منذ 52 عاما واللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعيشون في فقر وبطالة ومصاعب عديدة. ومن الممكن تقسيم مراحل تطور الوضع المعيشي للاجئين الفلسطينيين في لبنان من جانب قانوني الى مرحلتين الاولى تمتد منذ اللجوء في عام 1948م الى عام 1962م والثانية منذ عام 1962م وحتى الآن. وفي المرحلة الاولى كانت القوانين اللبنانية جائرة ازاء مسألة تنظيم حق العمل للفلسطينيين وعلى الرغم من عدم وجود نص يمنعهم من العمل فقد اصدرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في عام 1951م قرارا يقضي بتوقيف بعض الفلسطينيين الذين كانوا يزاولون بعض المهن عن العمل بسبب عدم حيازتهم اجازات عمل من الوزارة الا ان الرئيس بشارة الخوري اوقف القرار مما سمح لبعض العمال الفلسطينيين الاستمرار في وظائفهم. ومع دخول عام 1962م بدأت مرحلة جديدة في مسيرة اليد العاملة الفلسطينية اذ اصدرت قوانين جديدة نظمت عمل الاجانب في لبنان وألزمت هذه القوانين الفلسطينيين الحصول على اجازة عمل بصفتهم اجانب واللافت ان حياز الفلسطينيين اجازات العمل كانت عملية صعبة جدا وبحسب احصاء اجرته الاممالمتحدة في عام 1969م فإن عدد الفلسطينيين الذين تمكنوا من حيازة عمل بلغ نحو 2362 فلسطينيا. وبسبب الصعوبات والتعقيدات وشبه استحالة الحصول على اجازة عمل لمزاولة المهن الحرة هاجر عدد من اصحاب هذه المهن والمتعلمين الى دول الخليج او البلدان الاوروبية بينما لجأ من تبقى الى العمل موسميا في قطاعي الزراعة والبناء. ويمكن توزيع العمالة الفلسطينية بعد اللجوء في عام 1948م الى ثلاث فئات فئة ثرية حملت معها من فلسطين اموالها وخبرتها في الاعمال المالية والعقارية والمصرفية والتعليم فانخرطت في الاقتصاد الفعلي بلبنان وتمكن قسم كبير منها من الحصول على الجنسية اللبنانية. وفئة متوسطة من اصحاب الخبرات المهنية والمتعلمة تركت لبنان باتجاه الخليج بعد ان سدت بوجهها امكانات العمل ويقدر عدد هؤلاء بنحو 25 الف فلسطيني كانوا يحولون الى ذويهم نحو 4 ملايين ليرة شهريا. وفئة من العمال تحولت الى يد عاملة رخيصة تعمل في العمل الموسمي وخصوصا الزراعة. ووضع اللاجئين الفلسطينيين خارج الاقتصاد الكلي للدولة جعل من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الانروا منذ بدء نشاطها في لبنان في عام 1949م المنسق الاقتصادي الكلي لفلسطينييلبنان وخصوصا بالنسبة لسكان المخيمات منهم وتظهر بيانات الانروا انها توظف وحدها في لبنان 2544 شخصا من مختلف المجالات خصوصا التعليم. وبحلول نهاية الستينيات وبداية السعبينيات ومع التحولات السياسية التي شهدها لبنان خصوصا نمو الفصائل الفلسطينية بدأت الاوضاع المعيشية للفلسطينيين في لبنان تتبدل نحو الافضل وخلقت المؤسسات الموازية ومنها الاقتصادية فرص عمل كثيرة اذ انشأت منذ اواسط السبعينيات وحتى الاجتياح الاسرائيلي في عام 1982م عشرات المؤسسات الانتاجية ووظفت عددا كبيرا من اليد العاملة الفلسطينية فيها، كما ان سيطرتها السياسية والعسكرية اتاحت المجال لخرق القوانين في الكثير من مؤسسات القطاع الخاص اللبناني التي وظفت الفلسطينيين من دون حاجة الى اجازة عمل علما ان القوانين التي اقرت في عام 1962م لم تتغير وفي ظل هذه التطورات بدأ الفلسطينيون يستغنون عن الانروا كصاحب عمل اساسي لهم. وبعد خروج منظمة التحرير من لبنان اثر غزو عام 1982م استخدمت القوانين مجددا لمنع الفلسطينيين من دخول سوق العمل اللبناني فقد اصدرت وزارة العمل في عهد الرئيس امين الجميل مرسوما حمل الرقم 289/1 تاريخ 18/12/1982م حظر على الفلسطينيين العمل في اكثر من ستين مهنة وحرفة كالحلاقة والنجارة والتمريض,, الخ. ولم يخفف من وطأة الازمة المعيشية للاجئين الغاء الحكومة اللبنانية في تموز عام 1991م المرسوم السابق اذ ان القوانين التي تعامل الفلسطينيين كأجانب بقيت سارية المفعول وسيفا مصلطا على العمالة الفلسطينية في لبنان. كما ان المساعي التي بذلت لتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين لم تعط ثمارها ولم تقدم اللجنة الوزارية التي تشكلت في عام 1990م للبحث في الشؤون المدنية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين في لبنان اي حل. وفي نهاية التسعينيات لم يكن الوضع المعيشي للفلسطينيين وخاصة سكان المخيمات منهم احسن حالا من ذي قبل. وتبين دراسة ميدانية اجرتها لجنة الابحاث الفلسطينية حول واقع التعليم في مخيمات لبنان حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء فقد اظهرت دراسة علمية اعتمدت على عينة من 1200 اسرة في 14 مخيما وتجمعا ان الدخل الشهري للعائلة في المخيمات منخفض جدا إذ ان 37% دخلهم 200 دولار او اقل و5,6% لا دخل لهم و3,1% دخلهم ما بين 201 دولار و333 دولارا امريكيا و15% دخلهم يتراوح بين 350 دولارا و500 دولار امريكي. وتظهر تقديرات الانروا ان نسبة العاطين عن العمل في المخيمات تبلغ 40% من حجم قوة العمل فيما يعاني من الفقر المدقع 11% من اجمالي سكان المخيمات ويعيش 60% تحت خط الفقر 400 دولار للعائلة المكونة من خمسة اشخاص. وتشير الدراسات الى ان الواقع الصحي والتعليمي للفلسطينيين في لبنان قبل عام 1982م كان اكثر من جيد خاصة بوجود جمعية الهلال الاحمر الفلسطينيين او الضمان الذي كانت توفره الانروا عبر تحويل المرضى الى افضل المستشفيات، كما ان الوضع التعليمي كان جيدا بدوره لاسيما ان منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية ساهمت في رفع مستوى التعليم عبر المنح الدراسية التي كانت تتلقاها من دول المنظومة الاشتراكية للتخصص في الجامعات. هذا الواقع انهار تماما بعد عام 1982م فمن جهة اقفلت مؤسسات منظمة التحرير او ضعفت ومن جهة اخرى بدأت الانروا ممارسة سياسة تقليص الخدمات خاصة في المجال الصحي بحيث باتت ترفض تغطية تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة الا لحالات قليلة. وعلى المستوى التعليمي تظهر احصاءات الانروا ان معدلات التسرب والرسوب بين التلاميذ الفلسطينيين في لبنان هي الاعلى مقارنة بالفلسطينيين المقيمين في بلدان اخرى ويبلغ التسرب في المرحلة الابتدائية بين فلسطينييلبنان 6% وفي سوريا 2% وفي غزة 2,2%. وعلى مستوى التعليم الثانوي فإن التلاميذ الفلسطينيين يواجهون صعوبات نظرا لارتفاع تكاليف التعليم واقتصار التعليم المجاني الذي تقدمه الانروا على المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. أما التعليم المهني فيقتصر على معهد تدريب وحيد يخرج 600 طالب كل سنتين وعلى دورات تنظمها جمعيات ومنظومات غير حكومية لطلاب المخيمات تتراوح مدتها بين 3 أشهر و10 اشهر. وتبين دراسة لجنة الابحاث الاجتماعية الفلسطينية ان العامل الرئيسي وراء التسرب وارتفاع نسبة الرسوب هو الوضع المعيشي السيئ واضطرار الاهل الى الاستعانة بالابناء لتحصيل لقمة العيش. وتظهر سجلات الانروا ان عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في عام 1998م بلغ 364 الف نسمة اي ما يوازي 10% من اجمالي سكان لبنان وتبلغ نسبة سكان المخيمات الى اجمالي عدد اللاجئين في لبنان 54,6% لكن هذا الرقم يختلف عن الرقم الذي يظهره احصاء دائرة الاحصاء المركزي في لبنان عام 1997م وهو 190 الف نسمة اي ما يوازي 4,99% من اجمالي سكان لبنان ويرجع رسميون في الانروا هذا الاختلاف الى ان 60 الف فلسطيني غادروا لبنان نهائيا وان عددا مماثلا حاز الجنسية اللبنانية. ويتوزع سكان المخيمات على 12 مخيما ويوجد نحو 4 آلاف عائلة مهجرة تعيش في مواقع قريبة من المخيمات او على طول الساحل اللبناني وهذه العائلات قدمت من مخيمات دمرت خلال الحرب الاهلية او بفعل الاعتداءات الاسرائيلية. وتظهر دراسة لجنة الابحاث الاجتماعية الفلسطينية ان الزيادة التي طرأت على عدد الفلسطينيين في لبنان منذ نكبة 1948م بلغ عدد اللاجئين في حينه 1040000 نسمة لم تقابله زيادة في مساحة الاماكن التي يشغلونها ومنعهم من تشييد ابنية عمودية لاستيعاب هذه الزيادة. وتقدر الدراسة حجم الاكتظاظ ب206 اي شخصين للغرفة الواحدة في حين تفتقر المخيمات الى بنى تحتية وما يزيد من المعاناة الوضع البيئي الفقير الناتج عن نقص في دورات المياه ومياه الشرب والطرقات ومكبات النفايات.