الذين يعرفون الدكتور صالح بن محمد المسند، يدركون جيدا أن ماسأكتبه عنه في الأسطر القادمة ليس إلا جزءا يسيرا مما يستحقه الرجل نظير مسيرته العلمية والعملية في المحطات التي انتقل فيها وزرع فيها بصماته (الهادئة) والناضجة مثل هدوئه ونضوج معرفته. درس (أبو محمد) المرحلة الجامعية في جامعة الإمام، وحصل على بكالوريوس في تخصص (مكتبات) عام 1399، ثم واصل مسيرته التعليمية والأكاديمية ليحط رحاله في جامعة بتسبرج في الولاياتالمتحدةالأمريكية ليعود منها حاصلا على الماجستير والدكتوراه في المكتبات والمعلومات عام 1409، عاد ليبدأ رحلته الأكاديمية والعملية في جامعته التي ابتعث منها بين التدريس وبعض الأعمال الإدارية إلى أن قرر في سنواته الأخيرة المغادرة إلى جامعة الملك سعود، وحينها كسبت الجامعة (سمينا) علما وإدارة ودراية في علم المكتبات. تقلد في محطاته المتنوعة عدة مهمات وشارك بأدوار في مجال تخصصه؛ حيث عمل مستشارا غير متفرغ في مجلس الشورى، وعضو لجنة إعداد السجل الحولي الخاص بمئوية دارة الملك عبدالعزيز، وعضو الأسرة الوطنية لمادة الحاسب الآلي ومصادر المعلومات بوزارة المعارف، ثم تولى الإشراف على مركز الوثائق، بجامعة الملك سعود، بالإضافة إلى عضوياته المتعددة في عدد من الهيئات العلمية المتخصصة، فهو عضو جمعية المكتبات والمعلومات السعودية، وجمعية المكتبات المتخصصة (فرع الخليج)، وعضو الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، وعضو جمعية المكتبات الأمريكية. ما سبق من حروف يحكي مرحلة صاحبنا قبل أن أعرفه بشكل مباشر حين تولى مسؤولية (مدير الفهرس العربي الموحد) في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، التي أخذت على عاتقها إنجاز مشروع وطني يخدم مكتبات الوطن العربي كافة، فأخذ (أبو محمد) يرسم ملامحه ويحدد زواياه بهدوء عملي وعلاقات متميزة مع أصحاب المكتبات. عرفت أبا محمد في لقاءات متكررة تجمعنا الهموم المشتركة، فوجدت فيه رجلا يعمل بصمت ولا يعلو عنده صوت غير أصوات العمل المستمر لتحقيق الإنجازات؛ ليصل اليوم (الفهرس) إلى خطوات متقدمة يدركها ويشاهدها المتخصصون، ثم إني سعدت بصحبة أبي محمد في سفرات متكررة جمعتنا في سنوات خالية، حين كنا نحضر سويا حفل توزيع جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة في عدة دول، فكانت فرصة سانحة للقرب منه ومعرفته، فكان جدولنا يمضي معا من انطلاقة الرحلة إلى العودة لأرض الوطن. لقد وجدت معه متعة الصحبة والثراء بمعلوماته والإثراء في الوقت نفسه، لكنه لا يحب الأضواء ولا يسعى إليها مكتفيا بما تمليه المسؤولية فقط دون ما وراء ذلك. ولعل من السمات التي لحظتها عنده أنه - في الاجتماعات- يقدم أفكاره (العميقة) بكل هدوء وسلاسة دون الاستعراض بكم المعارف والمعلومات التي يملكها دون شك أو ريب، بل يسوق ملحوظاته وتعليقاته بكل تواضع ورشاقة فكرية. لقد استطاع د. صالح المسند أن ينهض بمشروع الفهرس العربي ليصبح محط أنظار المكتبات العربية، ثم هو هذه الأيام يواصل - بهدوء - فعاليات المشروع (الثقافية) من خلال استضافة العديد من الرموز الثقافية في المملكة والوطن العربي للحديث حول قضايا متنوعة تهم القارئ والمثقف العربي، إذ كان آخرها مع د. سعد البازعي في موضوع (الفلسفة) الذي يختلف حوله وفيه مثقفون كثيرون. وهنا، أقدم تحية تقديراً واحتراماً للرجل (الهادئ)، والمثقف الرزين (د. صالح المسند) الذي كلما اقتربت منه ازددت له احتراماً، وكلما ابتعدت عنه تشوقت إلى لقائه. (السكينة ... رزانة)..