منذ أن أعلن (النادي الأدبي الثقافي) بجدة عن عزمه تكريم الأديب الراحل الدكتور عبدالله منّاع، ضمن فعاليات ملتقى قراءة النص في دورته ال17 التي ستنطلق يوم الثلاثاء المقبل، شاعت حالة الرضا والقبول في أوساط المثقفين والأدباء والكُتّاب، مشيدين بدور النادي في هذه المبادرة التي عكست الاهتمام بالرموز والوفاء للرواد. حالة خاصة وحول مبادرة أدبي جدة، ذكر رئيس التحرير الأستاذ «خالد المالك» أن الفقيد المناع حالة خاصة، ترك تخصصه في الطب وانحاز إلى الفكر، والثقافة، والإعلام والكلمة الرصينة، بعد ما ترك «مشرطه الطبي» ليحل قلمه -الذي وظفه بدوره- لخدمة بلاده وأمته وقضاياها، بروح من الإيمان والمسؤولية، والشعور بأن ما يملكه من سلاح للدفاع عنها. كان يتمثل في قلمه الذي ظل مداده، وحبره، يتواصل على مدى أكثر من نصف قرن دفاعاً عن الحق، والمبادئ التي آمن بها. ومضى المالك في قوله: المناع -غفر الله له- لم تفقده أسرته فحسب إنما فقده الوطن، وخسر بفقده نجماً متألقاً في أطروحاته الفكرية، وبغيابه غاب قامة كبيرة عن المشهد الثقافي والإعلامي بما لا يعوّض. خطوة مباركة ووصف الكاتب «قينان الغامدي» البادرة ب»الخطوة المباركة»، ماضيًا من ثمّ إلى تعديد مزايا الراحل بقوله: كان له أسلوبه المتفرد في نحت الكلمات والجمل والمقالات، وهو يملك ذاكرة حديدية تسعفه في كتابة مقالاته التي كانت تأتي مكتنزة بالمعلومات والتواريخ والأحداث، وله قدرة عظيمة في الربط بين الأحداث والقصص والطرائف، فقد تجده يكتب عن قصة قصيدة أو أغنيه ثم يأخذ بتلابيب اهتمام القارئ حتى يصل به إلى المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه القصيدة أو تلك الأغنية أو الطرفة، في سلاسة ممتعة وترابط منطقي فلسفي عميق الدلالات واسع الاحتمالات ومفاتيح الأسئلة، وكان يقول: إن الكاتب الجيد هو من يستطيع استثارة الكثير من الأسئلة لدى القارئ، فمهمة الكاتب ليس تقديم الإجابات الجاهزة لقرائه، وإنما جعلهم يخرجون من مقاله بالكثير من الأسئلة التي تشحذ هممهم للبحث عن إجاباتها بأنفسهم. وتابع الغامدي: المناع غفر الله له، كان لي أخاً وأستاذاً ومعلماً وصديقاً، وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت دخوله المستشفى ثم وفاته، لم أكن أغادر مكتبته في لقائنا الأسبوعي، مساء كل يوم اثنين، دون أن ينكسر قلبي وأن أرى سمعه يتدهور وبصره يضعف، ونسيانه يتصاعد، وكنت أبذل كل ما في وسعي لحثه على مراجعة الطبيب، مع حرصي الشديد على مشاعره التي لا تحتمل مثل هذا الحث، فقد كان يكره سيرة الأمراض والأطباء والمستشفيات والأدوية. رمز وقلم رائع ويؤكد الدكتور عبدالله المعطاني أن الدكتور المناع ساهم بقلمه في إثراء الساحة السعودية منذ عهد الرواد، وكان يكتب في مساقات متنوعة من السياسة إلى الأدب إلى الاجتماع إلى الشأن العام إلى قضايا الفكر والمعرفة بأسلوب رائع وقلم ناصع وجرأة مطلوبة في الحق، وقد أثر في جيل كامل من شداة العلم والأدب والثقافة. أسلوب خاص ويرى الدكتور «حسن الهويمل» أن المناع خاض عالم الصحافة بأسلوب أخاذ، وفكر نيّر، ورؤية عنيفة، كلفته أشياء كثيرة، تعب، وأتعب من حوله. مضيفًا: عشقت أسلوبه السهل الممتنع، درس في مصر في زمن العمالقة، عاصر: العقاد، وطه حسين، ونجيب محفوظ، والحكيم وآخرين. وعاصر الصحافة في أوج تألقها: (الأهرام) و(المصور) و(آخر ساعة) وتماهى مع كل ما في مصر، وتشكل أسلوبه في عوالم: (الزيات) و(المازني) و(الحكيم). لم يكن مقلداً، ولا تبعياً، لقد اجترح لنفسه طريقاً يبساً. ويستطرد الهويمل قائلاً: درس الطب في (الإسكندرية) واقترب من توفيق الحكيم، وقلده في (غليونه)، لكن قلبه معلق ب(القاهرة) وعالمها الصاخب، عاد إلى وطنه، وفي ظنهم أنه يحمل هم الطب، ولكنه راح يبحث عن مجتمع الصحافة بوصفها مستقر الأدب، ومنطلقه. قوى صلته ب(العواد) و(رويحي) و(عارف) و(أبي مدين) وآخرين، واستكتبوه وهو طالب في مصر. ولما عاد تقلب في مناصب الصحافة، وأنشأ مجلة (اقرأ) ثم تركها، وعاد إلى الأعمال الإدارية، والكتابة، والتأليف. لقد فوت عليه العنف فرصاً ذهبية، عاش زمن صحافة الأفراد، والمؤسسات الصحفية، والتحولات المفصلية.