لا شيء يستفزني قدر ما تملؤني بالغيظ تلك الجملة الثابتة دائماً: «هذا، وقد أنهى المؤتمر اجتماعاته في دورته الخمسين بإصدار عدد من التوصيات الهامة... إلخ».. التوصيات هي الفصل الختامي لكل ندوة أو دورة أو اجتماع موسع أو حلقة أو مؤتمر.. لا بأس، هذا ترتيب موضوعي لمجريات الأحداث في مثل هذه الفعاليات.. تبدأ بحلم كبير ومعذب، يظل يدوخ صاحبه إلى أن تتمخض عنه فكرة، يلتف حولها الآخرون - عدد منهم - فيتبنون فكرة الدعوة لإطار مناسب من الفعاليات سالفة الذكر، لتطرح الفكرة/ الحلم، ويجري تشريحها بمبضع العارفين وغير العارفين، مناسبة طيبة للذين لا يعرفون يعرضون معارفهم، وللمعاندين والمعارضين يبدون كل حسن النوايا - وتنتهي كل هذه الجراحات بأفكار جزئية صغيرة، تحمل في ظاهرها من الفكرة الأم بعض جينات الحلم، وفي باطنها كل أسباب الاحتضار والموت، تتم صياغتها تحت ذلك المسمى «توصيات».. كأن هؤلاء الوجهاء يقولون لنا بتلك التوصيات: «تريدون أحلاماً؟، ها هي أكداسها وأرونا ماذا أنتم صانعون بها!». ربما أكون مبالغة غير أن مصداقية هذا الادعاء لا تحتاج لاثباتها إلا أن تراجع «توصيات» كل الفعاليات السالفة التي عقدت تحت سقف الأممالمتحدة أو منظماتها أو تحت قباب الجامعات أو في قاعات المؤتمرات وردهات الفنادق الفاخرة، والتي نظمت في إطار دولي فما دونه على مدى ربع قرن، لنرى ما نفذ منها - إن كان - والنسبة التي يمثلها...! «لو نفذ ربعها لتحول العالم إلى وجود مثالي يصعب أن نتخيله). في أذهاننا وذاكرتنا حية ما تزال «توصيات» الأممالمتحدة التي تضمنتها القرارات المتصلة بنا كأمة عربية، قرارات مجلس الأمن مثلاً بعد حرب 1967م (كالقرار 242) الداعي إلى انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها) إلا أننا - اتصافاً - لا علاقة لنا في كل هذا الكلام بالتوصيات السياسية التي تخضع لعوامل خارجية، أو لعلاقات دولية أو سياسات فوقية إلخ، ما يخصنا هو فقط ما يتصل بالثقافة ومشروعاتها وبرامجها المزمعة أو المزعومة، كاجتماع رؤساء دول العالم وتوصياتهم في اليوم العالمي للطفل، وكتوصيات جامعة الدول العربية بشأن الخطة الشاملة للثقافة العربية، والخطة الشاملة لثقافة الطفل. وحلقة تنسيق حركة الترجمة على صعيد الوطن العربي (أوائل السبعينيات في الكويت) وحلقة تسهيل تداول الكتاب العربي من بلد عربي إلى آخر عربي! وعشرات الحلقات والندوات والمؤتمرات المشابهة، مع أن الأمر لا يتصل بعلاقات دولية أو سياسات فوقية أو عوامل خارجية. لا شيء يفزعني قدر سماع كلمة «توصيات» لأنها تتكىء على ركام هائل من المعرفة بأنها نهاية المطاف الذي يلفظ معه المجتمعون زفير الراحة بأن ها قد أدوا واجبهم كاملاً بمسك الختام، وتبقى التوصيات توصيات أبدية قولاً بلا فعل. الوصايا لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل 1- أنت أعرف الناس بكل ادعاءاتي هنا. 2- احصد ما استطعت من توصيات تأتي ثمرة لجهودك الموفقة على الصعيد العربي، خاصة ذلك الدعم المعنوي العظيم في عقد المؤتمر الأول لمشروعك النبيل لتجديد الفكر العربي في مصر بكل ثقلها، وبرعاية رئيس الدولة فيها. 3- حطم ذلك المفهوم المخيف في أن تكون التوصيات نهاية اجعلها البداية المجددة لخطواتك التالية. 4- اخضع كل ما تجمع من توصيات لمراجعة قاسية دائماً، ما بقي دون أن يتحول إلى برنامج عمل يستحق أن تحارب - ونحارب معك - من أجله بلا هوادة.