مصطلح (حقوق الانسان) مصطلح رنان جذاب، سمع به الناس وقرأوا عنه منذ منتصف القرن الميلادي السابق، حين أقرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الانسان ونشرته وفي السنوات الاخيرة اصبح هذا المصطلح ملء السمع والبصر، وصارت تستغله دول ومنظمات ذات أهداف غير سوية فكيف واقع حقوق الانسان بين مبادئه المكتوبة وواقعه المعاش؟ يلاحظ المراقب ان كل دولة أو منظمة تصدر تقريرا عن حقوق الانسان تقصر حديثها فيه على الخارج وتتغافل عن واقع حقوق الانسان في محيطها القريب، وسبب ذلك ان هذا الشأن تحول الى سلاح يصوب تجاه المخالفين والاعداء ارهابا لهم، ولذلك نجد ان يخضع في قياس تطبيق مبادئه على الانتقاء تبعا لسوء العلاقات السياسية وحسنها. ولذلك يندر ان ترى اشارات الى انتهاك حقوق الانسان في دولة غربية مع ان فيها كثيرا من ذلك وللتدليل على ذلك اقول: 1 نصت المادة الثانية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على انه: (لكل انسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان دون اي تمييز كالتمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس,, الخ). ومن عاش في احدى الدول الغربية ولا سيما الكبيرة منها يدرك مدى التمييز العنصري تجاه الانسان، فكم من السود في الولاياتالمتحدةالامريكية يحتل مناصب قيادية او حتى ادارية عالية؟ وهل حقا ينال السود في الغرب الحقوق كاملة؟ أجزم بأن الجواب سيكون مثيرا للدهشة والاستغراب، إذ يكاد يكون من المسلمات الاتفاق على عدم اتاحة الفرص لغير لون معين ان يشق طريق النجاح في تلك المجتمعات، ولا ينكر هذا الا مكابر. 2 نصت المادة الثانية والعشرون من الاعلان نفسه على انه (لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية وفي ان تحقق بواسطة المجهود القومي والتعاون الدولي,, الخ). ومن سبر اغوار دعاة حقوق الانسان لا يدهش وهو يرى اناسا في مجتمعاتهم يقتلهم المرض دون الحصول على الدواء وسبب ذلك عدم قدرتهم على دفع رسوم التأمين الصحي فاين الضمان الاجتماعي الذي يجب ان يحصل عليه الانسان بواسطة المجهود القومي كما نصت على ذلك حقوق الانسان. 3 نصت المادة الثالثة والعشرون على انه (لكل فرد دون اي تمييز الحق في أجر متساو للعمل). ولقد عشت في احدى الدول الغربية وادركت ان هذا كلام نظري بعيد عن التطبيق بعد المشرقين ففرص العمل غير متساوية والاجور مختلفة بين المتفقين في المؤهلات بل قد يكون من المفاجأة المدوية ان ترى هناك اجحافا في حق المرأة في بلاد تزعم انها من المنصفات للمرأة بل ان المرأة في كثير من دول العالم تتخذها مثالا يحتذى ولكن حين تكون كما قال المثل العربي: (ليس راء كمن سمع) تفغر فاك الدهشة,, وانت ترى اكثر النساء لا يحصلن الا على نصف ما يحصل عليه الرجل المتفق معهن في المؤهلات، فماذا بعد هذا لدى دعاة حقوق الانسان؟ 4 نصت المادة الثانية عشرة على انه: (لا يعرّض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة او أسرته أو مسكنه أو مراسلاته,,,, إلخ). وحين ترى الواقع تجد كم من فتاة حوربت ومنعت من مواصلة دراستها لانها وضعت حجابا على رأسها أليس هذا تدخلا تعسفيا في حياتها الخاصة؟ فأين دعاة حقوق الانسان؟ أم ان هذه المادة من مواد الاعلان العالمي تكفل للمتعرية الحق في عريها ولا تكفل للمحتشمة الحق في احتشامها؟ 5 نصت المادة السادسة والعشرون على انه: (للآباء الحق الاول في اختيار نوع تربية أولادهم). ولكنك لن تعدم صداعا ولن تسلم من الدوار وانت تقرأ مرارا وتكرارا في الصحف الغربية عن اسر اخذت منهااولادها بزعم انهم يخضعون من آبائهم لتربية قاسية ولقد شهدت حالة في احدى تلك الدول نزع ابن من ابيه وامه وادخل جمعية تنصيرية بدعوى ان أباه يلزمه بتعاليم دينية اسلامية فأين حقوق الانسان التي تكفل للاب اختيار نوع التربية لاولاده؟ ومما سبق وغيره كثير نخلص الى واقع حقوق الانسان في واد ومبادئها في واد آخر، ويكفي على ذلك دليلا دراسة احوال السجناء في سجون تلك الدول المؤسسة لمنظمات حقوق الانسان والواضعة لمبادئها. والحق الذي لا مراء فيه انه ما من حقوق للانسان أعظم مما وضعه رب العباد في كتابه الكريم واشتملت عليه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وانه ما نال الانسان حقوقه الحقة في دولة إلا في دولة الاسلام وصدق الله تعالى القائل (فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) والله الموفق. * الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الاسلامية