دعوة من القلب وجهها وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة هذا الأسبوع، ناشد فيها كافة أفراد المجتمع للتعامل بجدية وحرص شديدين مع فايروس كورونا والحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال مواجهة تفشيه عالمياً في الموجة الأولى والنجاح الكبير للمملكة في استيعاب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية وعدم عودة التفشي في موجة ثانية حتى تاريخنا الحالي رغم أن دولاً عديدة في العالم دخلت بهذه الموجة التي تضاعفت فيها أعداد الإصابات بشكل كبير خصوصاً في أوروبا والقارتين الأمريكيتين وبأعداد تعادل أضعاف ما حدث في الموجة الأولى مما أدى إلى عودة تلك الدول للإغلاقات النسبية واتخاذ تدابير صارمة وارتفاع في حجم تكاليف مواجهة الموجة الأشد على اقتصاداتهم ونظامهم الصحي. فالدولة سخرت إمكانات كبيرة منذ ظهور هذه الجائحة للحفاظ على صحة المواطن وقدمت حزمة مبادرات لدعم الاقتصاد الوطني بأكثر من 200 مليار ريال وتم تمديد العديد من المبادرات خلال هذا العام من قبل وزارة المالية والبنك المركزي لتعزيز قوة الاقتصاد واستعادة القطاع الخاص لعافيته والحفاظ على وظائف المواطنين فيه، وعالمياً رغم تقديم أكبر اقتصادات العالم لحزم تحفيز بنحو 11 تريليون دولار العام الماضي إلا أن الدول التي عادت لها الجائحة بموجة ثانية اضطرت لضخ مزيد من الأموال لمحاولة التصدي لها ولاستعادة النمو، فأمريكا بصدد تنفيذ تقديم الحزمة الثانية من التحفيز المقدرة بنحو 1.9 تريليون دولار وهو ما يثير حفيظة نواب جمهوريين من مقترح حكومة بايدن الديمقراطية لأن الدين العام سيرتفع كثيراً لكن لا يبدو أن لديهم خياراً آخر لإنقاذ المواطن الأمريكي صحياً واقتصادياً رغم أنه تم ضخ نحو 3 تريليونات في الموجة الأولى للجائحة وهو ما يعني أن عودة التفشي بموجة ثانية لأي دولة مهما كان اقتصادها قوياً فإنها ستتضرر في صحة المواطن واقتصاده وهذا يعني الضرر على الاقتصاد الكلي خصوصاً أن أوضاع الاقتصاد العالمي وأسعار السلع كالنفط بالكاد متماسكة بعد حزمة واسعة من الإجراءات والمبادرات العالمية. وزارة الصحة مسؤوليتها صحة المواطن وتقدم له الخدمات على مدار الساعة وأيضاً التوعية المستمرة بمخاطر هذا الوباء لكن صحة الفرد تأتي أيضاً من حرصه شخصياً وتعامله بجدية وألا ينسى بأن الفايروس ما زال موجوداً ولم نصل لا محلياً ولا عالمياً إلى المناعة المجتمعية فالجميع وجد بارقة أمل مع ترخيص اللقاحات والبدء بإعطائها في العديد من الدول والمملكة من أولها، لكن بالمقابل يواجه إنتاج وتوزيع اللقاحات بكافة الدول تحدياً كبيراً، بل بدأت ملامح محاولات احتكار لأغلب الجرعات المنتجة في بعض الدول أو المناطق الاقتصادية التي توجد بها مصانع إنتاج اللقاحات كما جاء في قرار الاتحاد الأوروبي بمنع تصدير اللقاحات خارج دول الاتحاد إلا بترخيص وبدأت تظهر عناوين إعلامية حول ظهور «دبلوماسية اللقاحات» وهو ما يعني أن المرحلة الحالية تواجه صعوبات وتحديات كبيرة لكافة الدول وحتى تستقر إمدادات اللقاحات وتصل نسبة من حصلوا عليه لمستوى المناعة المجتمعية يبقى للاحترازات والوعي بمسؤولية كل فرد بالمجتمع باستمرار خطورة الوباء هي خطوط الدفاع الرئيسة لتجاوز حدوث موجة ثانية. الجائحة ما زالت جاثمة على صدر العالم والفايروس يمكن له الانتقال بكل سهولة ما دامت التجمعات بمختلف أسبابها قائمة دون مراعاة للتعليمات والإجراءات والاحترازات، فقد أثمرت جهود الدولة بالحدد من الإصابات بعد أن وصلت بذروتها إلى 5 آلاف إصابة تقريباً يومياً لتهبط تدريجياً وتصل قبل أسبوعين إلى نحو 90 إصابة يومياً بكافة المناطق لكن عاودت الإصابات للارتفاع بعد ذلك بنحو 200 في المائة لتصل إلى ما يفوق 250 إصابة وهو مؤشر أولي لإمكانية تسارع ارتفاعها إذ لم يعاود الجميع للالتزام بالتعليمات وأخذ أقصى درجات الحذر والحرص، فمواجهة الموجة الثانية لا تكون إلا بمسؤولية من الجميع.