القيادة «LEADERSHIP» إحدى الوظائف الإدارية التي يقوم بها المدير أو القائد ولكي ينجح في هذه الدور لابد أن تتوافر لديه معرفة ومهارات خاصة بالعلاقات والخصائص النفسية والشخصية والإنسانية، واستخدام المهارات والخصائص الشخصية والجاذبية الذاتية والفروقات الفردية للتأثير في أفكار وآراء وتوجهات وتصرفات وسلوك الآخرين بطريقة تحفزهم وتحرك الحماس فيهم وتستثمرهم، تجعلهم يحققون أداءً متميزاً. القائد لديه القدرة على النفاذ إلى قلوب الآخرين والتعامل مع جميع الأنماط السلوكية في البشر، يعرف كيف يستخلص منهم أفضل ما عندهم، يتمتع المدير القائد بأدب وبخصال طيبة وصفات وأخلاق نبيلة وسجايا حميدة وتسامح ومرونة، لديه مهارة في الإدارة الإنسانية، يدير بسلوكه وعلمه وخبرته وعمله وليس بمركزه وسلطته وبطشه، يجعل من نفسه قدوة في تصرفاته كي يحظى بهذه القيادة بجدارة، ينبغي أن يكون ملماً بالمهارات والخصائص الإنسانية، يحفز العاملين ويعالج مشاكلهم واحتياجاتهم الإنسانية والمادية التي تؤثر في أدائهم. القائد من المبدعين الذين يؤمنون بنظرية System Theory أو System Thinking التي تحث على مشاركة الجميع في مكينة القرار حتى يشعروا انهم من نسيج المؤسسة، هذا القائد يدرك أن 94% من المشاكل سببها النظام في المؤسسة وأن 6% من المشاكل ترجع إلى الموظفين، أما التفكير التقليدي Traditional Thinking يعتقد أن الموظفين هم سبب المشاكل ويحرم المؤسسة من مصدر ثري ومهم للتفكير الإبداعي وطاقات عظيمة تحتاج إلى من يوظفها ويستثمرها.. إن أي موظف له خصائص فردية خاصة به لا تتكرر في غيره، إذا لم نفهمها ونستوعبها، نفقد الاتصال ونسيء العلاقة معه ونضيف تكلفة إلى المؤسسة. أما التسلط في قيادة وإدارة الأفراد فقد تناولته أدبيات الإدارة من حيث دوافعه وسلبياته ونتائجه وآثاره الاقتصادية وتبلور رأي في الساحة الإدارية حوله تمثل في اعتباره أداة خطيرة لإعاقة العمل والمشاركة والإبداع، وهو نمط من السلوك الإداري، نذير شؤم، يوغر الصدور، يعوق من التقدم والتطور ويحد من سير قافلة العمل. المتسلط ينظر إلى نفسه انه وحده العالم والقادر على إصلاح الحال، أما غيره ممن يعملون معه فهم قطيع يأمرهم فيطيعون وينهاهم فيستسلمون، هو الذي يخطط لذلك القطيع، عندما يتسلم مركز قيادي يصرخ في وجوه مرؤوسيه لسان حاله يقول «يا معشر القطيع إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها بالتخلص من المتميزين، المخلصين، الناصحين الذين يواجهونه عندما يهم باتخاذ قرارات مراهقة، طائشة، غير ناضجة، لا تأخذهم بالحق لومة لائم وتهمهم المصلحة العامة، يقوم بتجميدهم وركنهم وتطفيشهم حتى ينسحبوا إما بالتقاعد المبكر أو النقل أو الاستقالة، وتخسر الإدارة كفاءات مؤهلة ومنتجة وتصبح الساحة خالية لهذا المتسلط كي يصول ويجول ويستغل منصبه وصلاحياته لخدمة مصالحه الخاصة أولاً وشلته، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. المسؤول المتسلط الكل يستعيذ بالله من شره عند إقباله وإدباره، ينتظرون ساعة رحيله، لا يحترم كبيراً ولا يرحم صغيراً ولا يجل شيبة، يبحث عن الزلة فتنمو في نفسه ويضيق بها صدره، يتصيد الأخطاء ويتحين الفرص، يحسس الآخرين بالدونية، يزهو ويتكبر ويتعجرف عليهم، يتحاشى الاستعانة بمن هم على قدر عالٍ من الكفاءة والمهارة وذلك رغبة في الاحتفاظ بمفاتيح القوة في يده وعدم توزيع الأدوار خشية المنافسة وظهور آراء مخالفة لرأيه، تراه يسرف على نفسه في الانتدابات وحضور الدورات والندوات والمؤتمرات والاجتماعات وعندما تكون الدورة أو الندوة لغيره ممن ليس من الشلة يثير ألف تساؤل هل تنطبق مع تخصصه؟ هل هي في مجال عمله؟ وكم دورة أو ندوة سبق أن حضر؟ هل البند يسمح؟...إلخ بزعم الترشيد والحرص على الأموال العامة. المتسلط يمارس الإرهاب الذي الجميع يحاربونه إرهاب وظيفي من خلال المحسوبية، حيث يقرب الذين يتأقلمون معه ويبعد ويتجاهل الآخرين. ربما كان دافع التسلط نتيجة فترة وظروف عاشها هذا المتسلط في بداية حياته ذاق فيها من الذل والهوان والحرمان ما الله به عليم، فعندما تولى أمراً فجر ما في نفسه ليهلك الحرث والنسل ولينتقم نتيجة ما لقيه، قد يكون سبب التسلط مرضاً نفسياً يعاني منه هذا المسؤول أو عقدة مركب نقص يريد تعويضه على حساب الآخرين، يشعر أن المنصب أكبر من حجمه، فيتصرف تصرفات شاذة لتغطية فشله وقلة حيلته، أو ربما يكون دافع التسلط أنانية وعنجهية وقصر نظر ونقص عقل ودين، راق له من يعرفه أو المقرب له وأراد أن يعمل معه فيسعى إزاحة غيره وإحلال من يحب. للتسلط أثر اقتصادي سيىء فهو سبب لاغتيال الطاقات وتهميش دورها وكبتها وربما حال دون وصولها إلى مكان مرموق، يفرض التعتيم على قراراته لا يشرح ولا يدل الآخرين على حقوقهم حتى لا يطالبونه بها ولا يسمح ولا يتسامح مع من يطالب بحقوقه لكي يضمن استمرار هيبته وسيطرته وتسلطه ومنته عليهم، غياب الشفافية والتعتيم من سمات المتسلطين. بالتسلط ينتشر الفساد الإداري الذي هو عقبة كأداء أمام التنمية الشاملة والمستدامة سواء كانت تنمية صحية أم تعليمية أم مائية، يحرف بل يمنع الاستفادة واستثمار الموارد والإمكانات والطاقات البشرية والمالية والعلمية، يؤدي إلى استخدام موارد الدولة من ممتلكات ومرافق وموارد بشرية وفنية لأغراض شخصية واستثمار السلطة والعلاقات والمعلومات الداخلية لمنفعة فئة دون أخرى. التسلط يمرض النفوس ويعمي القلوب ويلغي الضمائر فتختل موازين العدل ويختفي الإنصاف وتسيطر الأنانية ويستشري حب الذات، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإحباط والبطالة والتوتر والتذمر وانتشار الكآبة وانخفاض الروح المعنوية بين أصحاب الطاقات الكامنة المعطلة وزيادة أعداد الكفاءات والخبرات البشرية العاطلة، يقف حائلا دون أن يستفيد الاقتصاد من الطاقات الكامنة لأصحاب الطموحات الكبيرة والآمال العريضة لخدمة أمتهم، ويحول دون تمكينهم من أن يعطوا اقتصاد مجتمعهم كل جهدهم وجميع طاقاتهم وقدراتهم ليس ذلك بسبب قصور منهم أو محدودية قدراتهم أو تردد في استعدادهم أو خلل في ولائهم ووطنيتهم ولكن بسبب غياب التنافس مما ينتج عنه هدر أموال الدولة التي صرفت لتعليم وتأهيل هذه الكوادر البشرية التي أفقدها المدير المتسلط دورها في المجتمع. وهذا كله من أسباب تخلف الاقتصاد لأن الأيدي العاملة والموارد البشرية هي من أهم عناصر الإنتاج كما أن انخفاض الروح المعنوية سبب لنقص مناعة الإنسان مما يعرضه لأمراض تشكل عبئاً اقتصادياً إضافياً على الدولة. كتبت هذا بعد ما قرأت ما ورد في الصفحة الأخيرة من جريدة المدينة العدد 14516 بتاريخ يوم الاثنين 17/11/1423ه «20/1/2003م» حول «تهميش وإقصاء كبار الموظفين في بلدية الطائف» ثم قرأت مقالاً يحتوي على نفثة مصدور للأخ حماد بن حامد السالمي في جريدة الجزيرة العدد 11077 بتاريخ 23/11/1423ه «26/1/2003م» حول الموضوع نفسه وقد جاء في المقال «إن الكفاءات الوطنية المؤهلة في كل مكان في هذا الكون يحتفى بها فتوضع في أمكنتها المناسبة لتقدم لوطنها ومواطنيها العطاء الجيد والأداء المطلوب، إلا في هذا الجهاز في وزارة البلديات .....» أود تصحيح هذه الجملة الأخيرة وذلك من باب الإنصاف لوزارة البلديات، لأن ظاهرة تهميش الكفاءات لا تكاد تخلو منها إدارة حكومية بحجة «أنني لا أنسجم معك»، «لا نستطيع أن نعمل معاً»، «مصلحة العمل تقتضي ذلك»، أو تحت غطاء مستشار يتم تجريدهم من مهامهم ووضعهم على الرف، الخلاصة أن الشللية طاغية بوضوح صارخ وضاربة جذورها وأطنابها في المجتمع الوظيفي، حيث وصل الأمر في إحدى الجهات الحكومية إلى أن تؤخذ معلومات من ملف أحد الموظفين وتستخدم لترقية موظف آخر تحت غطاء بشري، يكون أحدهم مسؤولاً في مركز قيادي لسنوات طويلة، ملء السمع والبصر يدير العمل ويتحمل المسؤولية بكفاءة وإخلاص وتفانٍ، وبشخطة قلم يصبح لا يصلح كمدير على ثلاثة ... ، ويقضي الدوام يأكل الطعام ويمشي في الأسواق أو يتجول في ممرات الإدارة أو بالنوم في المكتب إذا كان من الصائمين القائمين، هذا غيض من فيض مما هو مستشرٍ في جهاز الحكومة، هذا مما طفا على السطح وظهر وما خفي كان أعظم، لأن من تسول له نفسه عمل هذه الأمور، لا يستبعد منه أي عمل آخر، هذه نتيجة نمط «الإدارة بالمزاج»، و«الإدارة الفردية»، والفساد الإداري، نتيجة لسكوت وطناش الجهات المسؤولة «هيئة الرقابة والتحقيق، وزارة الخدمة المدنية، ديوان المظالم»، لذلك لا بد أن يكون لمجلس الشورى رأي وموقف وكلمة من هذه الظاهرة، الأمل في هذه النخبة التي يتشكل منها المجلس أن تتصدى لبحثها ودراستها بالتعاون مع معهد الإدارة العامة والتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية، لعلهم يجدون مخرجاً لها، تحافظ على هذه الطاقات والخبرات والكفاءات والكوادر من الهدر، التي كلفت المجتمع الكثير لتأهيلها وتعليمها وتدريبها، لا ينبغي أن نترك مصيرها ومستقبلها بل مستقبل أسرهم لمزاج فرد أو شلة لأن إحباط رب الأسرة ينعكس على أفراد أسرته، وما المجتمع إلا من هذه الأسر.. إن استمرار هذه الظاهرة من ازدواج المعايير وعدم وضوحها وعدم المساواة والإحباط وطناش الجهات المسؤولة يؤدي إلى تفشي واستشراء الفساد وينشأ نتيجة لذلك جيل متطرف.