هل فكرت الهروب من الحياة الحسية، لاجئاً إلى الحياة الشعرية من أي باب من أبوابها كان، ورأيت فيها مالا تراه في تلك، مما يريح فؤادك ويثلج صدرك ويذهب السآمة منه. فلولا الحياة الشعرية التي نحياها أحياناً لصقنا ذرها من حياتنا الحسية لمرارة مذاقها: كما لو أن حياً لم يغتبط بنعمة عيشه ولا ميتاً كره رقوده في برزخ أبدي. أراها شعور يشحن الأمل في ذواتنا، فليس منّا من لا يخفق قلبه بالأمل الذي هو أشبه بالجسر التي تمر من خلاله حياتنا الشعرية، حاملة لقلوبنا الآمال والأماني العذبة. فلولا التعمق في حياتنا الشعرية واستشعار لذّة المقصود لما شعر الصالحون بلذة المناجاة في جوف الليل وخلا بنفسه وأخذ يتخيل الجنة والنار والحور المقصورات في الخيام. ولما شكل الرسام لوحة توحي بعلاقة وطيدة يين بنات فكره وسطح تلك اللوحة. ولم يفق الشاعر من قصة يترجمها في أبيات شعرية تنقله من لهيب الجدية إلى خمائل الشعرية فتارة يقف على الأطلال باكياً أهلها وأخرى على القبور يندب جسومها الباليات. نحن نمنع أنفسنا من استمرار التحليق في فضاء الخيال لأن عقولنا اعتادت استمرار تفنيد الحقائق الملموسة فبتنا لا نطلب ما نوده أن يكون بين يدينا من خلال الأمل، ولكن قد نغالط العقل ونحيا بالأمل لذة المشاعر متجاهلين جدية الحياة... محاولة منا لخلق توازن بينهما. فلولا الحياة الشعرية التي أحياها بين سطور هذه الكلمات لأحببت الانعزال في ذلك الركن الهادي من حياتي الحسية ولتمنيت الخلود الأبدي.