ردَّ الأعشى على محبوبته التي رأته بعد طول غياب، فأقلقها أن يُقاد وقد أصبح ضريراً بعد أن كان بصيراً بقوله: ووصف ربيع السعدي الملَّقب ب (المخبَّل) ما آل إليه بصره، إذ أصبح يرى الشخص شخصين حيث يقول: وقد شخص الطبيب الأديب منصور الجابري في كتابه (طبيب عبر الزمن) رؤية الشخص شخصين كما عند المخبل وغيره بأنها (ازدواجية الرؤية). وفقد الشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس بصره قبل موته فرثى عينيه، وعرض معاناته من فقد البصر، وكيف كانت عيناه سراج وجهه، وعزَّى نفسه بأن هذه حال الدنيا، فما من إلفين إلا سيأتي يوم يفرقهما فيقول: أما الشاعر أبو يعقوب الخريمي الذي فقد بصره بعدما أسن، فقد آلمه ذلك، فامتلأ ديوانه بالقصائد التي تبين شدة معاناته. يقول إنه يستحق من أجل هذا العزاء، ثم يصف جزءا من معاناته حين يسمع ما لا يراه، وحين يمر به بعض معارفه يُسِرُّ له قائده بمن قدم، حتى يعرف الشريف من الوضيع، فيقابل كلا منهما بما يستحق: ومع فقده لعينيه لم يفقد نزوته ورغبته في التودد للنساء، فيقول لمن استكثرت منه أن يبادلها الغرام وهو أعمى إن أذنيه تعوضانه عن عينيه: وكان الشاعر الكويتي صقر الشبيب (ت 1963) كثير الحديث في شعره عن فقده لبصره، والإعلان عمَّا يتحمّله من أجل هذه العاهة التي ألمت به منذ صغره، وقد ذكر ذلك في قصيدة وجهها إلى الشيخ عبد الله السالم الصباح يعتذر له فيها عن عدم تمكنه من زيارته، ويؤكد له أن عماه هو السبب في ذلك، ويروي بالتفصيل - ساخراً - كيف تتعامل معه جدران الكويت وتسلمه من جدار لآخر، وكأن بينه وبينها ثأراً، ولا تنفعه يداه ولا عصاه، فيكمن مكانه حتى يمر به من يتفضل عليه فيعود به إلى داره. فيقول: أما أحمد الصافي النجفي فقد عاد إلى بغداد، وقد كف بصره، فلما وصلها أنشد قائلاً: 2 - ضعف السمع شكَّل فقدان السمع لمحمد عبدالقادر فقيه في مقتبل عمره مشكلة ظل يتحدث عنها طويلاً، ويعرض لها في مناسبات كثيرة، ويبين ما تركته عليه من أثر، وما سببته له من غربة روحية ومكانية، ووصف معاناته بدقة من الصمت المطبق الذي يحيط به من كل جانب، فيحرمه الاستمتاع بالحياة، كالاستماع لحديث الرفاق، وضجيج الطبيعة، فيقول: 3 - وهن الذاكرة وخفوت الإبداع ومن العلامات الذهنية للهرم ضعف الذاكرة، كما بين ذلك ابن الجيَّاب الغرناطي فقد وهنت ذاكرته وأصبح مضطراً للتدوين: وخفت إبداع الأخطل الصغير فعبر عنه في قوله من قصيدة ألقاها بمناسبة تكريمه: وللشاعر محمد سراج خراز أبيات أرسلها للأديب عبدالعزيز الرفاعي وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين بعد أن افتقده الرفاعي يعتذر له فيها عن انقطاعه، ويبين أنه توقف عن قول الشعر بسبب ما لاقاه من قسوة العيش، وزاعما أن زمن الصبا قد تولى. يقول: ورد عليه الرفاعي مرحبا بعودته للشعر، ومبينا له أن الشِّعر لا يتولى كما الشباب، وأن شباب الشاعر متجدد، ويستفيد من اسم (سراج) ليوري به: ** ** - سعد عبدالله الغريبي