1. تحضُّر المجتمعات يعتمد على مدى سرعة وكفاءة الانتقال من حالة الجمود إلى حالة الحركة.. لكن حالة الحركة دائمًا تواجَه بمقاومة من ثقافة تبني منطلقاتها على أفكار ساكنة منغلقة إقصائية.. تحارب التنوع وتدعو إلى توحيد مصادر التلقي.. وترى في التغيير انحلالاً وتفلتًا.. وترفع الأعراف والتقاليد إلى مرتبة مقدسة.. مع أن تاريخ البشرية يثبت أن نشوء الحضارات وتقدمها كان دائمًا يقوم على الانفتاح والحركة بديناميكية تقدمية.. وهذا ما يجب احترامه وتقديره بمقدار ما يجب نبذ حالة الجمود والرجعية التي تؤدي إلى التخلف. 2. في علم النفس يقولون إن الشخص الذي يتعرض لصدمة قد يفقد توازنه لفترة ما.. لكنه يستجيب لذلك التحدي باتجاهين: إما استجابة سلبية.. فيبدأ باجترار الماضي والبكاء عليه.. ويستغرق في حالة الإنكار والتمسك بالماضي ومقاومة التغيير لمواجهة الواقع المر.. فينطوي على نفسه ويتوقف عن التقدم.. وفي الحياة: من لا يتقدم يتقادم.. وأشخاص آخرون تكون استجابتهم إيجابية.. يتقبلون الصدمة مع الاعتراف بها كتحدٍّ يجب مواجهته.. وفي سبيل ذلك ينفتح على العالم والحياة.. ثم ينطلق إلى الخطوط الأمامية لمواجهة ذلك التحدي والتغلب عليه. 3. عامل «التحدي والاستجابة» هو العامل الأهم في قيام الحضارات كما يرى الفيلسوف الإنجليزي (توينبي).. فالتحدي يوقف البعض بينما يزيد من سرعة البعض الآخر في التقدم.. وهؤلاء هم الذين يبنون الحضارات.. فعاملا البيئة والجغرافيا يساعدان لكنهما لا يؤسسان لقيام حضارة.. فهناك مجتمعات متشابهة بيئيًا وجغرافيًا نشأ في أحدها حضارة ولم تنشأ في الأخرى.. كما أن المجتمعات ليست سواء في مواجهة التحديات حتى لو كان التحدي واحدًا ومن النوع ذاته والحجم ذاته.. فالإنسان هو الذي يلعب الدور الأساسي في مواجهة التحدي وليست طبيعة التحدي أو حجمه.. والتحدي وحده لا يصنع الحضارة لكنه يحفزها ويستثيرها.. والاستثارة وحدها لا تكفي.. فلا بد للإنسان أن يكون ذا كفاءة تمكّنه من تجاوز التحدي والانتقال إلى مرحلة متقدمة في الحضارة. 4. وبقدر ما يرجع (توينبي) نشوء الحضارة إلى عاملَي «التحدي والاستجابة» بقدر ما ينفي أن الحضارة تنمو بالتوسع الجغرافي.. إذا كان هذا التوسع سوف يصاحبه تخلفًا وتفككًا بدلاً من النهوض والتقدم.. كما ينفي أن الحضارة يمكن أن تنمو بدافع التقدم التكنولوجي فقط.. لكنه يعزو قيام الحضارة إلى وجود حكم يتبنى حكمًا رشيدًا.. ويتحلى بروح خلاقة.. يتبعه المجتمع بحرية كاملة.. في ظل استقرار وأمن ينعم به الجميع.. في جسد متسق ومتوافق بلا صراعات دموية.