مع بداية موسم الشتاء تبدأ رياضة عريقة طالما عاشها اجدادنا وآباؤنا منذ القدم وحيث ان هذه الرياضة بدأت كحرفة وسبب من أسباب العيش في الماضي وارتبطت بالقوة والبأس وأكارم الرجال حتى تحولت مع الأيام وتعدد اسباب العيش إلى هواية ملازمة للقوة والصبر يزاولها علية القوم. ولأهمية الصقور لدى العرب المهتمين بالقنص عامة وأهل الخليج بصفة خاصة ومع ارتفاع اسعارها وصعوبة الاحتفاظ بها على مدار العام «القرنصة أو المقيض» وندرة وجود الطيب منها ظهرت أثر ذلك حرفة صيد الصقور «الشبك» أو ما يسمى «الشباكين» وهم فئة محترفة تمرَّست هذه الحرفة بجميع أبعادها الموسمية والجغرافية والامكانات وحسن التعامل ولا سيما مع طائر مثل الصقر يمتاز بالذكاء والحذر والسرعة فتعددت طرق الصيد وأماكن وجودها وتوقيت مرورها وهي معادلة من الصعوبة بمكان تقدير خفاياها إذ تربط بين الإنسان والبيئة والحيوان بخيط رفيع لا يعرفه إلا المتمرسون الذين اصبحوا في وقتنا عملة نادرة من الصعب الحصول عليها «الجزيرة» بدورها استمرت في سبر اغوار هذا العالم المثير المليء بالمفاجآت المحفوفة بالمخاطر لمعرفة خفايا هذا العالم وأسراره لتجيب عن طرق الصيد؟ وأماكن المصيد؟ وتوقيت ذلك؟ والمخاطر التي تعترض الشباكين؟ حيث جاء هذا التحقيق.. مواسم الصيد يبدأ موسم الصيد مع بداية فصل الخريف وقبل دخول الشتاء حيث تبدأ هجرة الطيور من الشمال والشمال الشرقي الى الجنوب والجنوب الغربي في خط طيران منتظم محاذٍ للساحل في الغالب باتجاه الجنوب بطريقة دقيقة ومنتظمة تدل على عظمة الخالق عز وجل الذي ألهمها هذا الأمر الفطري العجيب لتقطع آلاف الكيلومترات وبسرعات متفاوتة وأوقات تتناسب مع خصائص كلٍ منها حيث تهاجر الطيور الجارحة في اوقات الصباح بينما تطير ليلاً الطيور الكبيرة مثل الكركي واللقلق والحبارى والكروان والبط وغيرها كثير. وتستعين عموم هذه الطيور بالشمس والقمر والنجوم والمجال المغناطيسي وتلعب الرياح دوراً اساسيا في تغيير اتجاهها. وإذا ركزنا على الصقور وهي محور هذا التحقيق فهي في الغالب تبدأ بالظهور في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية مع بداية شهر اغسطس وأواسط سبتمبر، واشتهرت السواحل الشرقية من المملكة بكثرة مرور الصقور وكذلك المناطق الشمالية مثل منطقة الحماد والشمالية الغربية مثل مجيرمه وهذا لا يعني حصر المرور على هذه المناطق ولكن هي الأشهر وهناك تسجيل مرور في مناطق الوسط والشمال الشرقي. طرق الصيد: تعددت طرائق الصيد وانواعها بحسب نوعية المصيد وحجمه وظروف صيده حيث يسهل هذا الأمر احياناً إذا توافقت الظروف الزمنية والحالة المزاجية للمصيد والظروف الجوية ويكون صعباً وأقرب للمستحيل غالباً وعلى كل حالٍ فالأمر مقدر بأمر الله عز وجل ومن أهم هذا الطرائق واشهرها. شبكة الحمامة: وهي عبارة عن شبكة مصنوعة في غالبها من خيوط البلاستيك على هيكل من الالمنيوم المبروم وتتشكل بطريقة اقرب للمستطيل بها خيوط على شكل أنشوطة (عقد) توضع بطريقة خاصة على ظهر الحمامة وتربط بأرجلها بحيث يكون هناك مجال لحركة الحمامة وطيرانها بشكل منخفض وتوصل بحبل رفيع في نهاية قطعة معدنية ثقيلة تمنع طيران الحمامة بشمل مرتفع وتطلق هذه الحمامة في حال رؤية صقر في الجو حيث ينقض عليها فيعلق بها ولا يستطيع الطيران فسيتم صيده. النقل: وهي طريقة ناجحة جداً ولا يستعملها إلا المتمرسون بالرغم من كراهة هذه الطريقة شرعاً لما فيها من ظلم للطائر المستخدم في جذب الجوارح الموجودة في الأجواء القريبة وغالباً ما يكون هذا الطائر (السبري) وهو من نوع الجوارح وهذه الطريقة تتضمن شبكة صغيرة على شكل سلة صغيرة مصنوعة من خيوط البلاستيك تعلق برجل الجارح الصغير ويعلق بها ريش أسود بشكل يوحي بوجود فريسة مع هذا الجارح ثم تغمض عينيه بخيط «قطاب» بحيث لا يتمكن من الرؤية مما يضمن طيرانه بشكل دائري «حوم» وبعد ذلك يطلق في الجو ويكون فريسة سهلة للجوارح الموجودة في ذلك المكان التي تبادر بالانقضاض على النقل ظنا منها انه فريسة وتعلق بالخيوط المنتشرة على جوانبه، الأمر الذي يصعّب من طيرانها بشكل طبيعي وسقوطها مع «الشبوط أوالسبري» ارضاً ثم تخلص من الشبكة. الشبكة الأرضية واستخدام الغراب تعد هذه الطريقة من الطرق الناجحة بكل المقاييس ولا يعرفها الا أهل الخبرة وهي بحق معيار حقيقي ومحك صعب لاثبات القدرة على الصيد وبها من المهارة ما يجعلها كذلك ولقلة من يستخدم هذه الطريقة في أيامنا هذه كان لنا هذا اللقاء مع أحد أبرز الصيادين بهذه الطريقة في منطقة الخليج والمملكة خاصة مع العم سليمان بن إبراهيم الجاسر «السحلي» «70عاماً» حيث بدأ حديثه بالآتي: صناعة الشبكة، قال تصنع من خيوط البلاستيك المبروم بطريقة ثلاثية وتكون بحجم اجمالي «3*2» باع أي ما يعادل «40 ،1* 40 ،2» متر تقريباً وتتشكل من عيون «فتحات» بحجم «10*10سم» وتستغرق فترة صناعتها وحبكها من يومين أو ثلاثة وبطريقة يدوية تحتاج لدقة ونظم محبوك ثم توضع على الأرض ليتم شدها واكتمال بنائها بطريقة مناسبة. بعد تثبيت الشبكة على الأرض «في مكان الصيد» باستخدام ثلاثة أطناب قوية بشكل متوازٍ حيث يكون الطنب الأوسط مقابل لحلقة معدنية مثبتة بالأرض لتكون مركز الشبكة وببعد يصل إلى 60 سم عن الطنب الأوسط وتدفن الشبكة مع تثبيت أحد طرفيها وتحرير الآخر مع الحبل الممتد بشكل قوي واستخدام عيدان تثبت الشبكة بأحد طرفيها بشكل يسمح بانطلاقها حين يُسحب الحبل الممتد بينها وبين الكوخ «مكان الاختباء» وتُربط حمامة من رجلها بحبل ويمرر من فتحة الحلقة الحديدية وطرفه الاخر لداخل الكوخ، وهي الطُعم لهذه الطريقة. بناء الكوخ النوشة يتم اختيار مكان مناسب ونظيف خالٍ من الشجيرات والاعشاب بمساحة اجمالية «20*20م» والبدء بحفر حفرة دائرية بمقاس «50 ،1*50 ،1م» بوسط المكان وبعمق ذراعين «60سم» وتُركب الحنايا لطمر الحفرة بخيش وايجاد فتحات مختلفة الاتجاهات بحيث لا تكون متقابلة والحفرة مظلمة وتثبت في الأرض حلقة معدنية بمسافة نصف متر عن الكوخ لتكون مركز طيران الغراب فوق الكوخ مباشرة. وبما ان الصيد «الطراحة» يبدأ مع اواخر شهر ديسمبر حيث يميل الجو للحرارة فانه من الطبيعي ان تكون اجواء الكوخ حارة رطبة وتبدأ عملية الصيد مع بداية بزوغ الشمس والبقاء حتى ارتفاع الشمس وارتفاع درجات الحرارة ثم الفترة الثانية تبدأ بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس وقد يشهد بعض المخاطر والمفاجآت من الثعابين والعقارب وغيرها من الحشرات الخطرة. وعن طريقة الصيد يقول الشيخ السحلي: في البداية لا بد أن يكون لدى الشباك غراب مدرب يوضع له رباط يصل ما بين قدميه، رقبته يسمى «قلادة» يساعد على توازن الغراب اثناء طيرانه بشكل افقي ويربط بحبل في رجليه يمتد إلى «الكوخ» أو ما يسمى «النوشة» الذي يبعد عن الشبكة حوالي «12» مترا ويلعب الغراب دوراً أساسياً في عملية الصيد بحيث يعلق في رجليه قطعة من الريش تتدلى بمسافة متر تقريباً ثم يطير الغراب عند سحب الحبل المربوط به بعكس اتجاه الرياح ويبدأ بمحاولة صيد الريش المربوط به مما يوحي بانه يحاول صيد فريسة، الأمر الذي يشكل عنصر جذب قوي للجوارح الموجودة في المنطقة فتظهر للانقضاض عليه، الأمر الذي يؤثر على الغراب فيبدأ بالنعيب بشكل يختلف باختلاف ما يرى من جوارح ويتغير شكله حيث يرتفع ريشه «يكوش» ويظهر عليه التوتر والخوف، وفي هذه الأثناء يقوم الشخص «الصياد» الموجود في الكوخ بسحب الحمامة المربوطة لتطير بارتفاع منخفض تقريباً على مدى الحبل مما يمكن الجارح من الانقضاض عليها وصيدها ثم تسحب الحمامة وعليها الجارح من خلال الحبل بهدوء حتى تصل إلى مركز الشبكة وبالتحديد عند الحلقة المعدنية بحيث تكون في وسط الشبكة وهي لحظة الصفر حيث يشعر الشخص الموجود بارتفاع درجة حرارة جسمه وارتعاش وتصبب العرق يزداد وينقص بحسب نوع الطريدة المصادة فكلما كانت الطريدة صقراً أو شاهين وحسب اللون والحجم تكون الحالة النفسية للصياد عندها فقط يسحب الحبل المربوط بالشبكة وتنطلق العيدان لتنقلب الشبكة على الطريدة والحمامة ثم يخرج الصياد من الكوخ لاستخلاص الطريدة باستخدام قطعة قماش ووضعها على الطريده وتخليصها عن الشبكة بهدوء ووضع البرقع عليها ورشها بالماء لتهدأ وترتاح. ويضيف السحلي ان هذه الطريقة باتت شبه منقرضة ولا اعرف في هذا الزمان من يقوم بها إلا استاذي في هذا المجال الاستاذ/ عبدالله بن صالح المديهيم في المنطقة الشرقية فهو مازال على عهده بهذه الطريقة ويعتبر من أمهر الصيادين وأقدرهم علي الصيد بهذه الطريقة وصناعة شباك الصيد المحبوكة في الخليج ونحن الآن نحاول نقل هذه الطريقة للجيل الجديد ولكن ما من مجيب وقد تكون الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو مهرجان الجنادرية هما الأمل بعد الله في تبني حفظ هذا التراث ونقله للأجيال القادمة بإعداد برامج تدريبية وتوثيق كل ما يتعلق بهذا المجال بطريقة علمية. أهمية صيد الصقور تأتي أهمية صيد الصقور من عشق هواة الصيد للقنص بالصقور فهي رياضة عريقة ارتبطت بالقوة والشجاعة والصبر وحين ذلك فإن الصقر يعتبر المرجح الأول لتصاعد لحظات النشوة والنصر فالصقور أنواع عديدة ولكل هاوٍ نوع مفضل وتبقى الصقور الخلوية أوالوحوش «كناية عن الصقور التي تصاد في البرية» هي الأفضل والأقوى والأكثر طلبا ولا سيما اذا جاءت من أراضٍ تتوفر فيها الطرائد المفضلة لها وأهمها «الحبارى» فهي في الغالب تكون على علم بها وتتمتع بجسارة وقوة وطباع وبكامل لياقتها توافق هوى الصقارين حيث تصل أسعار الصقور التامة «الوافية» وهي التي يتساوى عرضها بطولها «18*18» انش ممتلئة اللحم قصيرة الساقين طويلة المنسر عريضة الارجل «الأرض» الوانها رائعة «الابيض ، الأشعل، الأحمر، وأندرها الأسود» وتتمتع بوجه رائع حاد النظرات لا تمل من النظر إليه. ومع تناقص اعداد الصقور وقلة المصيد وازدهار تجارة تربية الصقور وتفريخها، الأمر الذي جعل من صيد الصقور حرفة حقيقية نادرة لما فيها من تكاليف وبذل جهود وتحمل مشاق على مدى شهر إلى شهرين قد يرجع بعدها الصياد بغنيمة تغطي مصاريفه وتزيد وأحيان كثيرة يرجع بخفي حنين لا مصيد ولا غنيمة ويبقى الأمر في أوله وآخره مرتبطاً بتوفيق الله عز وجل. نقاط مهمة: بدأت طريقة الصيد بالغراب والشبكة الأرضية بالاندثار والاختفاء ولم يبق الا رجال قليلون جداً لا يكادون يصلون لعدد أصابع اليد الذين مازالوا على عهدهم باستخدام هذه الطريقة وقد يكون من المهم جداً حفظ هذا التراث بطريقة علمية؟؟! تعد أوقات الصباح الباكر افضل أوقات الصيد وقليلاً ما يكون الصيد في المساء. طريقة الشبك بالغراب تعد الأفضل والأضمن لسلامة الصقر من تكسر الريش وقطع الاصابع بسبب خيوط البلاستيك المستخدمة في الدرك. يصاد الغراب بنفس الطريقة تقريباً مع اختلاف الطُعم المستخدم. تستمر حياة الغراب الى «37» سنة بحسب ما رواه ضيفنا السحلي عن غراب جاسم الجمال وإبراهيم الجريد. تعتبر منطقة الساحل وبالتحديد منطقة مجيرمة على الساحل الغربي من أشهر اماكن شبك الصقور. في السنوات القليلة الماضية قلت اعداد المصيد من الصقور بسبب كثرة الصقور المستوردة وظهور صقور الانتاج المقنن وتدني أسعار الصقور بشكل عام وصعوبة عملية الصيد. يذكر من أهل الثقة انه تم اصطياد صقر وصل سعره الى اربعمائة الف ريال «000 ،400» بيع قبل أيام في مجيرمة. من الصعوبة احياناً الصيد بطريقة الدرك واستخدام الحمامة بسبب شبع الصقر وعدم اكتراثه برؤيتها. طريقة الغراب هي الاقرب والأكثر توفيقاً لتوافقها مع طبيعة حياة الجوارح إما لسد الجوع أو للعب. احياناً يعود الشباكون بخفي حنين ولا يصيدون شيئاً واحياناً يوفقون ويصيدون الاثنين معاً «صقرين».