الله عزوجل حكيم، والحكمة صفته، وأفعاله وأوامره ونواهيه في غاية الحكمة فهو سبحانه [العليم الحكيم] وهو [العزيز الحكيم] وهو [الحكيم الخبير]. ومن حكمته سبحانه في فرائضه وأعظمها أركان الاسلام الخمسة، فهي في توحيد الله وإفراده بالعبادة قولاً واعتقاداً وفعلاً. ومن ذلك الحج والعمرة الى بيته الحرام فهو إعلام بتوحيده، وإظهار لشعائر وحدانيته، ولاسيما وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن في شعائر الحج التوحيد خصوصاً في المواضع التي أقام فيها المشركون مظاهر شركهم، كان يحرص صلى الله عليه وسلم فيها وعليها بإعلان التوحيد، وإفراد الله عزوجل بالعبادة وحده لا شريك له قولاً وفعلاً، دعوةً وبلاغاً وجهاداً. ففي السنة التاسعة من الهجرة فرض الحج الى بيت الله الحرام فريضة على المسلمين في قوله عزوجل من سورة آل عمران {وّلٌلَّهٌ عّلّى النّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ وّمّن كّفّرّ فّإنَّ اللَّهّ غّنٌيَِ عّنٌ العّالّمٌينّ} . وفي سورة الحج يقول عزوجل:{وّإذً بّوَّأًنّا لإبًرّاهٌيمّ مّكّانّ البّيًتٌ أّن لاَّ تٍشًرٌكً بٌي شّيًئْا وّطّهٌَرً بّيًتٌيّ لٌلطَّائٌفٌينّ وّالًقّائٌمٌينّ وّالرٍَكَّعٌ السٍَجٍودٌ *ر26ر* وّأّذٌَن فٌي النَّاسٌ بٌالًحّجٌَ يّأًتٍوكّ رٌجّالاْ وّعّلّى" كٍلٌَ ضّامٌرُ يّأًتٌينّ مٌن كٍلٌَ فّجَُ عّمٌيقُ *ر27ر* لٌيّشًهّدٍوا مّنّافٌعّ لّهٍمً وّيّذًكٍرٍوا اسًمّ اللَّهٌ فٌي أّيَّامُ مَّعًلٍومّاتُ عّلّى" مّا رّزّقّهٍم مٌَنً بّهٌيمّةٌ الأّنًعّامٌ فّكٍلٍوا مٌنًهّا وّأّطًعٌمٍوا البّائٌسّ الًفّقٌيرّ *ر28ر* ثٍمَّ لًيّقًضٍوا تّفّثّهٍمً وّلًيٍوفٍوا نٍذٍورّهٍمً وّلًيّطَّوَّفٍوا بٌالًبّيًتٌ العّتٌيقٌ *ر29ر* ذّلٌكّ وّمّن يٍعّظٌَمً حٍرٍمّاتٌ اللَّهٌ فّهٍوّ خّيًرِ لَّهٍ عٌندّ رّبٌَهٌ} . فهذه الآيات كلها إعلان بالتوحيد وتقرير له في الإحرام وذكر الله والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ومزدلفة والمبيت بمنى والرمي والحلق والذبح أو التحرر والدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح كل ذلك اعلان بالتوحيد. وفي سياق آيات الحج يقول سبحانه {حٍنّفّاءّ لٌلَّهٌ غّيًرّ مٍشًرٌكٌينّ بٌهٌ وّمّن يٍشًرٌكً بٌاللَّهٌ فّكّأّنَّمّا خّرَّ مٌنّ السَّمّاءٌ فّتّخًطّفٍهٍ الطَّيًرٍ أّوً تّهًوٌي بٌهٌ پرٌَيحٍ فٌي مّكّانُ سّحٌيقُ ر31ر* ذّلٌكّ وّمّن يٍعّظٌَمً شّعّائٌرّ اللَّهٌ فّإنَّهّا مٌن تّقًوّى القٍلٍوبٌ} . ولما فرض الحج في العام التاسع لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة حتى لا تظهر أعلام الشرك والوثنية بحج المشركين وتلبياتهم الشركية في قولهم «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملكه وملك» فأرسل صلى الله عليه وسلم صاحبه وحبيبه أبا بكر الصديق رضي الله عنه ثم اتبعه بعلي رضي الله عنه يعلنان في مشاهد الحج ومواقف الموسم اعلان التوحيد بتطهر الحرم من غير الموحدين، فناديا في الناس نداء النبي صلى الله عليه وسلم.. «ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان». فكان ذلك حيث حج عليه الصلاة والسلام من عام قابل في السنة العاشرة حجة الوداع معلناً التوحيد ومحققاً دعوته وحقيقته، ولم يحج البيت مشرك، بل وأكد الدعوة الى تحقيق العبادة، بإعلانه التوحيد في المشاهد والمشاعر التي أعلن فيها المشركون من قبل شركهم ووثنيتهم. ومظهر آخر مهم في إعلانه صلى الله عليه وسلم من مظاهر التوحيد في احرامه من الميقات واهلاله بالنسك من الوادي المبارك - وادي العقيق حيث صح في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما الذي خرجه الامام مسلم في صحيحه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما علا البيداء أهل بالتوحيد. وهو قوله: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك». هذه التلبية التي هي في الحج كالشهادتين في الاسلام، فكما ان الاسلام لا يتحقق إلا بالشهادتين المتضمنة تحقيق التوحيد لله وحده لا شريك له. كذلك الحج والعمرة الذي هو خاتمة الأركان الخمسة في الحج مبدؤه وادامته بالتوحيد، وما تلكم التلبية إلا اعلان بهذه الدعوة الى تصحيح العقيدة وبناء أساس الدين على قاعدة توحيد الله بأفعال عباده، وذلك بافراده سبحانه بعبادة الحج وبجميع أنواع العبادة. فالواجب على المسلمين أن يعقلوا هذا الأمر ويهتموا بهذه القضية اهتماما عظيما ليكونوا على هديه صلى الله عليه وسلم القائل:«خذوا عني مناسككم» وذا أهم شعائره ومناسكه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وّمّن يٍشّاقٌقٌ الرَّسٍولّ مٌنً بّعًدٌ مّا تّبّيَّنّ لّهٍ الهٍدّى" وّيّتَّبٌعً غّيًرّ سّبٌيلٌ پًمٍؤًمٌنٌينّ نٍوّلٌَهٌ مّا تّوّلَّى" وّنٍصًلٌهٌ جّهّنَّمّ وّسّاءّتً مّصٌيرْا}. وقال عزوجل {قٍلً هّذٌهٌ سّبٌيلٌي أّدًعٍو إلّى اللَّهٌ عّلّى" بّصٌيرّةُ أّنّا وّمّنٌ اتَّبّعّنٌي وّسٍبًحّانّ اللَّهٌ وّمّا أّنّا مٌنّ الًمٍشًرٌكٌينّ} . وفق الله المسلمين وهداهم الى توحيد الله والدعوة اليه والمصابرة عليه والتواصي به ورزقه التفقه في دينهم والثبات عليه إنه ولي ذلك والموفق له والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.