السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوثيين في اليمن
مشاهد من فصول إرهاب (الجزء الثاني)
نشر في الجزيرة يوم 05 - 02 - 2021

ذكرنا سابقاً أن سلوك أي إنسان وتصرفاته هي من نتاج ثقافته ووعيه، فصاحب السلوك الحسن متشبعٌ بالقيم الإنسانية والمشاعر الإيجابية، يرى الكون كله خيراً، فيما صاحب السلوك السيئ متشبع بثقافة مشوهة ومشاعر سلبية، يرى الوجود كله شراً. والخلاصة أن الإنسان ما يعتقد.
والسؤال هنا ماذا يعتقد الحوثي أولاً؟!!
يدَّعى الحوثي أنه من سلالة مقدسة، فضَّله الله من علياء سماه على كل الخليقة، وبموجب هذا الزعم وهذا التفضيل الذي يعتقده فإن على كل الناس طاعته، والخضوع له، والتسليم بكل ما يُملي عليهم، ومن ذلك حقه في الحكم / التحكم والتسلط على الناس، ومَن خالفه رأيَه أو ناوأه دعواه هذه فهو كافر حلال الدم والمال، بموجب نصوص تاريخية، يدعي زوراً وبهتاناً نسبتها إلى الدين زوراً .
ومن هذا المنطلق يستبيح دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، في أسوأ عملية إبادة، وأطول توحش مارسه تجاه اليمنيين، منذ وردَ إمامُهم الأول يحيى حسين الرسي وإلى اليوم. ولسان حاله لمن عداه : أنا سيدك، وأنت عبدي، أحكمك أو أقتلك. ووفقاً للسفاح عبد الله بن حمزة، رداً على نشوان بن سعيد الحميري، وقد رأى أنه يصلح أن يكون إماماً، أو خليفة أو رئيساً ، فرد عليه :
«يؤمن عبد الملك الحوثي أنه أفضل من اليمنيين وأن جيناته أطهر!! ولم يكتفِ بهذه؛ بل لا بدَّ أن تؤمنَ أنت كيمني أنه فعلاً أفضل منك!! فإذا أنت لم تؤمن بهذا الاعتقاد الدوني كفَّرَكَ!!
ولو كان الأمر يتوقف عند التكفير فإن المشكلة قد تكون أخف؛ لكنه يستحل قتلك، لأنك لم تؤمن بما يؤمن به، أنه الأفضل!! ورغم ذلك فليست العلة هنا فقط، إذ إنّ هذه العقيدة المنحطة ليست مستغربة منه، ولا من بني جلدته ممن سبقه، أو ممن سيأتي بعده، إنما العلة - التي لا دواء لها - أن تجدَ يمنياً يؤمنُ بأنهم فعلاً أفضل منه، وأنه وكل يمني دونهم»!! (1)
والعجيب - ولا عجب لدى الكيان الحوثي الإرهابي البغيض - أنّ هذا المعتقدَ العتيق يأتي في ظل الدولة الوطنية الحديثة، وفي ظل الديمقراطية، والديمقراطية الليبرالية وثقافة المساواة والمدنيات المعاصرة التي تحكم معظم شعوب العالم، مُعتقَداً وضَعه مؤسسُ الجماعة الأول قبل ما يزيدُ على عشرة قرون، ولا يزال كما هو إلى اليوم.
أفكار مستوردة
والواقعُ أنّ جذورَ هذه النظرية لا تمتُّ للثقافة العربية أو الإسلامية بصلة، فهي مستمدة من الثقافة الفارسية منذ مرحلة ما بعد الفتح الإسلامي، ولا علاقة لها لا بالثقافة العربية السائدة قبل الإسلام أو بعده، ولا بالثقافة الإسلامية نفسها. ومع هذا يريدُ فرضها قسراً على الشعب، في الوقت الذي يرفضُ اليمنيون هذه المعتقدات الخرافية الغارقة في دهاليز التاريخ، متطلعين إلى قيم العصر الحديثة التي تؤسس للسلام والعيش المشترك بين الشعوب، كغيرهم من شعوب الأرض، بعد طول صراع مع هذه الجماعة الكهنوتية.
يعتقد الحوثي أن كل شخص لا يقر بأفضليته العرقية على الخلق هو كافر بالله، وهو بالتالي مغتصب لحق من حقوقه الخرافية المقدسة الموهوبة له بالسماء، وبالتالي وجب قتاله؛ بل قتله.
يعتقد الحوثي ضمن خرافاته أنه وسلالته قرناء القرآن، والثقل الأصْغر، وسفينة نوح، وباب حطة، ونجوم أهل الأرض، وورثة الكتاب، والمطهرين من الرجس، والمصطفين بين الأمم.!!
يقول عبد الله بن حمزة - وهو أحد كرادلتهم الكبار، مادحاً سلالته، ومخاطبا العامة من الناس- : «.. فما ظنُّكم - رحمكم الله - في بيت عَمَرَه التنزيل، وخدمه جبريل، وذرية درجت بين التحريم والتحليل، والتأويل والتنزيل، أعلام حجى، وأقمار دجى، وغيوث عطاء، وسيوف لقاء، ورماح وغى، دعاة إلى الله سبحانه في كل فترة، وناعشوا هَذِه الأمَّةِ من كل عثرة..» (2)
مضيفاً : «وإنَّ لله عبادَا اصطفاهم لدينه، وفضَّلهم على جميع بريته، واستخلفهم في أرضه، واستشهدَهم على خليقته، هم عترةُ نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - المستحفظين بقية النبيين، وسُلالة خاتم المرسلين، هم في النَّاسِ منزلة الرأسِ من الجسَد، بل بمنزلة العينِ من الرأس، فأحلُّوهم من الجلالة حيثُ أحلهم الله سُبحانه، واقتدوا بهم تُسعدوا وتُرشدوا..» (3)
وفي قصيدة لعبد الله بن حمزة قبحه الله، تتجلى معَالم هَذا التفضيل كما يدعي بصورةٍ أوضح، مقارناً بين سُلالته : الدر، النضار، الجوهر، الأسد؛ وبين الآخرين من غير سُلالته : البعر، الحجر، المدر، الكلاب، الذَّنب.. إلخ.. يقول :
*** *** ***
ومنها أيضاً :
ويقول أحمد محمد الشامي مخاطباً البدر، منتصف خمسينيات القرن الماضي، مشيراً إلى خلافته لأبيه أحمد :
وهكذا يهونُ شعبٌ بأكمله مقابل فرد، لا لشيء، إلا لأنه من هذه السلالة التي يدعون أنها مقدسة..!
ويقول عبد الله بن محمد حميد الدين، في إطار حَديثه عن النُّصُوص الدينية «الوهمية» التي تقدس هؤلاء وتعلي شأنهم : «ومهما اختلفنا حول دلالة تلك النُّصُوص فلن نختلف في أن أقل ما تدلُّ عليه هو أن لأهل البيت (يقصد الحوثيين!) شأنا عند الله؛ شأنا يوجب على الأمَّةِ أن تبحث عن أخْبارهم، وتنقب عن أحوالهم، وتتبع علومهم، وتنظر في كتبهم، وتتعلم من أعْلامهم، وتترك أعداءهم؛ ولكن للأسف، فأكثر النَّاسِ نحو أئمة أهل البيت إمَّا غافل، وإما جاهل، وإما حَاسد...» (5)
وقد نقل مجد الدين المؤيدي - الفقيهُ الهَادوي المُعاصِر - فتوىً خرافية منسوبةً لأحد أئمتهم، وهو محمد بن القاسم الحسيني ما نصه : «اعلم أن الإِمَامَة الشَّرْعيَّةَ خلفَ النبوة في الوجه الذي وجبتْ لأجله، وهِي مسْألةٌ عظيمْةٌ الشَّأن، سَاطعةُ البرهَان، من أصول المسَائل، المُبتنى عَليْها كثيرٌ من الشَّرعيَّات والوسَائل، وقَدْ أثنى الله في كتابه العزيز على القائم بها تعبداً واحتساباً ، الكامل بأوصافها خَلقاً وخُلقاً وانتساباً «. (6)
ويقول بدر الدين الحوثي - وهو من عُلماء الهَادَوِيَّةِ المُعاصِرين، ووالد عبد الملك الحوثي : ضمن مزاعمه « الولاية بعد رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي عليه السلام، ومن بعده لأخْيَار أهل البيت، الحسن والحسين وذريتهما الأخيار. والولايةُ لمن حَكمَ الله بها له في كتابه وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، رَضي النَّاس بذلك أم لم يرضوا، فالأمرُ إلى الله وحده، ولا دخْل للشُّورى». (7)
ونفسُ الفتوى قَال بها أيضاً فقيههم الهادوي محمد عبد العظيم العمري، وهو من فقهائهم المعاصرين، في واحد من بين حواراته الصَّحفيَّة التي أجريتها معه لصحيفة الجمهورية، حيثُ قال : «نحن لا نؤمن إلا بإمامٍ من آل البيت، من ذُرية الحسَنين، الجامع لشروط الخلافة» مضيفاً : «الدستور هَذا هو بدعة عندنا. لا يوجد عندنا دستور. الدستور مأخوذٌ من الخارج، وليس من الكتاب ولا من السنة، اللفظة فارسية، ولا يلزمنا هَذا الدُّستور أبداً «. أما حين سألته عن علاقتِه بالرئيس اليمني السَّابق علي عبد الله صالح، في سياق ما إذا كان مُعترفاً بشرعيَّته وهو الرئيس المنتخب عبر الصندوق الانتخابي، أجاب : ليسَ حاكماً شَرعياً . حاكم دولة.. كما لو أنه في بلد مجاور لنا، أو نكون في بلد أجنبي..» (8)
إنها ذات الأفكار التاريخية العتيقة التي آمن بها كاهنهم الأول يحيى حسين الرسي، ثم أحمد بن سليمان والسفاح عبد الله بن حمزة، وهي نفسها التي يؤمن بها الإرهابي عبد الملك الحوثي اليوم، على تغير الزمن..!
وبهذا نكون قد أجبنا - وبصورة موجزة - عن السؤال الآنف الذكر : ماذا يعتقد الحوثي أولاً؟!
هذا هو معتقده وعقيدته، ولهذا يقتل هذا التنظيم المجرم اليمنيين ويستبيح دماءهم وأموالهم وأعراضهم، كما سنرى.
الخلفية النظرية للإرهاب الحوثي
الحديث عن الإرهاب الحوثي اليوم يستوجب التوقف أولاً عند النظرية التي يستند إليها، والمرجعية الفكرية التي تحددُ طبيعة تفكيره ونمط سلوكياته. وذلك باعتبار أن سلوكَ أي فردٍ أو جماعةٍ إنما هو - في جوهره - انعكاس لأفكاره وثقافته، سواء ما تشكل منها في عقله الواعي، أو ما غار منها في عقله الباطن؛ لأن جزءاً من سلوكيات الفرد أو الجماعة هي نتاجُ اعتمالات العقل الباطن أيضاً، وفقاً لمدرسة التحليل النفسي الفرويدية. وهي نظرية صحيحة، ولا تحتاج إلى مزيد من التأكيد لإثبات صحتها.
الإرهاب الحوثي اليوم امتدادٌ تاريخيٌ للإرهاب الهادوي منذ ما يزيد على 1200 عام. وضع جذورَه الأولى مؤسس هذا الكيان يحيى حسين الرسي، ت 298ه. ونستطيع القول إنّ الهادوية فكراً وسلوكاً هي داعش القديمة بكل تفاصيلها ومفرداتها، كما سنرى.
ونستعرضُ هنا أولاً طرفاً من الموجِّهاتِ النظرية «الإرهابية» في النظرية الهادويّة، في نسختها الأولى التي أسس لها الرسي، ثم بقية كرادلة النظرية جيلاً بعد جيل، وكلُّ خَلَفٍ منهم يبني على سلفه، جاعلاً منه حجة على صحة تصرفاته الإرهابية..!
ونجرم - بكل يقين - أن الكيان الإمامي البغيض - والحوثي أحد حلقاته - قد فاق ما اقترفته كل النظريات الإرهابية المتشكلة عبر التاريخ، ومنها القاعدة وداعش.
لا نقولُ هذا جزافاً من تلقاءِ أنفسنا، أو نقلاً عن المصَادر التاريخيّة المناوئة لهذه الجماعة؛ بل مما وثقته مصادرُهم التاريخية هم؛ حيث رووا تلك الأحداث في كتبهم، باعتبارها كما يدعون ديناً يتقربون به إلى الله..!
وإلى جانب تلك المصادر التاريخية أيضاً الوقائع المعاصرة التي نشاهدُها اليوم بين أيدينا؛ بل ونمثلُ إحدى ضحاياها : ضحايا التهجير القسري، ضحايا النهب والسلب، ضحايا التمييز العنصري.. إلخ.
الإرهاب في الفكر الهادوي.. ماضٍ يتجدد
تمثِّلُ بعضُ أشعار المؤسس الأول للكيان الإمامي البغيض، يحيى حسين الرسي الموجهات الإرهابية الأولى للأجيال المتلاحقة، خلفاً عن سلف، ولكون الرسي المؤسس الأول، والذي تنتسب إليه بعض الأسر اليمنية فإنه يكادُ يكون مقدساً عند أتباعه، وتمثلُ تعاليمُه شعراً ونثراً المرجعيّة الأساسيّة في الثقافة الدينية والسياسية الإمامية، ووفقاً لما أورده القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي، مُستقرئاً مَسيرة الزَّيْدِيَّة في اليَمن : «.. ولكن جاءت فرقةٌ من فُقهاء الزَّيْدِيَّةِ قلدوا غيرَهم، فجَمدوا على المذهب الهَادوي، وجَعلوه حَرماً مُقدساً ، حتى قَال عبد الله بن حمزة: إنا نهابُ نُصُوصَ يحيى - أي الإمَام الهَادي - كما نهابُ نصُوصَ القُرآن..» (9).
يقول الرسي في واحدة من هذه القصائد:
وبقليلٍ من التأملِ في بعضِ مفرداتِ هذا النص، نكتشفُ مدى السادية النفسية المريضة التي تعيشُها نفسية هذا الرجل، من خلال بعض الألفاظ ذات المنزع السادي : الطعن، الروس تحصد، السائلات من الدماء، جماجم القتلى.. إلخ. هذه المفردات في حد ذاتها تشكل لوحة إجرامية، عاشها وتخيلها الشاعر هنا في عقله الباطن، قبل أن يعبر عنها بالكلمات..! هذه صورة داعشية، قاعدية، نازية، بامتياز، عبَّر عنها وقد طبقها عملياً، كما يقول في قصيدة أخرى :
كما يقول أيضاً في قصيدة أخرى:
إلى جانب قصائد الرسي، أيضاً قصيدة الشريف الرضي، والتي يتوارثها أجيالهم منذ القرن الرابع الهجري وإلى اليوم، وتمثل - فيما تمثل - واحدة من الموجِّهات الحربية التي ينشؤون عليها صغارهم، وكل فتى في هذه الجماعة هو رجل حرب، يتنشأ على الحقد والثأر والانتقام.
يقول الشريف الرضي: (12)
وفيها:
إن في هذه القصيدة وحدها والتي نظمها نقيب الطالبيين - ومثلت مرجعية أدبية يتوارثها كلُّ طفل يولدُ من ذلك الزمن وإلى اليوم - من الحماس الثوري والاستثارة النفسية ما في كل قصائد الشعر من الحماس والاستثارة والتجييش كلها. ووفقاً لابن الوردي : «حين يدافع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنه إنما يريد بذلك وجه الله، أو حُب الحق والحقيقة، وما درى أنه بهذا يخدعُ نفسه. إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ فيها، وهو ولو كان قد نشأ في بيئة أخرى لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة من غير تردد، ثم يظن أنه يسعى وراء الحق والحقيقة». (13)
مضيفاً : «الواقع أن الإنسانَ يؤمنُ بعقيدته التي ورثها عن آبائه أولاً، ثم يبدأ بالتفكير فيها أخيراً، وتفكيره يدور غالباً حول تأييد تلك العقيدة، ومن النادر أن تجدَ شخصاً بدّل عقيدته من جراء تفكيره المجرد». (14)
من هنا جاء التعدي وجاء إرهاب الغير، ووفقاً ل «ميلاني كلين» وهي من أبرز خلفاء فرويد في ميدان التحليل النفسي «أن العدوان يعتمل داخل الطفل من بداية الحياة». (15) لهذا لا تحتاج الثورات والانقلابات فيما بعد إلا أن تقدح الزناد فقط، فالبارود في الرأس، ولا يحتاج غير قدح الشرارة الأولى فقط. ومع تداخل الفرد مع الجماعة تتماهى أخلاقه داخلها، ويصبح وحشاً كاسراً لا تعرفه، وقد تطبع بطباعها دون أن يدري، ومعلوم للجميع أن منطق الجماعة غير منطق الفرد. الجماعة جياشة عاطفية، مسرفة في عاطفتها وفي نزقها، وأقل تحريض من قائد القطيع يجعل الجماعة ترتكب أبشع الأعمال وأقساها. ومن يتأمل عنف الجماعات يجد جنوناً من الوحشية غير متخيل. يقول جوستاف لوبون : «ومن أهم النتائج التي تنشأ عن تأثير الجماعة في أفرادها توحيد مشاعرهم وعزائمهم، ومن هذه الوحدة النفسية تكتسب الجماعات قوة عظيمة، والباعث على تكوين هذه الوحدة النفسية هو انتشار المشاعر والحركات والأعمال بين الجماعة بالعدوى على الخصوص». (16)
وهذا أحمد بن سُليمان يسير على ذات النَّهج الذي اختطه الرسي في العنف والإرهاب تجاه اليمنيين؛ يقول شِعراً، مخاطباً قومه :
ويقرر السفاح عبد الله بن حمزة أن ديار المختلفين معهم فكرياً هي دار حرب، يقول : «وأما حكايتنا عن القاسم والهادي والناصر (18) بأن دار المجبرة والمشبهة (19) دار حرب فهي من أجلى الحكايات، وأوضح الروايات، وذلك أن رواتها أئمة وعلماء لا يمكن حصرهم في رسالتنا هذه، وإنما نذكرهم جملة.. ولا يُعلم من هؤلاء خلاف على اختلاف أغراضهم، وهم ألوف لا ينحصر أعدادُها إلا لخالقها في جواز غزو المجبرة والمشبهة والباطنية، وقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، ويغزوهم ليلاً ونهاراً، ويختطفون ذراريهم سراً وجهاراً، ويبيعونهم في أسواق المسلمين ظاهراً، ويشتريهم الصالحون، وما فعلوا ذلك إلا بفتوى علمائهم وأئمتهم وسائرهم..». (20)
ورداً على حق القيل اليماني نشوان بن سعيد الحميري في ترشيح نفسه إماماً للناس، يقول السفاح ابن حمزة :
وعن المطرفية، قال فيهم بعد أن كفّرهم :
وإلى جانب فتاوى يحيى حسين الرسي وأحمد بن سليمان وابن حمزة فهذا القاسم بن محمد - مؤسس الدولة القاسمية - قد كفَّر الصوفيَّةَ واستحلَّ دماءهم، كما ورد في واحدة من رسائله، يقول عنهم، محرضاً النَّاس عليهم : «.. فالواجبُ على المُسلِميْن استباحة دمائهم وأموالهم؛ لأنهم كُفار مُشركون؛ بل شركهم أعْظم وأكثر؛ لأن المشركين الذين كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يجاهدهم يقرون بالله ويجعلون له شُركاء وهِي الأصْنام، وهؤلاء لم يجعلوا إلههم إلا الحِسَان من النِّسَاء والمُردان..»(22)
وكفَّر المتوكل على الله إسماعيل الشَّافعيين، وعُموم أهل اليَمَنِ الأسْفَل، متهماً إياهم بأنهم «مجبرة» و»مشبهة» وكفارُ تأويل، وأن حربَهم مشروعةٌ، فشنَّ حُروباً مُتوالية على عدن ولحج وأبين وتعز وما جاورها بقبائل من الشمال، سَلبوا منهم أموالهم تحتَ حُجة الجِهَاد في سَبيل الله؛ لأن أرض هَؤلاء هِي أرض «خراجيَّة» و»دارُ حرب» كل ما فيها غنائمُ للمسلمين، وللإمام حقُ التصرف فيها، وقَدْ قَال في ذلك : «.. إن مَذهَبَ أهل العدل زاد الله فيهم أن المجبرةَ والمشبِّهةَ كفارٌ، وأن الكفارَ إذا استولوا على أرض ملكوها، ولو كانت من أراضي المسلمين وأهل العدل، وأنَّه يدخل في حكمهم من والاهم واعتزى إليه، ولو كان مُعتقده يخالف مُعتقدهم. وأن البلدَ الذي تظهر فيه كلمةُ الكفرِ تصيرُ جوار كفريَّة، ولو سَكنها من لا يعتقد الكفرَ ولا يقول بمقالة أهله. هَذِه أصول معلومةٌ عندنا بأدلتها القطعيَّة، ومدونةٌ في كتب أئمتِنا، وسَلفِنا، رضوانُ الله علينا وعليهم، لا ينكرُ ذلك عنهم أحد ممن له أدنى بصيرةٍ ومعرفةٍ بمصَنفاتهم» (23)
من إرهاب الآباء إلى إرهاب الأبناء
وتتوالى معالمُ وفصولُ الإرهاب لدى الكيان الإمامي الحوثي البغيض خلفاً عن سلف، النظري منه والعملي، منذ الإرهابي الأول يحيى الرسي وحتى آخر إرهابي في سلسلة الجماعة عبد الملك الحوثي، فتى الكهف الغر، الغارق في الميثولوجيا المتوارثة، غير مستوعب متغيرات العصر وشروطه.
إنها الروحُ الإرهابية قديماً وحديثاً تجاه من يرى أنَّ الآخر سَلبه حقَّه الإلهِي في الحُكم كما يدعي..! ولا تزال إلى اليوم، وما يجري حالياً هو عين ما جرى بالأمس، مع فارق أدوات الانتقام، على الرغم من كل المتغيرات والمستجدات..!
إنها ذات النفسية والعقلية المريضة التي جعلت من عالم كبير وأديب متعمق هو الأديب أحمد بن محمد الشامي أن ينحو ذات المنحى، فيعلن هو من جهته في ملحمته : «دامغة الدوامغ» ما سماه في عنوان جانبي : «يمين الثأر» قائلاً :
***
وما يجري اليوم هو تنفيذٌ عملي لهذه الوصية الإرهابية : فها هي بلاد الحصون والقصور اليمانية قد أضحت قبوراً لليمنيين، وها هي المقابر تملأ المدن والقرى، وقد حصدتهم آلة القتل الإرهابية الحوثية.
وقد قال الإمامُ الشوكاني عن رافضة زمانه من الهادويّة المتعصبة الرافضة الذين خبرهم وخبر التعامل معهم، مستقرئاً إرهابهم : «.. فإنه لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير الرفض؛ بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له، لأنه عنده مباح الدم والمال، وكل ما يظهره من المودة فهو تقيَّة يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة. وقد جربنا هذا تجريباً كثيراً، فلم نجد رافضياً يُخلصُ المودة لغير رافضي، وإن آثره بجميع ما يملكه، وكان له بمنزلة الخول، وتودد إليه بكل ممكن. ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ولا غيرها ما نجده عند هؤلاء من العداوة لمن خالفهم؛ ثم لم نجد عند أحد ما نجد عندهم من التجرؤ على شتم الأعراض المحترمة، فإنه يلعن أقبح اللعن، ويسب أفظع السب، كل من تجري بينه وبينه أدنى خصومة وأحقر جدال وأقل اختلاف.
ولعلَّ سبب هذا - والله أعلم - أنه لما تجرؤوا على سب السلف الصالح هان عليهم سب من عداهم، ولا جرم فكل شَديد ذنبٍ يهون ما دونه..». (24)
* * *
(1) محمد عيضة شبيبة، على الرابط: https : / / www.facebook.com / MOHAMMEDSHABIBAH / posts / 1314822345542085?__cft__[0]=AZXxu2_24r0oyndyLXTmx
(2) مجموع مكاتبات عبد الله بن حمزة، 55، وانظر أيضاً : المجموع المنصوري، 35.
(3) نفسه، 78.
(4) انظر تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي، أحمد محمد الشامي، 152 / 3.
(5) الزيدية.. قراءة في المشروع وبحث في المكونات. عبد الله بن محمد حميد الدين، دار الرائد للدراسات والبحوث، ط : 3، 2010م، 118.
(6) التحف، سابق، 381. والواقع أننا لا ندري ولا نعرف أين ذكر الله ذلك في كتابه العزيز، كما ذكر صَاحِب الفتوى!!
(7) إرشاد الطالب، بدر الدين الحوثي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط : 1، 1994م، 16. وفي واحد من الحوارات الصحفية اليَمَنِيَّة تكلم بدر الدين الحوثي بتفصيل عن مسألة الولاية والإمامة؛ حيثُ قَال في معرض رده على الصحفي جمال عامر حول الإمامة : «نعم، هِي في البطنين إذا كانوا مع كتاب الله، وكانوا مع صلاح الأمة، فهم أقوى من غيرهم في هَذا الشأن» مضيفا : «هناك نوعان : نوع يسمى الإمامة، وهَذا خاص بآل البيت، ونوع يُسمى الاحتساب، وهَذا يمكن في أي مؤمن عدل أن يحتسب لدين الله، ويحمي الإسلام، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولو لم يكن من البطنين»، أما حين سُئل عن الديمقراطية في الانتخابات، أجاب : «الانتخاب والديمقراطية طريقة، لكن الإِمَامَة طريقة ثانية»، مؤكدا : «نحن مع العدالة ولا نعرف الديمقراطية هذه» صحيفة الوسط، 9 مارس، 2005م.
(8) صحيفة الجمهورية، الثلاثاء، 9 أكتوبر، تشرين الأول، 2012م.
(9) اليمن الخضراء مهد الحضارة، محمد بن علي الأكوع الحوالي، مكتبة الجيل الجديد، ط : 2، 1982م،104.
(10) سيرة الهَادي إلى الحَق يحيى بن الحسين، سابق. والمثقف من أسْماء الرُّمح.
(11) نفسه، 307.
(12) الشريف الرضي: أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
(13) انظر مهزلة العقل البشري، د. علي الوردي، دار كوفان للنشر، بيروت، لبنان، ط : 2، 1994م، 41.
(14) نفسه، 43.
(15) سيكولوجية العدوان، خليل قطب أبو قورة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1966م، 103.
(16) روح الثورات، جوستاف لوبون، 72.
(17) سيرة أحمد بن سليمان، 84.
(18) القاسم بن إبراهيم الرسي، والهادي يحيى حسين الرسي، والناصر الاطروش.
(19) المجبرة والمشبهة : غالبية أهل السنة والجماعة. وفي نظر الإمامة الحوثية فأهل اليمن جميعاً جبرية مشبهة، عدا هم فقط.
(20) انظر : المجموع المنصوري، مجموع رسائل السفاح عبد الله بن حمزة، تحقيق : عبد السلام عباس الوجيه، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ط : 1، 2002م، 108 / 1.
(21) السيرة الشريفة المنصورية، أبو فراس بن دعثم، 965 / 2.
(22) تأسست في العام 1006 ه، وانتهت بقيام النظام الجمهوري في 1382ه، 1962م.
(23) النبذة المشيرة إلى جمل من عيون السيرة، «مخطوط»، 31، هجر العلم، 1075 / 2، وهو هنا يقتبس من مؤلف يحيى بن الحسين، بهجة الزمن، حوادث سنة 1085ه، ذكر ذلك أيضاً، برنارد هيكل في كتابه : الإصلاح الديني في الإسلام، تراث محمد الشوكاني، ط : 1، 2014م، جداول للنشر والتوزيع، بيروت، ص : 78.
(24) أدب الطلب ومنتهى الإرب، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، تحقيق : عبد الله بن يحيى السريحي، دار الكتب العلمية، ط : 1، لبنان، 2008م. ص : 119.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.