وقصيدته التي نظمها في السبعين أسماها (سيدتي السبعون)، فهل كانت مخاطبته إياها ب(سيدتي) تقديرًا لها أم خوفًا؟ أكثر الظن أنه الاحتمال الأخير، فقد وصفها بأنها جاءت حاسرة الأنياب كأنما تريد به فتكًا. بدأ القصيدة بتساؤله المعهود: ثم عرج إلى أنها فاجأته بلقائها، فلم يتوقع أن يلتقيا: واعتذر لها إن لم يحتفِ بلقياها، فما الذي بقي يمكن الاحتفاء به؟ الشباب؟ الأماني؟ العزيمة؟ الحياة؟ أم الرفاق؟ وعودًا على قصيدة (حديقة الغروب) فقد تفاعل معها كثير من الشعراء العرب مجاراة ومعارضة. ومن الذين عارضوها الأديب عبدالله بن إدريس الذي يكبره بحوالي خمسة عشر عامًا، أو بربع عمره كما أشار إلى ذلك في قصيدته (على باب الثمانين). يقول: وهي شبيهة بليالي غازي في أنها لم ترَ ذلاً ولا عارًا: ثم يناشد ابن إدريس غازيًا بعدم الرحيل، فهو يجله ويقاربه فكرًا وطباعًا، وهو يكبره بربع عمره، أي بخمسة عشر عامًا، إذ إن الثمانين تطل عليه: وقد أوحت قصيدتا القصيبي وابن إدريس للشاعر حمد العسعوس قصيدة من شعر التفعيلة، كتبها كما يقول في المقدمة القصيرة التي سبق بها القصيدة: «إهداء إلى غازي القصيبي وعبدالله بن إدريس رجعا لقصيدتيهما (حديقة الغروب) و(على باب الثمانين)». يبدأ القصيدة على لسان (الروح): سأخرج من جسدي ذات حين.. أنا الروح.. يا أيها الحائرون بأمري.. جسدي ليس لي.. قل: هو البيت... يسكنه الغرباء. قل: هو العش.. تأوي إليه العصافير.. ثم تهاجر.. قل: هو الثوب.. نخلعه.. ونعلقه.. ونغادر.. ثم يدعو المحيطين به بأن يقيموا احتفالاً لهذه الروح إن غادرت: أقيموا احتفالا إذا هرب الطير من سجنه.. زغردوا .. وارقصوا طربا.. صفقوا باليدين طويلا لهذا المهاجر.. سلام عليه.. قبيل المخاض.. وحين يجيء.. وحين يسافر.. ثم يستحضر تشبيه طرفة بن العبد للموت بالحبل المرخى فيشكر الموت على أن أرخى له الحبل إلى ما شاء الله: لعمرك.. إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد.. فشكرا جزيلا لهذا الكريم.. وهو يرخي - لنا - حبل أوهامنا.. وهو يجعلنا نروح.. ونغدو: لخمسين.. سبعين.. تسعين.. في حقل أحلامنا.. شكرا جزيلا له وهو يتركنا نسيح... ونعدو بمضماره ونغامر ثم يوجه ذويه ومحبيه إلى عدم الخوف من الموت فهو يجيء لإطلاق (الأرواح) من زنزاناتها: لا تخافوا من الموت يا أيها الطيبون..؟! هو - حتما - سيأتي.. لينقذ أرواحكم من زنازينها..! فزفوا إليه البشائر.. ** **