صندوق الاستثمارات يحصل على أول تمويل بهيكلية المرابحة بقيمة 7 مليارات دولار    أمانة الطائف تدعو المستثمرين لإنشاء "برج مغامرات"    نمو الشركات الأجنبية في المملكة 23٪    طقس المملكة: أمطار غزيرة وسيول محتملة مع فرص لتساقط الثلوج    التجارة : ارتفاع إجمالي السجلات المصدرة في الربع الرابع من 2024 ل 67%    أمطار غزيرة على جدة والمطار ينبه المسافرين        برعاية وزير الخارجية.. مشروع سلام للتواصل الحضاري يُخرّج الدفعة السابعة من برنامج تأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    أمير منطقة حائل يدشن مهرجان "حرفة"    بافيل يحتفل بزواج ابنه إيهاب    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسان بوفاة الشيخ فهد بن إبراهيم الحمري البلوي    الرائد يخشى الجبلين.. والشباب في اختبار الفيحاء    ديربي الغضب ..سوبر وذهب    2,000 سلة غذائية وحقيبة صحية للمحتاجين في جنديرس السورية    المملكة ودعم الشعب السوري    وزير الشؤون الاجتماعية في الإدارة السورية الجديدة يلتقي فريق مركز الملك سلمان للإغاثة    .. و«إغاثي الملك سلمان» يفتح التسجيل في برنامج «أمل» التطوعي للأشقاء في سورية    محافظ الطائف يلتقي مدير الهلال الأحمر ويكرم المتميزين    "محمد آل خريص" فقيد التربية والتعليم في وادي الدواسر    مركز التحكيم الرياضي السعودي ووزارة العدل يعتمدان المسار الإجرائي    أمير الشرقية يستقبل السفير السوداني.. ومدير الجوازات    قطاع ومستشفى بلّحمر يُفعّل "شتاء صحي" و"التغطية الصحية الشاملة"    رالي داكار السعودية 2025 : "الراجحي" يبدأ مشوار الصدارة في فئة السيارات .. و"دانية عقيل" تخطف المركز الرابع    الأهلي متورط !    في ختام الجولة ال15 من دوري" يلو".. أبها في ضيافة النجمة.. ونيوم يخشى الفيصلي الجريح    المنتخب بين المسؤولية والتبعات    القيادة تهنئ أمير الكويت وملك البحرين    التواصل الداخلي.. ركيزة الولاء المؤسسي    وزير الطاقة.. تحفيز مبتكر !    من ياسمين دمشق إلى غاز روسيا !    بيع سمكة تونة ب266 ألف دولار    آفاقٍ اقتصاديةٍ فضائية    غارات الاحتلال تودي بحياة عشرات الفلسطينيين في غزة    ميزة من «واتساب» للتحكم بالملصقات المتحركة    اختتام معرض «وطن بلا مخالف»    الطقس يخفض جودة التمور ويرفع أسعارها    السفر في الشتاء.. تجربة هادئة بعيدًا عن الزحام    فقط.. لا أريد شيئاً!    مناسبات أفراح جازان ملتقيات شبابية    دعوة مفتوحة لاكتشاف جمال الربع الخالي    شتاء جازان يحتضن مواهب المستقبل مع أكاديمية روائع الموسيقية    من نجد إلى الشام    فنون شعبية    «سحر بحراوي: الجولة الثانية !»    أمير الشرقية يستقبل سفير السودان ومدير الجوازات    مفتاح الشفاء للقلب المتضرر    تقنية تفك تشفير الكلام    اليقطين يخفض مستوى الكوليسترول    المستشفيات بين التنظيم والوساطات    الملك وولي العهد يعزيان العاهل الأردني في وفاة ماجدة رعد    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة الشيخ فهد الحمري    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    «عون الحرم».. 46 ألف مستفيد من ذوي الإعاقة    الكذب على النفس    انطلاق ملتقى دعاة «الشؤون الإسلامية» في نيجيريا    تأخر المرأة في الزواج.. هل هو مشكلة !    المرأة السعودية من التعليم إلى التمكين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياكة الإبداع
نشر في الجزيرة يوم 05 - 03 - 2021

لا أعرف اسم الفيلم السينمائي الفرنسي الذي تضمّنه هذا المشهد الإبداعيّ، وليس لي سابق معرفة بأبطاله، ولا أظنّني بحاجة لمعرفة قصّته، كل ما يعنيني أنّه أتى بسؤال مهمّ جدًّا وذكيّ، طرحه شابّ على أستاذه الذي كان يعلّمه الكتابة الإبداعيّة؛ سأله ببراءة شديدة وبتلقائيّة عجيبة وابتسامة صفراء تعلو شفتيه، وهو يرى في ما يقوله أستاذه تحقيرًا لاجتهاداته الكتابيّة: إن كنت تعلم كلَّ ذلك عن الكتابة فلمَ لا تكتب بنفسك؟!
هذا السؤال العفويّ أثار في نفسي سيلًا من الاستفهامات! وتداعى أمامي عدد هائل من المشاهد التي فيها تقليلٌ من شأن كُتّابٍ واعدين، واستنقاصٌ لإبداعاتهم، بسبب أسلوبهم الكتابيّ البسيط، ووقوعِهم في أخطاء لغويّة قد لا تُغتفر، وإهمالِهم علامات التنصيص، أو سوء استخدامهم في بعض المواضع لعلامات الوقف، ناهيك بافتقار كتابات بعضهم لجمال الأسلوب الأدبيّ الذي يحفظ للنصّ رونقه ويسهّل وصوله إلى المتلقّي.
في ظنّي، إنّ تركيزنا على هذه العناصر - مع أهمّيتها - ابتلانا بكتابات لا قيمة لها إلّا لدى أصحاب هذا التوجّه، وربما أصبحت هاجسًا لدى بعض الكتّاب الجدد، فنجدهم يولون الشكل اهتمامًا بالغًا، متلاعبين بالمفردات والجمل، مع توظيفهم المحسِّنات البلاغيّة من دون الارتكاز على مضمون جيّد يمنح العمل قيمة حقيقيّة. يأتي ذلك في ظلّ تعزيز نقّاد كبار لهذا التوجّه. إنّ هذا الأمر لا يعني بالطبع إنكار وجود نماذج رائعة ممّن أثروا المشهد الثقافي بأطروحاتهم المتخصّصة والجميلة، وأسهموا في تبنّي بعض المواهب الواعدة، وساعدوا على صقلها ورفع مستواها، فكانوا جميعهم واجهة مشرّفة لبلادنا؛ لكنّ هؤلاء - للأسف الشديد - قلّة قليلة لا يعوَّل عليها، فالغالبيّة العظمى من النقّاد يرفضون النظر إلى أيّ عمل أسلوبه ضعيف مهما عظم موضوعه.
على أيّ حال، إن كان ما يقدَّم دون مستوى ذائقة هذه الفئة الطاغية، لم لا يحملون الراية بأنفسهم ويشتغلون بالكتابة الإبداعية ضمن مختلف الأجناس الأدبيّة، فيأتوننا بعدد من الروايات التي تبارز الروايات العالميّة بل تتفوّق عليها، أو بمجموعات قصصيّة ملهِمة لكلّ المنشغلين بهذا الفن، أو حتى بدواوين شعر خالدة بأصالتها وعمق إحساسها وبُعدها عن السطحيّة والنفاق اللذين ابتُلي بهما شعرنا ونثرنا مؤخّرًا؟!
لمَ لا يقومون بكل ذلك ويكونون البديل الناجع، عوض اشتغالهم في النقد والتجريح، الذي يثبط عزيمة أصحاب المواهب، فيتقاعسون عن الإتيان بجديد، ما قد ينتج عنه طمس هويّتنا الثقافيّة، وجعلنا كمثقّفين في الدرك الأسفل بين الأمم؟!
السؤال الذي تضمّنه هذا المشهد الإبداعيّ إجابته ليست بتلك الصعوبة، فهؤلاء النقّاد العظام المعنيّون بحديثنا، يعلمون يقينًا أنّ الأسلوب الكتابيّ لا يشكّل سوى القشرة الخارجيّة للأعمال الأدبيّة الخالدة، التي يمكن تشبيهها بالثمرة اليانعة بما تحتويه من أفكار وتفاصيل إبداعيّة يصعب حصرها، بمعزل عن لغتها، فالمظهر الجميل كما هو معلوم لن يعليَ من قدر الأشياء الفارغة. وأظنّهم يدركون تمامًا أنّ التعليم -مهما كانت جَوْدته- لا يخلق مبدعًا من العدم، وإنّما دوره تطوير قدرات المبدعين، وتصويب أخطائهم، ووضعهم على الطريق الصحيح للاستفادة قدر الإمكانّ من إبداعاتهم؛ وأحسبهم يعلمون أيضًا أنّ الأدب الحديث عمليّة تكامليّة لا يمكن الاستغناء عن أيٍّ من أضلاعها. فكما أنّ المبدع يحتاج للناقد، والمدقّق اللغوي، والمحرّر الأدبي، والناشر الأمين، وباقي أعضاء الفريق، نجد أنّ كل واحد من هؤلاء -مهما علا شأنه- يحتاج، وبشدّة، للمبدع الذي هو الأيقونة التي لا تكتمل الأعمال الإبداعيّة بدونها.
لو كان المعلّم ملمًّا بكلّ ذلك، لنظر في وجه تلميذه مبتسمًا، وأخبره بكلّ صدق بأنّه يجيد الخياطة، ويتقن تعليمها وتمييز جيّدها من رديئها، ومتابعة نتاجها حتى يكتمل جمالها، لكنّه لا يمتلك القماش الذي يَخيطه، وليس لديه القدرة على ابتكار تصاميم أصيلة، ويخشى أنّ احتكاره لهذه الصنعة قد يُفسدها. ولعلّه سيهزّ رأسه ويصمت للحظة قبل أن يخبرَه بهدوء بأنّ اكتفاءه بهذا الدور المهمّ ليس عيبًا، في ظلّ أنّ هناك من يمتلك كل ما من شأنه جعل هذه الصناعة جميلة ومتقنة. هذا - في ما أظنّ - ما يمنح الكتابات الغربيّة قيمتها الإبداعيّة؛بينما لا نزال نحن نتصارع في ما بيننا حول أيّنا الأكثر أهمّيّة من الآخر: الكاتب أم الناقد؟!من دون أن نحفل بالقيمة الكبيرة التي يشكّلها فهمنا العميق لمعنى»حياكة الإبداع».
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.