صدر العدد السادس من مجلة ادوماتو وهي مجلة متخصصة بالدراسات الآثارية تعنى بآثار الوطن العربي، تصدرها مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية. وقد احتوى هذا العدد على تسعة ابحاث علمية جديدة تناقش قضايا آثارية متنوعة، خمسة منها بالقسم العربي من المجلة، واربعة ابحاث بالقسم الانجليزي، وشارك في اعداد ابحاث ومواد العدد نخبة من الباحثين المتخصصين في مختلف ميادين الآثار. وكتب افتتاحية العدد أ.د عبدالرحمن الطيب الانصاري رئيس تحرير المجلة، فاشار الى ان العديد من الجامعات العريقة ذات السمعة العلمية داخل الوطن العربي او خارجه صارت تقبل الابحاث العلمية المنشورة في ادوماتو ضمن الاعمال المقدمة للترقية، وهو ما يعد شهادة من هذه الجامعات لمستوى الابحاث التي تنشرها المجلة والتي تقوم بتحكيمها وفق اسس التحكيم العلمي المعروفة. كما حذر أ.د عبدالرحمن الانصاري رئيس تحرير مجلة ادوماتو الجهات المسؤولة عن الآثار في الوطن العربي من الانفتاح غير المدروس على البعثات الاثرية القادمة الى الدول العربية بدعوى التنقيب في المواقع الاثرية العربية، والانتباه الى ان بعض هذه البعثات الغربية قد تعبث في موقع من مواقعنا الآثارية المهمة منطلقة من مفاهيم وموروثات توراتية سخروها لخدمة اغراضهم غير الشريفة. ودعا الانصاري الجهات المسؤولة الى وضع العقود الكفيلة واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية حقوقنا وحضارتنا من اطماع البعثات الاثرية، والحرص على تراثنا وحضارتنا من تشويه بعض هذه البعثات. ومن ابحاث القسم العربي في هذا العدد: «نقش جديد من نقوش ذي سماوي» تقدم فيه الباحثة اليمنية الدكتورة عميدة شعلان دراسة تحليلية لغوية لنقش جديد من نقوش متحف قسم الآثار بجامعة صنعاء وتؤكد الباحثة ان النقش واحد من مجموعة النصوص النذرية لذي سماوي يرد لاول مرة في النقوش اليمنية وهو ينشر لاول مرة، واما البحث الثاني فهو بعنوان:« مناهج التاريخ واساليبه عند العرب في ضوء النقوش العربية المبكرة» للباحث والمدرس في قسم الآثار بجامعة الملك سعود الدكتور مشلح المريخي، متناولاً الطرق المتباينة التي اتبعتها العرب في ذكر الاحداث البارزة التي مرت بهم، في فترة ما قبل الاسلام، ومنها التاريخ بالوقائع والايام المشهورة، والتاريخ بمواقف واحداث ذات صلة بالزعماء والملوك، اضافة الى التاريخ المرتبط بالتقويم السلوقي او تقويم بصري، واجرى الباحث دراسة تحليلية لمجموعة من النقوش العربية قبل الاسلام. وفي البحث الثالث يدرس عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة أ.د رأفت النبراوي نقود القدس الاموية والعباسية في العصر الاسلامي، ويعرض فيه الباحث مجموعة كبيرة من المسكوكات الاسلامية التي ضربت في القدس وتحمل اسم ايليا او القدس صراحة. اما الدكتور خلف الطراونة من جامعة مؤتة بالاردن فيقدم في البحث الرابع دراسة تحليلية لدينار فاطمي نادر باسم الخليفة المستنصر بالله ضرب صقلية سنة 442ه مبيناً فيها الدور الاعلامي والدعائي الذي لعبه في تلك الفترة لما يحمله من عبارات تعلن عن دعوة الدولة الفاطمية ومبادئها المناوئة للعباسيين. وفي البحث الخامس من ابحاث القسم العربي يقدم أ.د احمد بن عمر الزيلعي من جامعة الملك سعود بالرياض دراسة لنقش اسلامي شاهدي لامرأة من القطيف بمتحف الدمام بالمنطقة الشرقية، مؤرخ لعام 801ه/1398ه، يوضح الباحث فيه الخصائص الفنية لكتابة هذا الشاهد وزخرفته وما يتصل بهما من جوانب فنية كانت سائدة في تلك الفترة. اما القسم الانجليزي من المجلة فاحتوى على اربعة ابحاث آثارية تحدث الباحث أ. جيفري روس في البحث الاول عن المشغولات الحجرية الغنية بالادوات والانصال ثنائية الوجه التي عثر عليها خلال عملية مسح آثاري في منطقة «مهرة» باليمن تعود لحوالي عشرة آلاف سنة قبل الوقت الحاضر. وفي البحث الثاني يناقش الباحث الاردني عبدالله الشرمان من جامعة اليرموك تحديد مناخ منطقة «يعمون» بشمالي الاردن في العصر البرونزي الوسيط والمتأخر باستخدام نظائر الاكسجين في مينا الاسنان، ويستنتج ان المنطقة كانت اكثر جفافاً مقارنة بالعصر البرونزي المتأخر، ولكنه يؤكد ان كميات الامطار المتساقطة آنذاك كان كافية للممارسة الزراعية الجافة، مع ان سكان المنطقة هاجروا الى اماكن اخرى ذات وفرة في مصادر المياه كدلتا النيل. وفي البحث الثالث يعرض الباحث في المتحف الوطني بالرياض الدكتور مجيد خان لمجموعة من الرسومات الصخرية الانثوية التي عثر عليها في منطقة حما جنوبي الجزيرة العربية، قرب نجران وعسير، تشير هذه الرسوم الصخرية الى قيم ثقافية واجتماعية ودينية متميزة سادت جنوبي شبه الجزيرة العربية ابان فترة ما قبل التاريخ. اما البحث الرابع في القسم الانجليزي فتناقش فيه الباحثة د. هاريت كروفورد قضية الآثار والتنمية والمخاطر التي تواجهها ومن اهمها السدود. والى جانب هذه الابحاث القيمة تضمن العدد السادس من ادوماتو عرضاً لثلاثة كتب آثارية الاول هو كتاب «العلا ومدائن صالح» تأليف أ.د عبدالرحمن الانصاري و د. حسين ابو الحسن والثاني كتاب «الثالوث الكوكبي المقدس احد مظاهر علاقات المغرب القديم بشرقي افريقيا وجنوبي شبه جزيرة العرب للباحثة د. عفراء الخطيب من المغرب العربي. والكتاب الثالث بعنوان «الاسلام: الفن والعمارة» تحرير ماركوس هاتشتاين وبيتر ديليوس..واشتمل العدد ايضاً على تقارير عن بعض المؤتمرات الآثارية التي عقدت في الوطن العربي. الغلاف أسطورة الحب عند ابن الجوزي تعددت مشارب العرب ومذاهبها حول العشق والغرام والحب والهيام الا انها لا تستطيع القضاء على وجيب قلوب عشاقها او ان تطمس افئدتهم، فمنهم من يرى ان الحب والغرام ما هو الا ضرب من اللهو والعبث الذي لا يتناسب مع شخصية الرجل العربي المعروف ببسالته وشجاعته في الميدان وليس لديه وقت كاف لتمضيته في عشق الغواني اذ كان الرجل خاضعاً لإرادة القبيلة التي تخضعه للصراعات والحروب والثارات، لذا كانت القبيلة تعزي وتواسي الرجل في ابنه العاشق كما واست القبيلة والد مجنون ليلى في ولده عندما ضاع في الفيافي الشاسعة يلاحق سراب محبوبته بين رمال الصحراء الى ان مات عند الغدير. وهناك من الاعراب من يؤمن بوجود الحب والهوى ويرى فيه انه يرقق المشاعر الجافة ويرطب الافئدة الغليظة فكم من عاشق بخيل جاد بنفسه وماله وكم من حاقد نسي حقده بمجرد ان يرى غدير الحرب فيرتشف من مياهه العذبة. وهناك من الاعراب من افرط في الحب ففتتحوا حانات وراحوا يراقصون الحسناوات من الجواري على كأس من الشراب وهؤلاء هم الذين سايروا موجة الانحلال الاخلاقي والتحرر كما حدث في العصر العباسي الثاني حيث قل الوزاع الديني وانغمسوا في الشهوات وهناك من الاعراب من يسن شفرته ويذبح ابنه من الوريد الى الوريد اذا سمع انه عشق امرأة. الا ان العقلاء من العرب يتحفظون تجاه الحب وهم يميلون الى المحافظة حتى وان آمنوا بوجوده فهم يتعاملون معه بحكمة ودراية من غير ان يسيئوا الى تقاليدهم وعاداتهم العربية الاسلامية التي تأصلت مفاهميها في قلوبهم وافئدتهم. وبين ايدينا كتاب «ذم الهوى» وهو للعلامة ابن الجوزي صاحب المصنفات التوعوية والدينية والتفسيرية والتاريخية حتى غدا المفكر الاسلامي الاول الذي برز في القرن السادس للهجرة. ولعل العلامة ابن الجوزي يقف في صف المعارضة تجاه الحب والغرام وللعلامة - رأيه - حيث انه يذم الهوى ومن يتعلق في شباك الحب ويرى ان الانسان يجب ان لا ينشغل ساعة عن عبادة ربه باللهو مع الفاتنات. وقد حقق هذا الكتاب - ذم الهوى - الاستاذ مصطفى عبدالواحد وراجعه الشيخ محمد الغزالي في طبعته، الاولى الصادرة في عام 1381ه - 1962م ويقول المحقق عن مزايا هذا الكتاب انه «كتاب بما اشتمل عليه من نصوص واخبار واشعار، قد ينفرد ببعضها وقد يشارك في بعضها امهات كتب الادب، ويمتاز هو بدقة السند واتصاله. ويقارن المحقق بين كتاب «ذم الهوى» للامام ابن الجوزي وبين كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الاندلسي حيث يقول: ولقد سبق ابن الجوزي في دراسة موضوع الحب، ابن حزم الاندلسي في كتابه «طوق الحمامة»، ولكن شتان بين موقف وموقف وبين دافع ودافع، فابن حزم قد جمع بعض اخبار العشاق، واقاويلهم ولم يربط الامر بشيء آخر، ولم ينظر اليه من زاوية اخرى، اما ابن الجوزي فقد وصل الماضي بالحاضر، ونظر نظرة مستكشفة خلال القرون، ونظرة اخرى فاحصة في ارجاء مجتمعه وقبل ذلك نظرة عميقة في كتاب الله وسنة رسوله. ويحدثنا المؤلف ابو الفرج الجوزي عن الهوى - حيث يقول «شكا الى بعض من اثرت شكواه اثارة همتي في جمع هذا الكتاب، من بلاء ابتلي به، وهو ى هوى فيه، وسألني المبالغة في وصف دواء دائه، فأهديت له نصيحة وديد لاودائه». وقد ضم كتاب «ذم الهوى» خمسين بابا يتحدث فيه عن العقل وفضله وما جاء فيه وذم الهوى والشهوات وفي التحذير من العقوبات وفي الافتخار بالعفاف وفي ذكر ثواب من عشق وعف وكتم وذكر ادوية العشق وغيرها من الابواب التي تعالج موضوع العشق من خلال رؤية اسلامية. ويقول ابن الجوزي في تعريفه للعقل «العقل غريزة، كأنها تقذف في القلب فيستعد لادراك الاشياء، فيعلم جواز الجائزات واستحالة المستحيلات ويتلمح عواقب الامور». ويرى ابن الجوزي ان محل العقل هو القلب حيث يقول اكثر اصحابنا يقولون محله القلب، وهو مروي عن الشافعي ودليلهم قوله تعالى:{ فّتّكٍونّ لّهٍمً قٍلٍوبِ يّعًقٌلٍونّ بٌها.} . ويورد ابن الجوزي اقوالاً في فضل العقل حيث يقول «عن عمرو بن العاص قال يثغر الغلام لسبع سنين ويحتلم لأربع عشرة وينتهي طوله لاحدى وعشرين، وينتهي عقله الى ثمان وعشرين وما بعد ذلك تجارب - وقالت عائشة - عن فضل العقل - قد افلح من جعل الله له عقلاء. ثم يورد لنا ابن الجوزي قصة مولود كسرى حيث يقول «ولد كسرى مولوداً فأمر فجيء ببعض اهل الادب وجيء بالمولود فوضع بين يديه فقال له كسرى «ما خير ما اوتي هذا المولود؟ قال: ادب حسن يعيش به بين الناس قال: فان عدم ذلك؟ قال: صاعقة تحرقه! وحكاية ابن المبارك شبيهة بحكاية مولود كسرى «حيث سئل ابن المبارك: ما خير ما اعطي الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فان لم يكن؟ قال اخ صالح يستشيره قيل فان لم يكن قال: موت عاجل». ويورد ابن الجوزي مقولة ابن عباس حيث قال: وقد روي عن ابن عباس انه قال: ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتابه الا ذمه «ويورد - ايضا - مقولة الشعبي في الهوى حيث قال وقال الشعبي انما سمي هوى، لأنه يهوي بصاحبه». ويبين ابن الجوزي عن الطرق التي تخلصنا من الهوى وهي سبعة اشياء كما يقسمها وهي: اولها: التفكير في ان الانسان لم يخلق للهوى. والثاني: ان يفكر في عواقب الهوى. والثالث: ان يتصور العاقل انقضاء غرضه من هواه، ثم يتصور الاذى الحاصل عقيب اللذة. والرابع: ان يتصور ذلك في حق غيره ثم يتلمح عاقبته بفكره: فانه سيرى ما يعلم به عيبه اذا وقف في ذلك المقام. والخامس: ان يتفكر فيما يطلبه من اللذات، فانه سيخبره العقل انه ليس بشيء، وانما عين الهوى عمياء. والسادس: ان يتدبر عز الغلبة وذل القهر، فانه من امن احد غلب هواه الا احس بقوة عز وما من احد غلبه هواه الا وجد في نفسه ذل القهر. والسابع: ان يتفكر في فائدة مخالفة الهوى، من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا وسلامة النفس والعرض والاجر في الآخرة. وما اجمل مقولة ابن الجوزي في الهوى حيث يقول «واعلم ان الهوى يسري بصاحبه في فنون ويخرجه من دار العقل الى دائرة الجنون، وقد يكون الهوى في العلم فيخرج بصاحبه الى ضد ما يأمر به العلم، وقد يكون - الهوى - في الزهد فيخرج الى الرياء. ويختم ابن الجوزي كتابه - ذم الهوى - بباب يذكر فيه وصايا ومواعظ وزواجر حيث يقول: وكتب بعض الحكماء الى اخ له: اما بعد: فان الدنيا حلم، والآخرة يقظة والمتوسط بينهما الموت ونحن في اضغاث احلام. وأهم ملامح كتاب ذم الهوى: 1- هذا الكتاب يستمد اقواله من كتب سابقة كما نجد انه استمد من كتاب الزهرة لأبي بكر بن داود قصة موت عفراء. 2- يطيل اسناد القصة كما يفعل القدامى في كتبهم لدرجة ان بعض اسناده قد يصل الى نصف صفحة. 3- يورد ذكر القصة الواحدة بطرق عدة. 4- تظهر المبالغات في بعض قصصه ولعله لجأ الى ذلك لغرض الزجر والاتعاظ. 5- الاحاديث النبوية الواردة في هذا الكتاب تحتاج الى مراجعة ورؤية للتأكد من صحتها. 6- اسلوبه في الكتاب وعظي ارشادي. [email protected]