صدرت مؤخراً بالقاهرة مختارات من القصة السعودية المعاصرة، اختيار وتقديم الدكتور طه وادي وذلك ضمن سلسلة آفاق عربية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، قدم الدكتور وادي المختارات بشكل بانورامي مكثف ولم يكتف بتقديم موجز يسبق انتقاء النصوص، فالكتاب جاء في أكثر من ثلاثمائة صفحة في قسمين، يضم القسم الأول - التنظيري - ثلاثة فصول، في الفصل الأول مقدمة تمثل الإطار النظري للنصوص وأسباب الاختيار، ثم الفصل الثاني ويعطي رؤية تاريخية لتطور فن القصة القصيرة في المملكة، ويأتي الفصل الثالث ليقدم مجموعة من الشهادات الأدبية الحية لخمسة كُتَّاب من أجيال مختلفة، وإذا كان القسم التنظيري يمتد فيما يزيد عن مائة صفحة فإن المساحة الأكبر كانت للنصوص والابداع في القسم الثاني الذي يضم مختارات لخمسة وعشرين كاتباً وكاتبة. توافرت في هذه المختارات ميزات مهمة قلما تتوافر في غيرها أولها أن الدكتور طه وادي أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة يجمع بين حرفة النقد والإبداع، فهو أديب وناقد متمرس، كما أنه عاش في المملكة استاذاً أكاديمياً ومتابعاً للحركة الثقافية بها زهاء خمس سنوات. ثاني الميزات أن هذه الطبعة ذات الطبع الشعبي والتي توزع بسعر زهيد «بجنيهين» تتيح لقاعدة كبيرة من القراء في مصر متابعة الابداع السعودي والوقوف على عدد من ألمع المبدعين من مختلف الأجيال، وهو أمر متعذر على مستوى حركة الابداع العربي لأسباب يطول شرحها! كما حرص طه وادي على عدم تكرار أصحاب النصوص، فاكتفى بنص واحد لكل كاتب، ورغم أن هذا لا يكفي نهم القارىء لاقترابه من العوالم الابداعية للكاتب إلا أنه يتيح الفرصة لإطلالة سريعة على أكبر عدد ممكن من المبدعين، وهذا المبدأ أكثر مواءمة لطبيعة القصة القصيرة نفسها، فجاءت النصوص شديدة التنوع والثراء والتمايز سواء من ناحية التكنيك أو الموضوعات أو أجيال الكتَّاب أنفسهم. يتناول د. وادي في الفصل الأول عدداً من القضايا السردية العامة منها قضية الاجناس الأدبية والمتخيل السردي ومفهوم القصة القصيرة عند عدد من الكتَّاب والباحثين أمثال جي دي موبساه وآيان رايدو اوكونور واللافت للنظر أنه لم يقتصر على الأسماء الغربية كعادة الباحثين وإنما اردفها بآراء بعض النقاد والكتَّاب العرب أمثال شكري عياد والطاهر مكي وادوار الخراط ومنذر عياش. على وجازة هذا الفصل التنظيري إلا أنه يضع النقاط على الحروف ويقدم درساً نقدياً جاداً واضحاً في اضاءة الطريق أمام القارىء لمعرفة أسرار فن القص وماهية القصة القصيرة، بما يمنحه الزاد ويعطيه مفاتيح صحيحة لقراء النصوص. أما الفصل الثاني فهو دراسة مختصرة جداً عن تطور القصة القصيرة في المملكة منذ النشأة حتى المرحلة المعاصرة، بداية يؤكد طه وادي أن القصة القصيرة في المملكة لا يزيد عمرها عن نصف قرن وأهم الأسماء التي تعاطت هذا الفن المراوغ، من جيل الرواد الكاتب الصحفي أحمد السباعي ومجموعته «خالتي كدرجان» أيضاً عزيز ضياء وعبدالقدوس الأنصاري وحسين سرحان ومحمد سعيد العاموري وإبراهيم الناصر الحميدان وعبدالله الجفري وحسن القرشي. من خلال تتبع الإطار الثقافي العام لهؤلاء الأدباء الرواد يمكن رصد عدة ملاحظات منها السيطرة القوية لفن الشعر على روح القص وان معظمهم لم يعطوا فن القصة العنادية التي هو جدير بها، كما أن معظم هؤلاء الكتَّاب كانوا يتعاملون مع الصحافة بشكل دائم أو مؤقت، وهذا يؤكد دور الصحافة اليومية والدورية في تأسيس هذا الفن الجديد والترويج له. ومن الموضوعات التي عني بها هؤلاء الرواد في قصصهم القضايا المحلية كالصراع بين القرية والمدينة والزواج غير المتكافىء، بجانب بعض القضايا القومية والإنسانية التي تصور رغبة الكتَّاب في إحداث قدر من التطور الاجتماعي. وتأتي المرحلة المعاصرة لتشهد ازدهار وانتشار القصة القصيرة في ربوع المملكة على مستوى الابداع والنشر والنقد، وذيوع النوادي الأدبية والصفحات الثقافية المتخصصة، ومن ذلك نادي جدة الذي أصدر مؤخراً مجلة أدبية فصلية باسم «الراوي» مخصصة للابداع القصصي في الجزيرة العربية ويرأس تحريرها عبدالفتاح أبو مدين، وبجانب الأسماء البارزة من جيل الرواد وسعد الدوسري وعبدالحفيظ الشمري، وعبدالله باخشوين وعبده خال وفهد العتيق ومحمد علوان ومحمد علي قدس، كما ظهرت الكتابات بقوة في السنوات الأخيرة أمثال أمل شطا وأميمة خميس وبدرية البشر وخيرية السقاف وفاطمة داود ولطيفة السالم، وغيرهن. ينتهي هذا الرصد التاريخي الموجز برصد أهم سمات القصة في المملكة خاصة لدى الجيل المعاصر، ومنها كثرة عدد الكتَّاب والكاتبات «أكثر من مائة صوت» مع قلة النتاج الأدبي، فرغم امتلاك هذا العدد الكبير للأدوات السردية فإنه غير متفرغ ويبدو أن الكتابة القصصية لا تمثل هاجساً ملحاً له رغم يسر منابر النشر المختلفة. كما أن القصة المعاصرة شديدة الحفاوة بتصوير الواقع بدرجة تصل معها إلى أن تكون لوحة قصصية لشخصية محلية أو عادة شعبية، يظهر هذا بوضوح في نصوص إبراهيم الناصر وعبده خال والمشهدي وفوزية الجار الله وغيرهم، وربما ساعد على إبراز هذه المحلية اتساع رقعة المملكة وتباين البيئات الجغرافية الاجتماعية. السمة الثالثة شاعرية القص فصيحاً وعامياً، نظراً لأن فن الشعر هو الفن الأول على خارطة الإبداع الأدبي المعاصر في المملكة، ولذلك نلمس بوضوح مشاعرية مرهفة في التشكيل السردي القصصي، وهي على حد تعبير طه وادي «عدوى» حميدة عند الكتَّاب والكاتبات. كما تلجأ القصة القصيرة السعودية إلى الاستعانة بالرمز الفني والقناع التاريخي، وبعض الإشارات الأسطورية، ومن الكتَّاب الذين استعانوا بهذه العناصر الفنية لإثراء كتاباتهم جار الله الحميد في مجموعته «أحزان عشبة برية» وكذلك نصوص محمد علوان ومشري وعبده خال وخيرية السقاف وغيرهم. في الفصل الثالث يقدم طه وادي ست شهادات أدبية لكل من ابراهيم الناصر الحميدان وشريفة الشملان وبدرية البشر ومحمد علي قدس ومحمد علوان، يعبر كل منهم من خلال شهادته عن تجربته القصصية من حيث الماهية أو مفهومه للقصة القصيرة والأسباب التي دفعته لكتابتها وخلاصة تجربته، وهي رؤى ذاتية تتسم بالصدق والتلقائية. تحدث إبراهيم الناصر الحميدان عن دور القراءة ومتابعة الانتاج المطروح كحافز أولي للإبداع، وخص بالذكر المطبوعات التي كانت تصل إلى المملكة من بيروت وبغداد والقاهرة مثل مجلات الرسالة والكاتب والمقتطف، وكذلك مختارات الأدب العالمي التي كانت تصدر مترجمة في بيروت ودمشق كما ذكر الناصر في قراءته لبعض أعمال الرواد أمثال حامد دمنهوري وأحمد. وتحت عنوان «عن بعض التجربة» استعاد عبدالعزيز مشري حديث البدايات في أوائل السبعينيات وتحديداً مع جريدة اليوم بالدمام وفترة التأسيس لقصة قصيرة سعودية معاصرة، كما ذكر مجموعته الأولى «موت على الماء» الصادرة عن نادي الرياض الأدبي عام 1979م تمثل تجربة حية لمجموعة تعيش غربة اجتماعية اعقبتها فترة صمت وتأمل قرابة سبع سنوات. ومن خلال عنوان خاص «القصة نافذة على داخلي» قررت شريفة الشملان أن تدلي بشهادتها عن الواقع وافق الإبداع وفعل الكتابة وتعلم الحكي، تقول الكاتبة: «القصة نافذة على داخلي» على مكنونات نفسي وجزئيات ضميري، عندما تنهمر كمطر الوسمي اجمعها أهذب مجاريها، يا ويلي عندما تغتاظ مني فتمضي هاربة، بعيداً حيث اصدها كي أنهي ما بيدي، كما حكت الكاتبة عن مشاعرها عقب اعلان فوزها بالجائزة الثانية في مسابقة أبها بمجموعتها «مقاطع من الحياة». أما تجربة بدرية البشر فتمتزج فيها الكتابة الأدبية بالكتابة الصحفية والبحث عن تكنيك يحمل موضوعاً ويطرح قضية، للتعبير عن خصوصيتها الثقافية والاجتماعية. ويوازي محمد علي قدس ما بين القراءة والابداع في تجربته مع الكتابة، كما يركز على دور جدته التي منحته المفاتيح الأولى للحكي وعالم الخيال بحكاياتها الفطرية المشوقة، ويؤكد أن مجموعاته الخمس كانت محاولة لتجاوز الواقع بحثاً عن نص الدهشة.