تعوّل المجتمعات الإنسانية والمتحضرة على دور المرأة الفاعل في المشاركة ببناء المجتمع جنباً إلى جنب مع شقيقها الرجل؛ لذا يرون في مبدأ «تكافؤ الفرص» بين الجنسين على أرض الواقع شرطاً أساسياً للحصول على النتائج الايجابية المرجوة، فهل يوجد فعلاً في مجتمعنا السعودي تطبيق فعلي لهذا المبدأ، أو لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع؛ نظراً للفروقات الجوهرية بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل.. وجهات نظر متشابكة جمعناها في سلة واحدة. إتاحة الفرص! بدايةً يعتبر الأستاذ «حسن الشيخ» -عضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة العامة- مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين في العمل والإدارة مبدأ غير واقعي، داعياً إلى استبداله بمصطلح «إتاحة الفرص»، منطلقاً من اعتقاده بأنّ مفهوم (تكافؤ الفرص) أكثر المفاهيم بريقاً ولمعاناً لكنه غير مجد في التطبيق، بينما (إتاحة الفرص) يترك الحرية تامة حتى يصل الرجل المناسب للمكان المناسب. وقال:»نحن لا نعطي فرصاً متساوية لعدد من الموظفين المختلفين، ولا نقدم وظيفة عالية، وذات مهارات معقدة، لموظف لا يمتلك مهارات العمل لها، بحجة تكافؤ الفرص». اختلاف تكامل وتنوع ويرى «أ.د.عبد الرزاق الزهراني» -أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام ورئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية- أنّ الفرص بين الجنسين ليس من المناسب أن تكون متكافئة في محيطنا الاجتماعي والتربوي؛ لأنّ هناك استحالة في المساواة بينهما، فالرجل والمرأة جنسان مختلفان، والاختلاف بينهما اختلاف تكامل وتنوع، وليس اختلاف تضاد، وهذا ما تؤكد عليه الثقافة والتعاليم الإسلامية، مشيراً إلى أن الاختلاف النوعي بينهما يترتب عليه اختلاف في الوظائف والأدوار، ولهذا كانت وظيفتها الأولى تتركز في الأمومة، ومن أجل تلك الوظيفة جعل الإسلام الجنة تحت أقدام الأمهات، وأعطى الأم 75% من أحقية الصحبة، ولهذا جعل الإسلام مهمة الإنفاق تقع على عاتق الرجل، لأنه لا يتعرض للتغيرات البيولوجية التي تتعرض لها المرأة، ومما يؤسف له أن بعض الاتجاهات في الحضارة المعاصرة تحاول أن تتجاهل تلك الاختلافات، وتحاول أن تساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء، حتى في حضانة الأطفال وتنظيفهم، وهذا اتجاه مخالف للفطرة، ومخالف للمنطق والعقل. نموذج للتطبيق من جهة أخرى تقر «د.سهام العيسى» -مديرة الابتعاث في جامعة الأميرة نورة- بوجود مبدأ تكافؤ الفرص لدينا في مجال الابتعاث تحديداً، فالمبدأ «قوامه المساواة بين المرأة والرجل في مجتمعنا»، وهذا ما تطبقه وزارة التعليم العالي والجامعات السعودية في مجال الابتعاث، مؤكدة على أن بعض الجامعات السعودية راعت طبيعة عمل المرأة وارتباطها بأسرتها التي تكون أحياناً سبباً في عدم رغبتها للسفر للخارج؛ لذا طبقت في هذه الجامعات آلية الإشراف المشترك، مطالبة وزارة العمل بسن قوانين مناسبة للنساء اللاتي يعملن في القطاعات المختلطة، وكذلك إيجاد آلية لعدم إجحاف حقوق المرأة وعدم مساواتها بالمردود المالي للرجل. موضوع شائك وعلى الصعيد العملي ترى «د.ماجدة بنت إبراهيم الجارودي» -عضو هيئة التدريس بقسم الإدارة التربوية بجامعة الملك سعود- أنّ مناقشة التمييز بين الجنسين موضوع شائك ويتشعب الخوض فيه ليشمل كافة الأصعدة، فإذا تم نقاش الموضوع من ناحية إدارية فإننا لا يمكن أن نقول أن هناك تمييزاً حقيقياً بين الجنسين، ذلك أن قوانين التعيين لدينا في المملكة لا تفرق بين الجنسين في المراتب الوظيفية إلا فيما تدخل فيه الخصوصية في المراتب، مشيرةً إلى أنّ الأشخاص المعينين -مثلاً- على مرتبة واحدة يستلمون نفس المخصصات المحددة من قبل الدولة للمرتبة، فالاثنان متساويان في المرتب الذي يتم استلامه لمن تم تعيينه على المرتبة بغض النظر عن كونه أنثى أم ذكراً، فمن الناحية المادية لا ترى أنه توجد تفرقة في المرتب ولكن يمكننا القول إنه من الناحية التقنية فإنه مثلا يتم أحيانا صرف بدل سكن للذكر في حين لا يتم صرفه للأنثى. وتؤكد «د.الجارودي» على أنّ عادات وتقاليد المجتمع لم تسمح حتى الآن بأن تكون المرأة في مناصب عليا بحيث ترأس الرجال، مشيرة إلى أن التمييز بين الجنسين في المناصب يبقى أمراً لا يمكن البت فيه في الوقت الحالي. النظام واحد وحول التواجد الفعلي لمفهوم «تكافؤ الفرص» في واقع أنظمتنا وواقعنا الحقوقي، يؤكد المستشار القانوني «خالد الفاخري» -عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- على أنّ المطلع على الأنظمة المعمول بها في المملكة؛ يلحظ أنّ لغة المخاطبة والإلزام؛ جاءت بصيغة العموم دون تمييز بين أفراد المجتمع؛ فأحكام الشريعة الإسلامية التي تمثّل القانون العام في المملكة والمطبقة في جميع التعاملات تكفل الحقوق للجميع وحق المواطنة مكفول للجميع، كما لم نلحظ وجود مواد في الأنظمة تخصص حقوقاً معينة لجنس دون الآخر أو تخاطب جنس دون الآخر، إلاّ ما راعى النظام فيه وضع فئات معينة كالمواد الخاصة بإجازات الوضع للمرأة والتي أخذت في الاعتبار الطبيعة الجسدية والعاطفية للمرأة. أسباب منطقية وأضاف:لا يؤثر على ذلك وجود بعض الحالات السلبية في الممارسة والتطبيق والتي قد تؤدي في بعض الحالات إلى انعدام تكافؤ الفرص بين الجنسين، ولهذه عدة أسباب يذكر منها «الفاخري»، أولاً:(جهل البعض بالأنظمة أو عدم التزامهم بتنفيذها)، مما يفقد المرأة حقاً من حقوقها المكفولة لها شرعاً وقانوناً، وكذلك (توارث العادات والتقاليد) والتي تأصلت في عقول الذكور تجاه المرأة وباتت جزء لا يتجزأ من مفهوم النظام في اعتقادهم، مع (عدم إلمام المرأة بمالها من حقوق وما عليها من التزامات) كفلتها الأنظمة لها مما نتج عنه استمرار عدم الوفاء بها وانتهاكهاً من الغير، بالإضافة إلى وجود بعض الموظفين في بعض الجهات التنفيذية الذين يحدثون بعض التمييز في التعامل بين الجنسين بسبب التفسير الخاطى لبعض النصوص النظامية أو التعليمات، وكذلك (التفسير الخاطئ لدى البعض لمفهوم القوامة على المرأة)، وما تبعه من منع المرأة الراشدة من التصرف في بعض شؤونها إلا باشتراط موافقة ولي أمرها. العلة في التطبيق ولهذا يشير المستشار «الفاخري» إلى وجوب التفرقة بين النظام وعدالته وبين سوء استخدامه والتعسف في تطبيقه، فالنظام ساوى بين الجميع، يتضح ذلك جلياً فيما تضمنه النظام الأساسي للحكم في المملكة والذي بين العديد من الحقوق لجميع المواطنين دون تمييز بين رجل أو امرأة؛ ففي مجال العمل أوضح النظام أن المواطنين متساوون في هذا الحق حيث نصت المادة الثامنة والعشرون على أنه «تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل»، كما أنّ الحق في التعليم مكفول للجميع وفق ما نصت عليه المادة الثلاثون من ذات النظام والذي جاء فيها «توفر الدولة التعليم العام، وتلتزم بمكافحة الأمية»، بالإضافة إلى أنّ المادة الحادية والثلاثون أوضحت أن حق الصحة مكفول للجميع حيث نصت على أنّه «تُعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن. تطبيق النظام وأوضح «الفاخري» بأنّ على الجهات الحقوقية ورجال القانون دور في هذا الجانب من خلال الوقوف ضد أي تجاوز في تطبيق النظام أو حجب لحق نصت عليه الأنظمة صراحةً كما يجب العمل على كل مأمن شأنه تمكين المرأة من كامل حقوقها التي تضمنتها الأنظمة المعمول بها في المملكة وعدم السماح بمخالفة ذلك لمجرد أهواء اصطنعها البشر ولم يشرعها رب العباد، والرفع للجهات ذات العلاقة للمطالبة بمحاسبة من يتجاوز في تطبيق النظام وينتهك الحقوق المشروعة والمقررة لأصحابها بموجب الأنظمة.