اتباعا لما تطرحه صحيفة الجميع «الجزيرة» من قضايا تربوية وتعليمية أنقل لكم اليوم بصوت العاطفة المحبة لهذا الوطن المعطاء قضية «مُعَلِّم ومُعَلِّمة»: فهذان أخوان يجمعهما الطموح وحبهما الشديد لمهنة التدريس، أما «مُعَلّم» فهو مثال حي للكفاح وحب التفوق والابداع، درس في احدى الكليات، وتفوق في كثير من العلوم والمعارف التي درسها، ولكن عقله الوقاد توقف عند مفردة غريبة ألا وهي «دفتر التحضير». نعم لقد نجح فيها بتفوق وعرف كيفية كتابة الأهداف السلوكية، وكيفية الاشارة الى وسائل تعليمية لا وجود لها في واقع المدرسة. كان يدور في عقله سؤال حائر، ما الفائدة من دفتر التحضير هذا؟! وهو في الحقيقة حبر على ورق، وكان يلوح في خاطره الجواب التالي: لعله من الأشياء الروتينية التي لا وجود لها في أرض الواقع. تحقق حُلم صاحبنا مُعَلِّم، وتخرج بامتياز وتم تعيينه مدرساً فأحب عمله، وكان يشغل بقية يومه بالقراءة المتأنية في مجال تخصصه، وكان يبحث عن الجديد من الطرق والوسائل التربوية التي تزيد من ثقته في نفسه فينعكس ذاك ايجابا على أدائه الوظيفي. مَرَّ أسبوع على بدء الدراسة، ثم انقضى أسبوعان، ومعلم يزداد حماساً وطموحاً، الى أن سأل المدير سؤالاً هزَّ أركانه. أين دفتر التحضير؟ صمت صاحبنا معلم وتذكر أيام الدراسة وأخذ يلوم ذاته لماذا أقنعتني بأن دفتر التحضير أمر روتيني؟ وها هو حي يرزق على أرض الواقع. هَزَّ جدار الصمت عند معلم تكرار المدير لسؤاله، فوعده بإحضاره الأسبوع القادم. عاد المعلم الى بيته ونسي القراءة، والاطلاع على كل جديد، وانكب على القديم دفتر التحضير ملوناً له ومسطراً، والكآبة تعلو محياه فهو كالطالب البليد عندما يجبر على أداء واجباته. سلَّمه للمدير الفاضل فابتسم في وجهه وكتب على الدفتر «صك البراءة»، «نُظر مع التحية» والتي اعتبرها «معلم» رصاصة الرحمة على طموحه واجتهاده. وفي مساء ذلك اليوم الذي اكتسى ليله برداء الاحباط ذهب معلم لزيارة أخته «مُعَلِّمة» تلكم الشابة الذكية التي تخرجت بتفوق وكانت تتوقع أن تكون معيدة في كليتها لولا ذلك الفيروس الاجتماعي الخبيث المدعو «واو». المهم رضيت مُعَلِّمة، بأقدار الله تعالى فأصبحت مدرسة حضر «معلم» لمنزل أخته معلمة ولكنها تأخرت في الحضور اليه، وبعد نصف ساعة جادت معلمة مقدمة الاعتذار، عفواً يا أخي لقد أردت أن أكمل دفتر التحضير؛ لأجلس معك وأنا مُرتاحة البال والخاطر. فكان رده ابتسامة عابرة اتبعها بقوله: يا أختاه ذاك هم لابد منه. فأردفت قائلة: يا أخي أنت تعلم أني قد عُينت في منطقة نائية. فأنا أخرج من منزلي عند الثالثة صباحاً، وأعود اليه عند الثالثة ظهراً. منهكة متعبة فما بقي من سُويعات اليوم هل هو للراحة؟! أم لمتابعة شؤون أسرتي أم لقراءتي أم لدفتر التحضير هذا؟ والله يا أخي إني لأكتب واجب التحضير هذا، وسطوره جُرحي ومداده دمعي وألمي، ولكن الشكوى لله، إنه الروتين الذي لا يتغير. وهنا تلاقت أفكار «مُعلِّم ومُعَلِّمة» بل جميع المعلمين والمعلمات لتصرخ بصوت واحد ما الفائدة من دفتر التحضير؟! وهل له مردود إيجابي يوازي ضياع الوقت والجهد في كتابته؟ أسئلة حيرى بحثنا عن اجابة لها في طرق التدريس الحديثة فلم نجد شيئا، فالمدرس في الدول المتقدمة يحمل حاسوباً محمولاً تتجدد برامجه وعلومه، لا دفتراً جَفّ مداده وأجدبت سطوره. إلا إذا كان دفتر التحضير من وجهة نظر المسؤولين في وزارة المعارف يقدم دعماً استراتيجياً بعيد المدى، أو دعماً لوجستياً للعملية التعليمية، هذا الدعم يجهله المعلمون والمعلمات. فهل يأتي اليوم الذي يُعاد النظر فيه بقضية دفتر التحضير، ويُستفاد من الوقت المخصص له بدورات تخصصية للمعلمين والمعلمات تُثري معلوماتهم وتزيد من قدرتهم على التطور والابداع، مما سينعكس بالايجاب على مستوى طلابنا وهم المستهدفون في العملية التعليمية. عبدالله بن منور الجميلي/ المدينة المنورة