ها هو التغير الاجتماعي يفرض نفسه في السياسة الاجتماعية لفئة اصبحت مثار الحديث الحالي والمستقبلي، فئة المتقاعدين بعد ان كان الكثيرون غافلين عنها، عن احتياجاتها عن مشكلاتها، او أن هناك فئات قد تكون حظيت بالأهمية اكثر منها. فلماذا تأخرنا في تقديم رعاية اجتماعية للمتقاعدين. وقبل أن نخوض في بعض التطورات التي شهدها مجتمعنا السعودي نحو رعاية اجتماعية للمتقاعدين، وبحكم انتماء الكاتب علميا لتخصص علم الاجتماع وبعد خبرة طويلة في هذا المجال أثمرت عن إصدار أربعة كتب متخصصة في شؤون المتقاعدين، وعن ستة أبحاث نشرت في المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة، نشير إلى أنه نعم ليس هينا على الإنسان أن يقرر التقاعد. فكثير من المتقاعدين يشعرون عند التقاعد بأنهم طردوا من أعمالهم لا لسبب إلا لبلوغهم سن المعاش، وحالما يتقاعد المرء فانه ينسحب في الأغلب من سوق العمل إما بسبب التمييز المهني الذي أشرنا إليه، أو بسبب شعور المتقاعدين ان تقدمهم في السن لا يسمح لهم بالعمل، على الرغم من انهم حين يسألون فإن أغلبيتهم تفضل أن تستمر في العمل لما بعد سن المعاش وفي نفس الوقت هناك من يقررون التقاعد قبل بلوغ سن المعاش القانوني، وهؤلاء قد تكون لهم موارد مالية ملائمة بالإضافة الى ما توفره لهم خطط المعاش من موارد إضافية، وبعض من يفضلون التقاعد المبكر يقررون ذلك للحصول على الراحة أو لقضاء وقت أطول مع الأسرة، ويؤثر في استمرار الشخص في عمله إلى بلوغ سن المعاش وربما بعده اذا سمحت نظم العمل بذلك عوامل مهمة على رأسها المستوى التعليمي للشخص ثم طبيعة المهنة والاعتبارات المالية ايضا فقد تأكد ان الراشدين من المستويات التعليمية العليا والذين يحظون بمكانة عالية في مهنتهم يميلون الى الاستمرار فيها حتى ولو بعد المعاش. ويعد مفهوم التقاعد من المفاهيم الحديثة، التي أخذت بها جميع الدول، وقد ظهر أصلا نتيجة للتحول للمجتمع الصناعي، وكان يتوخى منه ان يكون وسيلة لرفع الظلم والقسوة على الموظفين والعمال الذين كانوا يعملون طوال ساعات أيامهم بل طوال حياتهم، دون أي ضمانات أو أي حقوق، وكانوا يطردون من أعمالهم ويستغنى عن خدماتهم لمجرد انخفاض قدراتهم الإنتاجية بسبب تدهور أوضاعهم الصحية أو كبر السن. وقد اتفقت معظم قوانين الموظفين في مختلف الدول على وجوب إيجاد سن معينة ينتهي عندها خدمة الموظف ويحال على التقاعد، إلا أنها اختلفت في تحديد السن التي يستحق الفرد عند بلوغها معاشا تقاعديا، وإن كانت أغلب الدول حددته ما بين سن 60 سنة و66 سنة وذلك لأن الاحتمال القائم والمتفق عليه هو ان إنتاجية الفرد وقدراته تتناقص في هذه السن. فالتقاعد ما هو إلا عملية اجتماعية تتضمن تخلي الفرد اختياريا وإجباريا عن عمل ظل يقوم به معظم رشده، وبالتالي انسحابه من القوى العاملة في المجتمع وتحوله إلى الاعتماد جزئيا على الأقل على نظام معين للكفاية المادية هو نظام التأمين الاجتماعي، حيث يحل المعاش محل الأجر وهو كما قلنا ظاهرة حديثة نسبيا، ولذا فإن تعريف المتقاعد يضع الباحث امام مشاكل مزعجة وهو يتساءل من هو المتقاعد؟ هل هو أي شخص يحصل على معاش؟ أو هل هو شخص لا يعمل طوال السنة؟ او هل هو شخص يصل لسن يحدده المجتمع؟ ونشير إلى أنه نتيجة للتدهور المستمر في قدرات الإنسان البدنية والعقلية هي أنه سوف يأتي الوقت الذي عنده يجد الفرد نفسه مضطرا للانسحاب من سوق العمل لأنه لن يكون قادرا على الوفاء بالتزامات العمل ومتطلباته بعد التدهور المتزايد في إنتاجيته وهذا هو ما نعنيه بالتقاعد، وعليه فالتقاعد في مضمونه الأساسي مفهوم اقتصادي، وعلى ذلك فالتقاعد يعني بالنسبة للفرد: خسارة الأجر الذي كان يحصل عليه من العمل. وقد لا يعوضه اياه المعاش الذي يستحقه من مدة خدمته، وكذلك خسارة المكانة الاجتماعية التي كان يشغلها بمركزه الوظيفي في جهة العمل كما أن التقاعد بكل متضمناته كنقطة تحول رئيسة وسمة مميزة للكبر يحدث تغييرا جوهريا عميق الأثر في حياة الفرد يؤدي إلى تقلص منظومة مكانته الاجتماعية، وهو بهذا مفهوم اجتماعي كذلك، وعلى ذلك فالتقاعد كمفهوم اجتماعي يعني: تغيير الوضع المهني للمتقاعد، وفقدان الكثير من الأدوار المرتبطة بالعمل سواء كان ارتباطا مباشرا أو غير مباشر، ووجود وقت فراغ مع عدم ارتباط بعمل معين. ولاشك ان قرار اتخاذ التقاعد يعني تقلص منظومة المكانة الاجتماعية والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة الفرد فهي تعمل على الحرمان من مخصصات مكانة العمل وامتيازاتها ومن تلك الامتيازات: الحرمان من مخصصات مالية: وأهم هذه المخصصات: الأجر الشهري الثابت وهو الأصل في هذه المخصصات وعلى اساسه يتحدد مستوى دخل ومعيشة الفرد وأسرته، البدلات الثابتة بأنواعها المختلفة. المكافآت التشجيعية والسنوية. الحرمان من المخصصات العينية: ومن أهمها: السكن سواء كان مؤثثا أو غير مؤثث بخدماته (الكهرباء والمياه والتليفون) أو بغيرها، السيارة (بالسائق أو من غيره) استخدام الطائرة، الهدايا السنوية أو في المناسبات وعضوية النوادي وغير ذلك. الحرمان من امتيازات اجتماعية: ومن أهمها: النفوذ والمهابة المرتبطة بشغله المكانة التي فقدها، رئاسة مجالس الادارة أو عضويتها وكذا اللجان باعتباره شاغلا للمكانة التي فقدها، وما يصاحب ذلك من نفوذ في مجالات أخرى وزيادة في المهانة والانتشار، سهولة الاتصال المباشر بأصحاب السلطة والنفوذ، القدرة على قضاء المصالح لمن يقصده... الخ. ولاشك ان التقاعد الذي ينقطع فيه الفرد عن تأدية عمله الذي ظل يمارسه فترة طويلة حتى بلوغه السن القانونية للتقاعد يعد موقفا جديدا يواجهه الفرد يحاول ان يتوافق معه حتى يستطيع التعايش معها، ويحدث الكثير من الآثار التي قد لا يستطيع المتقاعد بقدراته الذاتية مواجهتها والتخفيف من تأثيرها عليه ومن هذه الآثار التي اتفقت معظم ان لم يكن جميع الدراسات والأبحاث في هذا المجال على حدوثها ومنها: عدم القدرة على التوافق الاجتماعي: مع التقاعد فهو يواجه تغيرا في دوره كرب اسرة وعائل لها. تغيرا في ظروفه المادية والعملية: فينخفض دخله مما يجبره على تغيير ظروفه المعيشية. ولقد ساهم ثبات معاش التقاعد تقريبا وعدم زيادته بنسبة تتمشى مع تصاعد وارتفاع مستلزمات الحياة في زيادة حدة المشكلة الاقتصادية، مما يجعل المتقاعدين يحاولون خفض اوجه الإنفاق وحصرها في أضيق الحدود، والتي تتركز في توفير الاحتياجات الأساسية، كالغذاء والمأوى والملبس فقط، ويزيد من حدة المشكلة الاقتصادية، وبالتالي فإن انخفاض الدخل بعد التقاعد لمن لا دخل له إلا راتب التقاعد يكون عادة اتجاها سلبيا عن التقاعد ويرفضه رفضا تاما. يواجه أوقات فراغ طويلة ويزيد منها شعور المتقاعد بضعف إمكاناته وقدراته بعد التقاعد وإحساسه بأن المجتمع يرفضه، يجعل المتقاعدين يكفون عن المشاركة في الانشطة الخاصة بالشباب ومتوسطي العمر، وينقطع صلتهم المباشرة بالناس، ويبدون غير مبالين، ويقل تأثيرهم إزاء الآخرين، مما يجعلهم يتجهون للعزلة دون رضى منهم، حيث ان غالبية المتقاعدين لديهم الرغبة في المشاركة التطوعية وبخاصة في المؤسسات الخيرية والدينية والثقافية، مع التركيز على الجمعيات التي تخدم المتقاعدين غير القادرين، وغالبيتهم ايضا لديهم رغبة في العمل بعد التقاعد وخاصة اذا كانت اعمالا مشابهة لنفس الاعمال التي كانوا يمارسونها قبل التقاعد، لعدم امتلاكهم مهارات جديدة يتطلبها سوق العمل.النظرة غير الايجابية للمتقاعدين: من قبل فئات المجتمع الأخرى واعتبارهم فئات غير منتجة عفى عليها الزمن تجعل المتقاعدين يتراجعون كثيرا عن ممارسة الأنشطة التي يشغلون بها اوقات فراغهم لذلك فإن توفر مثل هذه المؤسسات وتقدير المتقاعدين من قبل فئات المجتمع المختلفة قد يسهم في القضاء على مشكلة وقت الفراغ لديهم والعيش في هذه المرحلة بدون ألم وشقاء. التغيرات الصحية: نتيجة تقدمه في السن، وإضافة عبء جديد للمتقاعد هو عبء التردد على الأطباء وشراء العلاج والأدوية الباهظة التكاليف. انحسار العلاقات: وفقدان الجزء الأكبر منها بسبب العمل، حيث ان من اهم العوامل التي تؤدي إلى المشاكل التي تواجه كبار السن تتمثل في أنهم يجدون أنفسهم في مرحلة التقاعد منفصلين عن علاقاتهم السابقة. إذن كل هذه التغيرات تستدعي من المتقاعد إعادة ترتيب أسلوب حياته او البحث عن ادوار تكون بديلة عن دور العمل، لينظم حياته، وإشباع كافة احتياجاته بطريقة مشابهة الى حد ما لمرحلة ما قبل التقاعد، وإن لم يكن لديه القدرة فمن الواجب على المجتمع مساعدته على ذلك، ومواجهة تلك التغييرات وفق اسس علمية ومهنية تليق بأمثال هذا المجتمع، الذي يعد السبب الرئيس لذلك، فهو الذي وضع سنا محددا للتقاعد لاسباب مختلفة، وهو في الوقت نفسه الذي ساهم في ارتفاع معدلات الحياة لأفراده. أعود للسؤال الصريح هل لدينا رعاية اجتماعية للمتقاعدين؟ هل الوفاء ان نقدم لهم درعا وشهادة شكر فقط؟ وماذا بعد؟ وماذا بعد؟ لنقر اولا انه ليس لدينا رعاية اجتماعية بالمفهوم العلمي للرعاية الاجتماعية؟ نعم لدينا معاش تقاعدي فقط؟ ولكن ليس هو المهم في مرحلة التقاعد؟ فالدراسات اثبتت ان المشكلات الاقتصادية كما اشرنا سابقا تأتي في درجة متدنية من المشكلات والاحتياجات للمتقاعدين، ولكن للجوانب الاجتماعية باحتياجاتها ومشكلاتها المرتبة الأولى؟ فهل حاجة المتقاعد لشهادة ودرع فقط ينتهي مفعولها بانتهاء الحفل الذي يقام؟ مع تقديرنا لمثل هذا الجهد، ولكنه في الحقيقة جهد مقل بحق فئة أفنت عمرها في خدمة الوطن والمواطنين كل في مجاله وتخصصه، فلو اطلعنا على قضايا المتقاعدين في الدول المتقدمة لاصبنا بالصدمة ولو اطلعنا على التخطيط لرعاية المتقاعدين لاصبنا بالدهشة! فقضية التقاعد في الدول المتقدمة قضية كبرى تعد الآن ولاسباب مختلفة، فمشكلات التقاعد تؤرق المخططيين. وهي كيف تستمر حكومات تلك الدول في رعاية المتقاعدين؟ كيف تشجع الناس على حياة التقاعد؟ كيف تضمن ولاء أفراد المجتمع لمجتمعاتهم إذا كنا نأخذهم ونقدرهم في عز قوتهم؟ ثم إذا أخذنا قدراتهم ومهاراتهم لا ندري ماذا نقدم لهم، بل قد ندفعهم للموت وهم أحياء.. إلا أننا لن نكون كذلك إن شاء الله، ومجتمعنا بدأ يتلمس الطريق الرشيد نحو سياسة ورعاية اجتماعية قدر الامكان في مجتمعنا نحو فئة المتقاعدين، حيث نلحظ في الآونة الاخيرة تحركا وعلى مستويات عليا في الدولة، فها هو الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران وانسان الخير دائما وابدا، وكعادته دائما يعلن اثناء رعاية لحفل تكريم المتقاعدين الذي نظمته وزارة الدفاع والطيران مساء يوم الثلاثاء 16/8/1423ه عن إنشاء جمعية لرعاية المتقاعدين من منسوبي وزارة الدفاع والطيران، لتقديم الخدمات الاجتماعية لهم، وحل مشكلاتهم تكريما ووفاء لهم، بل ان سموه الكريم وكعادته تبرع بمبلغ كبير لتأسيس هذه الجمعية، فهنا يحق لنا كباحثين ان نرى في مثل هذا العمل إشارة الى ان المتقاعدين اصبحوا بحاجة لتدخل علمي لمواجهة مشكلاتهم، بحاجة لمن يأخذ بيدهم ويساعدهم في التوافق مع هذه المرحلة، نعم هذه الجمعية صورة من صور الوفاء، ولكن السؤال هل لن تلعب البيروقراطية دورا في حركة هذه الجمعية؟ هل ستظل ككثير من المشاريع والجمعيات الخيرية، مجرد نشاطات روتينية في كثيرة لا يستفيد منها صاحب الحاجة، بل القائمون على مسؤولية تلك الجهات ولكن ما يعطي الأمل انها ستحظى باهتمام خاص من صاحب السمو الملكي الامير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع والطيران الذي عرف عن سموه حسن تنظيم العمل، والاستعانة بالخبراء والمختصين كل في مجاله، وكذلك لديه تجربة ثرية في الإفادة من خبرات وقدرات المتقاعدين عندما كان قائدا للدفاع الجوي، وبخاصة السعوديين المؤهلين، لذلك اعتقد ان المسؤولية كبيرة والأمانة عظيمة لمن يتولى مسؤولية هذه الجمعية، ولعلي في مثل هذا المقال اقترح اولا الاطلاع على الدراسات التي طبقت في المجتمع السعودي للتعرف على نوعية المشكلات التي يواجهها المتقاعدون، وكذلك الاحتياجات التي يرغبونها. بانواعها المختلفة، حتى تكون الخطط والبرامج التي ترغب بها اللجنة تمتاز بالجانب العلمي، وايضا الإفادة من تجربة شركة ارامكو السعودية في مجال التقاعد، وكيف تتعامل مع متقاعديها، وكيف هي الخطط التي تتبعها في سبيل تهيئة منسوبي الشركة للتقاعد، والرعاية اللاحقة لهؤلاء المتقاعدين فيما بعد التقاعد، فهي تجربة ثرية أكاد اجزم أن جمعية المتقاعدين لمنسوبي وزارة الدفاع والطيران ستفيد منها الكثير والكثير، كذلك هناك جمعيات خاصة بالمتقاعدين في الوطن العربي اعتقد من الضروري الاستعانة بتجاربها خاصة في ظل توافق الثقافة بين مختلف مجتمعاتنا العربية، في ظل سيادة قيم وتقاليد شبه واحدة، ولعلي أشير الى تجارب جمعيتين على مستوى الوطن العربي هما جمعية التقاعد النشط في مدينة صفاقس التونسية، وجمعية المتقاعدين المغربية، فهما من انشط الجمعيات العربية في مجال رعاية المتقاعدين وأكثر حضورا على الساحة العربية والأفريقية، ولهما مشاركات فاعلة على المستوى العالمي في تدعيم شركة الاستثمار النشط للمتقاعدين، كما هناك تجربة غزيرة يمكن الإفادة منها وهي تجربة الجمعية الامريكية للمتقاعدين فهي تعد أهم جمعية على المستوى العالمي ولديها فروع في مختلف الولايات ترتبط بمركز رئيس في واشنطن العاصمة، كما هناك جمعية خاصة بوزارة الدفاع الامريكية لمتقاعديها يمكن كذلك الإفادة منها. أقول ذلك انطلاقا من خبرة علمية وعملية أساسها أن البداية من الصفر صعبة ومحبطة احيانا، ولكن البداية من حيث انتهى الآخرون او من حيث يقف الآخرون يعطي للنفس دافعا لخوض التجربة دون تردد، ولنا ولله الحمد تجارب شخصية كثيرة في تأسيس الكثير من المراكز والمعاهد والإدارات الحديثة التي لولا الإفادة والاطلاع على جهات مماثلة لما استطعت او فريق العمل معي البدء او تحقيق ما كنا نصبو اليه، اتمنى من القلب، سواء كمواطن يتشرف بانتمائه وجذوره لهذا البلد المعطاء، ومتخصص قضى عشر سنوات من عمره في بحوث ودراسات ومؤلفات خاصة بالتقاعدين، ان يعي كل من يشارك في التخطيط لتنفيذ هذه الجمعية ان العمل مع فئة المتقاعدين يختلف عن غيره من الفئات باعتبارها مرحلة النهاية لكل إنسان لديه عمل رسمي، هي مرحلة للأمام وليس كما يظن البعض مرحلة للخلف، مرحلة الكثير والكثير يتوجسهم خوف كبير من الدخول فيها، مرحلة معظمنا يشعر بضيق عندما يتخيله، لماذا لأننا لم نتعامل معها على أنها كذلك، بل في ظل معطيات معينة كنا لا نعطيها أيما اهتمام، بينما لو نقارن ذلك في المجتمعات المتقادمة لو وجدنا العكس تماما، سواء اتفق معي من اتفق، او اختلف معي من يشاء. ولعلي انتهز مناقشة مثل هذا الموضوع لاعرج على تجارب ومحاولات وأفكار تقوم بها بعض الجهات لتطوير رعاية المتقاعدين، انطلاقا من حس وطني وشعور نبيل أو نتمنى ان يكون كذلك، ولعل تجربة أم المتقاعدين وحضنهم الدافىء مصلحة معاشات التقاعد، التي نفضت الغبار عنها مؤخرا في ظل التجديد الاداري الذي تعيشه، أقول أنها بدأت بالفعل وكفكر إداري لمسؤوليها الإيمان بأنها مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى وانه تحمل هما نظاما للتكافل الاجتماعي، لذلك تجدها حاليا خلية نحل لدراسة انظمتها ولوائحها لتطويرها بشكل يتماشى مع الوضع الحالي للمجتمع ومعطيات التغير الاجتماعي، وهجمته العاصفة على البشر بمختلف فئاتهم ومواقعهم. ولعل التحول في التفكير من خلال منظور اجتماعي جديد يعطي مؤشرا على الامل بالنجاح ان شاء الله، فالبداية عادة وللاسف في معظم الدول النامية تأتي من تحول في فكر قائد العمل ذاته، وليس من اجل مصلحة العمل، كذلك لدى المصلحة حاليا مشروع اجتماعي واقتصادي في الوقت نفسه للمتقاعدين يتمثل بمحاولة تسويق خبراتهم على مؤسسات القطاع الخاص، وهي خبرات عالية في تدريبها قليلة في تكلفتها، وهذا قد لا يكون معيقا للشاب في البحث عن الوظائف لانني او من ان الخلل ليس في قلة الوظائف بل هو لدى الشباب في اغلبه، فالفرص الوظيفية كثيرة، ولكن شروط الشباب ورغباتهم هي التي لابد ان تتغير. كذلك اصدرت مصلحة معاشات التقاعد نشرة خاصة بها اسمتها التقاعد وهي في بداياتها ارى انها جيدة وتحمل مضامين عالية، ولكن ادخال الاستثمار التجاري فيها قد يحولها عن مسارها، لذلك اعدادها بالاعتماد على قدرات المصلحة افضل من تسليمها في يد من يتولى اعدادها من الشركات الإعلامية لان الهدف لدى الطرفين متباعد، فمن هدف اجتماعي، الى هدف ربحي بحت؟؟ كذلك يبذل معهد الإدارة العامة جهودا حاليا في تنظيم ندوة علمية تحت عنوان إدارة خدمات المتقاعدين وهي ندوة ينتظر منها المتقاعدون الكثير من التوصيات والمقترحات التي تخدم المتقاعدين، وتعيد النظر في البعد الاجتماعي لانظمتهم، وبخاصة في مسايرة العصر وتطوراته المختلفة، لذلك هذه الندوة التي سترعاها شخصية كبيرة اتمنى ان يكون لها صدى كبيرا، اتمنى ان تتاح الفرصة فيها للمتقاعدين للمشاركة والتعبير عن احتياجاتهم ومشكلاتهم، اتمنى ان تكون ورشة عمل رئيسة بمشاركة مسؤولي الجهات الحكومية ذات العلاقة، ونخبة من المتقاعدين المميزين، للتحاور والمناقشة، لعل في ذلك تقديم للحاجات مباشرة دون استبانات ومقاييس فيها الكثير من الخلل، ولا ندري هي بالفعل شارك فيها المتقاعدون ام لا. كذلك للغرف التجارية الصناعية تجارب طيبة في الإفادة من قدرات المتقاعدين وبخاصة الغرفة التجارية والصناعية بالمنطقة الشرقية، ايضا مركز الأمير سلمان الاجتماعي بالرياض لهو مشاركة سابقة مهمة في مسيرة رعاية المتقاعدين بالمملكة، ولكنه اعتقد انه بحاجة كبيرة للدعم المالي فهو في اساسه جمعية خيرة ليس لديها القدرة المالية على الاستمرار، ايضا الرئاسة العامة لرعاية الشباب لديها توجه فعلي ممثلة في الاتحاد السعودي للرياضة البدنية نحو الاهتمام برياضة كبار السن والمتقاعدين منهم على وجه الخصوص واتمنى لها التوفيق كل مثل هذه الجهود نفتخر ان تكون في مجتمعنا، افتخر بها كمواطن سعودي، وافتخر بها كباحث متخصص في بحوث التقاعد والشيخوخة، باعتبار ان مثل هذه المشاريع كانت توصيات علمية اشرنا لها في العديد من البحوث والدراسات التي قمنا بها كما كان لنا شرف المشاركة في تنفيذ الكثير منها. كذلك ارى في توجه الدولة لتطوير رعاية المسنين الذي تمثل في تشكيل لجنة عليا لرعاية المسنين بأمر ملكي، ممثلة بعدد من الاعضاء وفي عدة جهات حكومية، اسند لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية سكرتاريتها وتنظيم اجتماعاته، كذلك بعد تنظيمها نتمنى ان يتجاوز الاختلاف بين القطاعات والمنافسة فيما بينها، لكي تقوم اللجنة بعملها بكل اقتدار، وهذا لاشك يأتي استجابة للكثير من توصيات المؤتمرات الدولية والإقليمية، فنحن للاسف من الدول التي تأخرت في تطوير رعاية المسنين باعتبارات مختلفة، كما ان الفكرة للاسف التي كانت سائدة ان رعاية المسنين تتمثل في إقامة دور لرعايتهم في شيخوختهم المتأخرة، وهذا لاشك انه اسلوب تقليدي من أساليب الرعاية ولكنه اقلها فاعلية، ولسنا كثيرا بحاجة اليها، باعتبار ان قيمنا الدينية الاسلامية هي نبراسنا في رعاية المسنين، لذلك كان لابد ان يكون هناك رعاية وقائية ورعاية تنموية تصل للمتقاعدين في أسرهم ومجتمعهم دون الحاجة لرعاية ايوائية قد تضر اكثر مما تنفع، كما ان المطلع على الهياكل الإدارية للقطاعات المسؤولة عن رعاية المسنين قد لا يجد مسمى لإدارة مختصة بالمسنين في بعضها وإدارة بسيطة لا يتجاوز موظفوها اصابع اليد الواحدة لدى البعض الآخر، والأمل كبير في الله عز وجل ثم في هذه اللجنة لتطوير اكثر واكثر، خاصة وأن مثل هذه الفئة ورعايتها تعد مؤشرا على مستوى الرعاية الاجتماعية للدولة، حيث تقيمها المنظمات الدولية وتضع لها درجة معينة بل ان بعض المجتمعات قد تواجه ضغوطا دولية وحملات لتطوير رعاية فئات معينة، وهي بشكل عام التي يطلق عليها فئات الإعالة الاجتماعية كحق من حقوقها وواجب الدولة اتجاههم. ولعلي اختم هذا الموضوع بالسؤال عن دور البنك العربي الوطني وهو البنك الذي يدخل في حساباته كل شهر مليارات الريالات تمثل معاشات المتقاعدين، فأين واجباتهم اتجاه فئة المتقاعدين؟ ولا أدري هل سعت مصلحة معاشات التقاعد لتفعيل دوره وقيامه ببعض المهمات لتطوير او تقديم رعاية اجتماعية للمتقاعدين، وأسأل لماذا لا تعرض تلك الحسابات على بنوك اخرى، للبحث عن مزايا تقدم للمتقاعدين، أو يفعل دور البنك، ليشارك أي مؤسسة او جهة تختص برعاية المتقاعدين، خاصة وأن المليارات التي تودع في حسابه يستفيد منها، ولا ادري هل هناك اتفاقية تمنع ذلك؟؟ جهود مباركة وموفقة ان شاء الله تبذل في بلادنا الغالية لرعاية فئة هي فئة المستقبل، فالتطور الصحي افضى على المجتمع مزايا كبيرة لعل من اهمها رفع معدل توقعات الحياة بين أبنائه، هذا الارتفاع يجب بل من الضروري أن يواكبه ارتفاع في مستوى الخدمات المقدمة لهم، فمثلما المجتمع ساهم في أن يعيش فترة اطول بتوفيق الله عز وجل فعليه ان يساعده ان يحيا هذه الحياة بكل راحة وسعادة. أسأل الله العلي العظيم ان يوفق بلادنا وولاة أمرها لكل ما فيه خير والله الموفق وهو ولي ذلك والقادر عليه والله من وراء القصد. (*) قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية كلية العلوم الاجتماعية جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية