التاريخ يعيد نفسه في كثير من الحقب والدهور، والذين يقولون بغير ذلك قد ركبوا الطريق شططاً بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. فهو يعيد نفسه لكن بطرقٍ متعددة وظروف مختلفة نوعاً ما، ومن يقرأ تاريخ الأمم والدهور سيجد صدق ما نذهب إليه، فأنواع الأمراض وشح الموارد والحروب، وسواها يتكرر بين حين وآخر، وبعضها يمر مرور الكرام، والعكس صحيح، فكتب التاريخ والأدب (شعراً ونثراً، وتاريخاً ومذكرات) وغيرها دونت تلك الأحداث في حقب قريبةٍ وبعيدة، حتى درجت على ألسنة العامة أمثلةً وتاريخاً يؤرخون به للمواليد، مثل، سنة الحمى، والجدري، والطاعون، والرحمة (وهي من أسماء الأضداد) وتعني كثرة المتوفين، كما ذُكر لنا، وغيرها. أردت من هذه المقدمة أن أدخل إلى موضوعنا هذا، وسنة الرحمة بإذن الله، وربّ ضارة نافعة وذكرى للمسرفين في الولائم والحفلات، بما لا يرضي الله ولا عباده الصالحين العقلاء، وليس هذا بموضوعنا. بقينا في منازلنا شهرين متتاليين لم نعهدهما، كنا ننتظر الفرج من الله تعالى لتعود لنا حياتنا الطبيعية. كان عندي أربعة طلاب على موعد المناقشة لدرجة الماجستير في شعبان1440، لكن الظروف المذكورة حالت دون ذلك، وتمت مناقشتهم بعد رمضان. وبما أنني قد أنهيت معهم مراجعة رسائلهم، وأنهيت كذلك طلبةً آخرين كمناقش خارجي، وجدت لدى وقتاً فائضاً لا بد من ملئه بشيء مما أستطيع من قراءاتٍ أخرى، واتجهت إلى مكتبتي الخاصة في منزلي أتفحص القديم منها وأنظر في الجديد الذي لم يقرأ بعد، فوجدت كماً كبيراً من الكتب التي أهديت إلي من جهات متعددة، وأغلبها من المشاركات في المؤتمرات والندوات والملتقيات، داخل المملكة وخارجها، أو من بعض المحبين من كل مكان، فالشكر موصول لكل منهم. قلت أنني تجولت من جديد في مكتبتي ووجدت كتباً كثيرة، كما ذكرت لم تقرأ بعد، وكنت أتفحص العناوين، وإن كنت لا أؤمن بمقولة الكتاب من عنوانه في زمن الناشرين المحترفين في تجميل العناوين، بما لا يتفق والمحتوى. لكن لفت نظري عنوان تاريخي جغرافي في الوقت نفسه عن بلد أجهلها تماماً، وإن كنت أعرف بعض أهلها من خارجها، تلكم (خيبر) كانت معرفتي بها كطالب في المرحلة المتوسطة من خلال مادة الجغرافيا، عندما فتحها الرسول، صلى الله عليه وسلم. لكن الدكتور الباحث الجاد، فايز بن موسى البدراني، لفت نظري إليها وقاد فضولي العلمي لقراءة هذا الكتاب، لسببين: الأول ثقتي بالمؤلف سلفاً لما قرأت له مكتب، والثاني، فضولي لمعرفة هذا الجزء من بلادنا العزيزة. الكتاب رسالة دكتوراه من الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، ولن أتتبع الكتاب بالطريقة الأكاديمية، بقدر ما كشف لي ولأمثالي من معلومات ثقافية خلال القرن الثالث عشر الهجري، إلى أواخر التاسع عشر الميلادي، ولأن أغلب المعلومات وثائق إلا أنه أعطى صورة جيدة لتاريخ هذا الجزء في تلك الحقبة، كما أنه وثق كثيراً من مصادره بمصادر ومراجع غاية في الأهمية، فهي رسالة علمية بحق لحقبة مهمة شديدة الاضطرابات السياسية والاجتماعية، وثقها بمصادر مهمة، سواء منها ما جمعه من أصحاب المنطقة أو الرحالة والمؤرخين. والدكتور البدراني رجل ثقافة وعلم، ومن جيل اهتم بالثقافة وبناء الشخصية الثقافية والتعليم المؤسسي الممتاز، ومؤلفاته التي اطلعنا على بعضها تربو على خمسين مؤلفاً. فيها من الجد والاجتهاد ما يشبع حاجة المتطلع للمعلومة الصحيحة والثقافة الناضجة، وإلى مزيد من العطاء.