حب التملك فطرة يفصح عنها الانسان منذ نعومة أظافره، وتتجسد في طفولته البريئة برغبته العفوية في اقتناء الألعاب، التي تنمو معه وتتطور بقدر مساحة طموحه وقدراته في مسيرة حياته الطويلة. وقد أودع الله في قلب الانسان السَّوي حب العمل وطلب منه السير في مناكب الأرض والبحث فيها عن رزقه من أجل إعمارها. وإعمار الأرض مهمة جليلة اختص الله بها الانسان وميزه بها عن سائر مخلوقاته. إعمار الأرض يأخذ في التطبيق العملي مسارين أساسيين، أولهما: الحفاظ على استمرارية الانسان بالزواج والتوالد والتكاثر، وثانيهما: بالبناء وتشييد المساكن، ولهذا عمل الانسان منذ بداية وجوده على الأرض على بناء منزله الذي يضمه وأسرته، وهكذا يكون امتلاك المنزل هو التجسيد التراكمي لفطرة حب التملك لدى الانسان عندما يصل إلى مرحلة النضج ليترجم فطرته الأولى إلى عمل يتفق معها. وعليه، فإن رغبات الانسان العفوية في طفولته البريئة تتحول إلى رغبات موضوعية تركز على أولويات فطرة حب التملك، وهكذا فإن امتلاك المنزل هو الحلم الأول للإنسان الراشد، وهو الخطوة الاقتصادية الأولى التي يدخل بها الانسان عالم الادخار والاستثمار، وقد رسخت الأفكار الاجتماعية هذا المفهوم لدى الانسان في كل بقاع الأرض، إذ انه دون امتلاك المنزل يظل الانسان أجيراً ومستأجراً في الوقت نفسه، وهاتان صفتان تمثلان مصدر قلق له وتبعدانه عن تحقيق أولويات تلك الفطرة، وقد جسدت بعض أمثالنا الشعبية هذه المعاناة، كما في المثل المكي «بيت قد المرايا ولا كل يوم هات كرايا»، فالايجار معاناة واستنزاف دائم للدخل، وشعور بعدم الاستقرار واحباط يعوق الوصول إلى القمة التي يسعى إليها الناس، وتتمثل، عند البعض، في امتلاك منزل متميز كما يقول المثل المكي: «تمام الغنى بيت في منى». ومهما تنوعت قنوات الاستثمار وأدواته، يظل المنزل هو الحلم الأول وهو الاستثمار الأول الذي يأتي بعده كل أنواع الاستثمار الأخرى، فامتلاك المنزل يتيح للإنسان أن يمدّ رجليه بهدوء ويستغرق متلذذاً في التفكير في قنوات الاستثمار وأدواته الأخرى المتنوعة المتاحة أمام مدخراته التي تمكّن من جمعها بعد امتلاك المنزل. وتختلف معاناة الانسان في تحقيق حلمه الأول من بلد لآخر، باختلاف الظروف الاقتصادية بين بلدان العالم بما حبا الله كل بلد من موارد اقتصادية، ونحمد الله ونشكره كثيراً، إذ بشكره تزيد النعم، ان حبانا الله في بلادنا الغالية بموارد اقتصادية أسهمت في التخفيف إلى حد كبير من معاناة الانسان السعودي في تحقيق هذا الحلم، ولم يبق أمام هذا الانسان إلا العمل الجاد للوصول إلى تحقيقه، كل بقدر نصيبه من هذه الدنيا. وأمام القناعة التي حثنا عليها الإسلام ووصفها العقلاء بأنها كنز لا يفنى، يتساوى المنزل الصغير مع القصر الكبير، فكلاهما ستر من عند الله وراحة للبال ونواة للأسرة الممتدة وحماية من نزيف الإيجار.