الأفكار جزء من حياة الإنسان في مسيرته التاريخية، والفكرة المتعلقة بمنهج سياسي تدخل في تعريف أيديولوجيا وبفكرة الصراع الفكري السياسي، ومادام العقل يفكر ويحلل ويتساءل تحت الغطاء ستتطور القنوات السرية، إذ دوماً ما يتكيف الطرح الفكري المؤدلج ويتلون ويأخذ صورة متطورة ومتعددة، وقد يكون وصل إلى نهاية رحلة في الغرب بعد سن القوانين والدساتير، من أجل تقنين الصراع، ووضع حدود ضد الفوضى.. في الغرب الأفكار متواجدة وتتفاعل لكنها ملتزمة بالإطار الدستوري، ولعل الصراع الأخير بين الديموقراطيين والرئيس ترامب يكشف جانباً من الصورة في الغرب الأمريكي، فالليبرالية تعاني من تصاعد النعرات العرقية والأيديولوجيات الدينية، لكن الإعلام بمختلف وجوهه يكشف حلقات الصراع، وإن لم يكن محايداً.. لكن الإشكالية في الشرق العربي ذلك التاريخ الحافل في الصراع بين الحق والباطل، والذي وصل إلى ظهور أيديولوجيات باطنية أي تخفي وتتلون من أجل أن تظل حية في فضاء الحقيقة المطلقة، كذلك في أعراف السياسة يخفون توجهاتهم ويغيرون أشكالهم من أجل البقاء أحياء تحت حكم القبضة الحديدية. المشروع السياسي في الشرق العربي سري للغاية، ويعمل في الخفاء من أجل أن يتمكن ثم يصل إلى هدفه، ولو رجعنا إلى مختلف التاريخ السياسي للشرق العربي لاتضحت الصورة، والتي تكشفها انقلابات الفجر، وخروج البيان الأول للانقلاب. يمر الشرق العربي في صراع بغيض بين الأيديولوجيات المتناحرة سواء في العراق أو سوريا أو لبنان واليمن وغيرهم، وهي مرحلة يصعب تجاوزها ما لم يتفق الفرقاء على رمي السلاح ونبذ الأيديولوجيات في العمل السياسي والمدني، وعدم استغلال الدين أو العرق من أجل مكاسب مالية. ما بعد مرحلة ما يطلق عليه بالربيع العربي، توجهت سهام الاتهام لجماعة الإخوان المسلمين، وتم مطاردتهم وحصارهم في بعض الدول، وهي أيديولوجية سياسية دينية تجيد العمل من خلال السر والعلن، ولها باع طويل في العمل السياسي تحت الغطاء، لكن واضحة كوضوح الشمس رغم سمات الصمت التي تعلو الوجوه، لكن آثار الخطوات السابقة لا يمكن أن تختفي، وهدفها لم يتغير.. هم قادمون لاشك في ذلك، فالمجتمعات الشرقية العربية متعلقة بالطرح السياسي الديني، وتعتقد أن فيه خلاصاً أبدياً، وهي نظرة طوباوية، ولو نظروا جيداً في التفاصيل ستجدهم كغيرهم من الجماعات هدفها السلطة والمال، وتظل الشعارات مظلة للعمل الحركي السري، ومهما طال الزمن قد يأتي يوم يعلنون فيه بطلان مقولة الخلافة وحكم الجماعة بعد التزامهم بالدستور، لكن السرية في العمل الأيديولوجي لن تتوقف. في خلاصة الأمر تظل الأيديولوجية السرية بنية أساسية في المجتمعات العربية الشرقية، لكنها تتحول إلى هدامة إذا وصلت إلى التحكم في العمل المدني والخدمات والتعليم والصحة، ويظهر في سمات الوجوه التي تعتلي المنصات والمناصب، ولو حدث ذلك تنهار الكفاءة، وتتحول إلى مقرات حزبية للعمل السياسي المؤدلج والبيان رقم واحد!