المطار.. بناء جميل.. موقع أجمل.. بيئة صحية.. جدر رخامية.. نوافير مائية.. خضرة هنا وهناك.. مواقف سيارات تنساب بنظامية لا تعرف التسيب.. نظام في كل جهة وترتيب في كل وجهة وتقيد بما هو مسنون ومشروع.. حتى البَشر تجدهم والبِشرُ يعلو محيا كل منهم.. يروحون بأحلى الحلل و يجيئون بأبهى الطلل.. باختصار تغيب في المطار عن بالك المدينة وتختفي عن أنظارك غالب الظواهر السلبية المستشرية فيها. قد يقول قائل إن المطار مدينة في رحم مدينة غير أن السؤال هو لماذا نجد أن لمدينة المطار هذه طريقة أو أسلوب حياة تختلف في الغالب عن مقومات وعناصر نظيرها ثقافة المدينة؟ ماذا يعني ذلك في ضوء حقيقة قرب المطار من هذه المدينة؟ ولماذا نجد أنفسنا وعاداتنا وتقاليدنا «تختلف» في المطارات عنها في المدن التي نقطن فيها؟! بمعنى آخر ما الذي يجعلنا ننجح في تخليق الذوق الحضاري في محيط المطار؟ وما الذي يحول بيننا والنجاح في نقل صيغ الحياة «المطارية» وتفعيلها في المدن..؟ لاسيما أن المطار مثله مثل المدينة يزدحم «موسمياً».. بل تسري عليه جميع المظاهر والظواهر والمقومات والعناصر التي تتسم بها كالمساحة والكثافة السكانية والعمرانية. إن ظاهرة انفصام العرى أو الانفصال «الحضاري» بين المدينة ومطارها هذه لأبلغ دليل على أن ثمة خللاً «ما» في ثنائية التقليد والتحديث ومتطلبات المواءمة اللازمة بينهما، فلم نستورد «المطار» بمعزل عن ظروف المدينة وحسب بل أيضاً لم نحاول أن نوائم بين الاثنين ثقافياً وأعني بذلك هنا تخليق متصل ثقافي «Continuum» أو تأسيس نوع من الاتصال القيمي بين المطار والمدينة بما هو كفيل بمنح أكثرهما إيجابية فرص التأثير في الآخر إيجابياً. وبالطبع من ضمن وسائل ذلك تكييف منظومة القيم وتعديل نظم التعليم وصياغة برامج وأنماط التربية لتكون قادرة على تحمل أعباء ما يتطلبه «الاتصال» بكل ما يعنيه هذا المفهوم القيمي/الحضاري من حيثيات ودلالات.