت تضيء الطريق وتبذل قصارى جهدها لهداية الناس إلى الخير.وموت العالم الذي يقف على ثغور متعددة يُعلّم ويدعو ويفتي ويؤم الناس ويكتب العقود وغير ذلك من مصالح الناس وحاجاتهم يترك نقصاً كبيراً في الساحة التي يغادرها، ولاسيما إذا كانت خالية من الخدمات الرسمية لهذه الحاجات أو بعيدة عنها، لذا تركت وفاة الشيخ إبراهيم بن حمد بن إبراهيم السماعيل الذي ولد في أشيقر عام 1337ه وتوفي رحمه الله في ليلة يوم الأحد الموافق 8/12/1423ه فراغاً هائلاً في مجتمع بلدة أشيقر، فقد كان يفتي الناس ويكتب عقود الأنكحة والمبايعات ويقسم التركات للورثة وينسخ الوثائق الآيلة للتلف وغير ذلك من العقود الأخرى، كل هذه الأعمال وغيرها من الأعمال الخيرية كرئاسته لجمعية أشيقر الخيرية بأشيقر التي خلفه على رئاستها بعد مرضه فضيلة الشيخ محمد بن علي العرفج وفقه الله كجمعه لزكاة بعض أغنياء أشيقر وتوزيعها على الفقراء وما شابهها يعملها احتساباً وطلباً للأجر والثواب.نهل الشيخ من مناهل العلم الصافية فتتلمذ على الشيخ عبدالعزيز بن محمد الفنتوخ في كتاتيب أشيقر، ثم على الشيخ عبدالعزيز بن سليمان الفريح في أشيقر أيضاً حتى حفظ القرآن الكريم وحفظ من السنة ومتون التوحيد والفقه واللغة العربية ما أهلَّه لهذه الأعمال الجليلة التي أشرت إليها، وقد عينه سمو الأمير محمد بن عبدالرحمن الفيصل إماماً وكاتباً، وبعد وفاة سموه التحق بديوان ابنه سمو الأمير فهد بن محمد آل سعود ومكث عنده سبع سنوات عاد بعدها إلى أشيقر فعين مدرساً في المدرسة الابتدائية، وفي عام 1369ه عين وكيلاً للمدرسة ثم مديراً لها، وفي عام 1380ه عين إماماً وخطيباً لجامع أشيقر واستمر حتى مرض مرضه الأخير فخلفه أحد تلاميذه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم المنصور وفقه الله. كان الشيخ إبراهيم يفتح باب داره بعد مغرب كل يوم من أيام الأسبوع، فيفد إليه كثير من الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية وغيرها، وكان كثيراً ما يغتنم فرصة اللقاء فيعظ ويدعو بمنهج يتلاءم مع جميع المتلقين، يغلف دعوته في قصة أو حكمة أو مثل، وربما تناول كتاباً فقرأ منه وشرح غامضة بأسلوب سهل قريب المعنى، ومن منهجه في مجلسه طرح الفرصة أمام الآخرين ليتحدثوا وغالباً ما يعلق على أحاديثهم، ولما كان حجة في اللغة العربية وعالماً من علمائها كان يفرح بطرح البحث اللغوي والمناقشة في القواعد ولاسيما الإعراب، له آراء في التربية والتعليم كاهتمامه بطلاب السنة الأولى ومناداته بالوسطية في تربية الطلاب وتركيزه على النحو التطبيقي، وقد كتب تجاربه وذكرياته في التعليم في أكثر من مائة صفحة. ومما يعزي في و فاته أن أبناءه قد تقاسموا إرثه العلمي في الشريعة واللغة العربية وآدابها والتربية، رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته ووالدينا وجميع المسلمين.