فكر أولا ثم احكم بعد ذلك، هذا المبدأ استخدمته بطريقة مجدية مع تلك السيدة الأنيقة الجميلة التي كان زوجها قد رحل عن الحياة مؤخرا، فقد كانت مشكلتها مادية، وعما ستود فعله في حياتها بعد أن أصبحت وحيدة، وبعد نقاش طالت مدته قلت لها: دعينا نأخذ ورقة وقلما ونعد قائمة بكل الأشياء التي يمكنك القيام بها ثم قيِّميها وسنختار أنسبها. أجابت:كما ترين، أنا لا أستطيع أن أفعل أي شيء فلم أقم بذلك من قبل، وكان زوجي يتخذ القرارات، فلا يوجد لدي مهارات على الإطلاق. استوقفتها عن سرد ما تود قوله عن اعتمادها الكلي عليه سابقا حتى في أصغر أمور حياتها. فقلت: اسمعي أنت إنسانة ذكية ومثقفة ولا يخالجني الشك أبدا أنك لا تملكين أية مهارة. لابد أن هناك فكرة ما مختبئة داخل عقلك وسوف تكتشفينها فقط ابحثي عنها فهي التي ستفتح أمامك حياة مثيرة لذا دعينا ندون كل فكرة ونرى إلى أين ستصل بنا. لم أستطع أن أجعلها توظف طريقة التفكير أولا ثم التقييم. أخذ الوقت طويلا فقد كانت مصرة على التقييم وبكل بساطة كانت تقول عن أية فكرة تطرأ «لا، لا أستطيع أن أفعل ذلك». لا أخفيكم فقد انتابتني موجة غضب حاولت إخفاءها. وما إن سألتها: ما رأيك في الحصول على وظيفة متواضعة؟ أجابت بدون تفكير وماذا عن حسبي ونسبي ومركزي الاجتماعي. بدأت بطرح الأفكار لعلي أجد لها أي شيء يناسب كبرياءها. ماذا عن بيع الأواني، بالطبع الجواب «لا». إذا ما رأيك في الطبخ ضحكت بازدراء أنا لا أعرف حتى أن أغلي الماء. لتكن الخياطة، أجابت أنا لا أعرف أن أخيط إزرارا. حدقت بها مستطردة دعينا نفعلها الآن، أعلم أنه يوجد شيء ما قادرة على فعله وستفعلينه بطريقة رائعة. وبعد تردد همست في أذني على استحياء أعتقد أني أجيد صنع الحلوى فالكل يقول إنها لذيذة. بدأنا نخطط في حال كيف أنها ستعمل على تجهيز هذه الحلوى وتسويقها، لكنها أخمدت حماسي بأنها «ذات حسب ونسب «فكيف لها أن تبيع الحلوى فهي تعدها لضيوفها وصديقاتها فقط. هنا كان من الضروري أن أوضح لها بعض الحقائق في الحياة من خلال تذكيرها في حال انها لم تتخل عن اعتراضاتها فسوف ينتهي بها الأمر للحصول على المساعدات الاجتماعية وكيف لذلك أن يتناسب مع حسبها ونسبها ومركزها الاجتماعي كما تزعم، وحذرتها بقولي أنه من الأفضل أن تختاري بين الاعتماد على المساعدات الاجتماعية أو أن تمارسي نظام المشاريع الحرة. أخذ الوقت طويلا فما زالت تعيش في وهم «سيدة نبيلة». قطعت كل تلك الأعذار التي تتحجج بها مستأنفة الحديث بقولي اصنعي لي شيئاً من تلك الحلوى. احضرت لي بعد عدة أيام قطعا من الحلوى فقد كانت رائعة حقا. أقنعتها ببدء مشروعها من المنزل وأن تضع شعارا مناسبا يليق بسيدة نبيلة مثلها!!! أخذت الأفكار تنطلق داخل عقلها، توسعت في مشروعها حتى أصبحت تمتلك سلسلة من الكافيهات، فقد تعلمت أن تتوقع معجزة وحققت الكثير من المعجزات بفضل الإيمان بما ستفعله. فلا يمكن استمرار الدافع بدون وجود الإيمان ولن تستطيع صنع المعجزات دون مواجهة الصعوبات، فالإيمان والأحلام إلى جانب العمل الحقيقي لتحقيقها هي تركيبة الانطلاق التي تأخذك إلى ما تريد تحقيقه. تأكد إذا كنت تسير عكس ذلك فأنت في الطريق الخطأ بالتأكيد، ولكنك تستطيع أن تتغير إذا كنت تعتقد أنك تستطيع. ما أذكره أنه حينما دعتني سيدتنا «النبيلة» لافتتاح أول باكورة مشاريعها لفت انتباهي تلك العبارة المخطوطة على جنبات طبق الحلوى.. أتذكرها جيداً «الحلو للحلو». انتابني الفضول بسؤالي عن تلك الجملة، أجابت: كنت ذات حسب ونسب وأنا أقولها لضيوفي وصديقاتي حينما أقدمها لهم وما زلت ذات حسب ونسب وأنا أقدمها لزبائني.