الهدف من تأكيد هذا المدخل الجديد «عادات الفشل لا النجاح» هو اليقين بأن معرفتنا بما يشدنا الى الخلف اولى بالتأمل «الآن» مما يدفعنا الى الامام، ذلك ان قدرتنا على التحكم في مسارات حياتنا لا يمكن ان تبدأ الا بالتخلص من سلوكياتنا ومشاعرنا السلبية تجاه انفسنا ومن حولنا،.. والشعور السلبي يعيق - ابتداءً - الخطوة الايجابية الاولى سواءً كانت داخلية «في النفس» او خارجية «في المجتمع». والذي حملني على مطارحة هذا المنحى الجديد هو الشعور بأن المختصين في التنمية البشرية والمهارات الادارية يركزون كثيراً على عادات النجاح فيذكرون - بلا شك اشياء جميلة.. واحياناً مثالية في استغلال الثواني قبل الدقائق مما يصعب في الواقع العملي ممارسته، ومن هنا يصبح الكلام الجميل من باب التلذذ الفكري!.. وربما يجلب الحسرة والندامة والاحباط الذي ينعكس سلباً على نفسية المتلقي. والاتزان في تناول الاشياء وطرحها، هو المدخل المناسب اياً كان الحديث في سلوكيات الفشل او النجاح. محتوى ان مخاطبة الانسان من خلال واقعه الذي يمارسه ومشاعره التي بداخله وبيئته التي يعيش فيها.. وكيف هي تشده الى زمرة «الفاشلين» تعد - في تقديرنا - أولى وأكثر أهمية من واقع او وقائع ناجحة قد تعني شريحة دون اخرى وقد تحاكي واقعاً دون آخر. ومن هنا فمخاطبة المدربين والمربين والقادة لما يمارسه ويتمثله «الانسان» الناس في الواقع اجدر في الوصول الى «الحس» واعمق في الوقوع في «النفس»، ومن هنا فسوف نتلمس شيئاً من نفسيات وسلوكيات «الفشل» املاً في ان تنعكس الآن لا غداً على حسن «العمل». اولاً: الاتكالية: لم ار في السلوكيات والعادات الفاشلة اشد من وقع الاتكالية على النفس، حيث تعني إلغاء الذات، وانتظار المساعدات والعيش على الهامش. فكم من جريح وضريح اعمت الاتكالية سر نجاحه، فعاش مماته في حياته. وتأمل نفسك هل تطلب ام يطلب منك؟؟ هل تقدم ام يقدم لك؟، هل تعطي ام تعطى؟، هل تبحث عما يفيدك او يبحث عنك، هل تتصرف او يتصرف فيك؟!.. كل هذه مقاييس تعكس عمق «الاتكالية» التي شدة اعناق الفاشلين ظانين ان الخلق انما خلق من اجل راحتهم واسعادهم.. فلم العمل؟ ولم الوقوع في الخلل!.. تنزرع الاتكالية في البيت وتورق في المدرسة وتؤتي ثمارها على كرسي المسؤولية.. وحقيقة الاتكالية تعكس نفسية تبعية وهروباً من تحمل المسئولية فتسهل الزلل وتعمق في النفس معنى الفشل!. ثانياً: الفوضوية: ان من اغرب العادات ان يشعر «المتفاشلون» بأنهم مشغولون! فالوقت لديهم مضغوط بالتفاهات والفكاهات، فليس هناك من وقت للحقوق والواجبات وخدمة الاهل،.. والمراجعين والمراجعات!! وللفاشل يصبح الوقت ثميناً جداً، وضيقاً للغاية حينما يريد «العمل» واداء الواجب، بينما يتسع بلا حدود حينما يريد «الهمل».. ان من الفوضوية ان لا تدري ماذا تعمل الآن فضلاً عن غد، ومن اعمق الفوضوية ان تتغاضى عما تريد او تعمل مالا تريد!!. ومن هنا فهل كل ما اريده اعمله؟ وكيف اعمله؟ ومتى اعمله؟ كل هذه اسئلة يتباهى بتعتيمها «الفوضويون». ثالثاً: الملامة: ان عبقرية التنديد للقريب والبعيد للقديم والجديد هي من ابرز عادات الفاشلين. فلا تدري ماذا يرضيه وما يعنيه!، فهو للمصلين لو ام لانهم لا يتسننون، وللخاشعين لوام لانهم موسوسون، وللجالسين لوام لانهم للوقت مضيعون، وللعاملين لوام لانهم لا يحسنون، وللآباء لوام لانهم قاسون، وللاساتذة لانهم متسلطون، وللجميع لانهم لا يستحون!. .. ان من اعمق الفشل ان ترمي باللائمة على غيرك لتبرير تلاعبك وتنصلك من مسؤولياتك وتأكد أن من وظيفته «الملامة» لا يقع الا على «القمامة».. فيعيش بين الناس مقهوراً لانه سلم لغيره «الافعال» واكتفى هو «بالاقوال».. فهو اما يسب البشر او يلقى باللائمة على القدر؟!. رابعاً: المزاجية: يتسم المتفاشل بمرونة عجيبة في تقلب «المزاج» لا للوصول إلى الحقيقة لكن «للازعاج»، فيقدح ويمدح طبقاً للمزاجية، فما يعنيه هو الحق وما لا يعنيه هو الباطل، ويتغير هذا المعنى ويتقلب كلما غير المزاجي مكانه فيوافقك اذا «اتكأ» ويخالفك اذا «انكفأ». يحقر في التصغير ويبالغ في التكبير، ينفعل والناس يتضاحكون والناس منفعلون او متفاعلون!. في لمحة الطرف بكاء وضحك وناجذ باد ودمع ينسفك ...يقطع في الظنيات ويظن في القطعيات، فما اقبحها من سجية لصاحب المزاجية. همه كسر الجدية لانها لا تتناسب والمزاجية، ولاجل ذلك يصعب تحديد هويته ومن ثم التعامل معه وفق آلية تتناسب وشخصيته.. فأعان الله اصحاب المرجعية على اصحاب المزاجية. خامساً: جدب المشاعر: من الناس من فقد الاحساس فلا يتمدد بالحرارة ولا ينكمش بالبرودة وكأنه خلق من مادة صلبة هي كالحجارة او اشد قسوة!، ليس لجسور التواصل والتفاعل منه نصيب لانه يشقى بغلبة جسده على عقله، فصراع داخله اشغله عن التواصل مع خارجه. يستغرب الالفة ويستوحش المودة، فيعيش ثقيلاً في نفسه وكلاً على غيره يشين المجلس بحضوره ويزين بغيابه ويصح فيه: قل للثقيل ابن الثقيلة ابن الثقيلة..ضاقت على الثقلين من ثقلائك الارض الثقيلة ..تحفه بكرمك فلا يشكر..، وللاخطاء لا يغفر،.. تعطيه من وقتك وكأنه هو المتفضل عليك، ابتسامته عبوس، ولا يفقه رياضة النفوس، يجيبك بقساوة ولو ان في الحديث حلاوة وطلاوة، فلغة الجسد لديه فيها ركاكة ويبوس فينصب الفاعل ويرفع المفعول!.. وليته يتأمل عظم الاحساس بمشاعر الناس من خلال ذلك الشخص الذي سار مع صديقه من اليمامة الى البصرة فكان الاول يحرص على ان يقع ظله على اخيه ليخفف عنه حرارة الشمس، فلما انهيا مهمتهما وعادا اراد الاول ان يعيد «الكرة»، فقال له الثاني علي هذه «المرة»!.. لك في الاولى ولي في الثانية. فانظر الى عمق الاحساس وتبادل الشعور مع الناس. سادساً: السطحية: لا يتسم المتفاشل بعمق النظرة، فما كان اعجل له كان افضل.. فكلمات «اسرع» و «عجل» دائماً على شفتيه وكأن مشاغل الدنيا كلها بين يديه، لا يرى التأني ولا المدارسة.. بادي الرأي في العلم والمؤانسة!.. يتورط بسلوكيات مختلفة، سهل الاستغلال، ضعيف التركيز، سريع الملل من اي عمل!. بوده ان يأكل كل مالديه الآن ولو جاع غداً،.. لا يحسب لعواقب للدنيا ولا يراقب!.. ليس لديه قدرة على التمييز، فما اسهل التصديق لديه وما اعجل التكذيب بين شفتيه. تشده المظاهر، لا يحسن الحيطة والحذر ويحصد كل ما بذر!. ...يحسن الظن فيما ليس بحسن ويسيء الظن فيما هو حسن، وكل ذلك من السطحية التي لا تبصر الا موقع القدم.. فلا تدري احقيقة هي ام خيال ام عدم؟! لا يعالج القضايا بمنظور القرب والبعد والمكانة والامكانية،.. وليس لديه خطط يومية ولا خمسية ولا عمرية ذلك ان التخطيط بالنسبه اليه هم وبلية.. فيرضى بقدر الدونية ويستلذ بالتبعية. وكم من رجال في العيون وماهم في العقل ان كشفتهم برجال سابعاً: التقليدية: من عادات المتفاشلين الاستئناس بالقديم والركون اليه، واستصعاب الجديد والتحذير منه، فلا تعكس القدرة والابداع لديهم مهارة، بل هي خروج واستشارة، فما اجمل الرتابة لديهم إذ لا يحسنون الا ما هم عليه.. فهم بصراط الروتين متمسكون ولوهم التقليد مقدسون وبخطى الغابرين متقيدون فيحذرون من بدع «التجديد» لانها تعارض محكم «التقليد»؟! وكل اجتهاد فيما يخالف «المحكم» غير مفيد. مستأنسين بحديث «لست بملزوم» او حكمة «اغلق عقلك يستجب لك»!. وما يعلم التقليديون «المقيدون» - بغير الحق - ان الناس يتباشرون «بالحركة» ويقدرون العمل الذي فيه «بركة» فكل ما يخدم الصالح والصواب مطلوب.. ولو بدى في الظاهر ان الغالب مغلوب... والتقليدية انهزامية نفسية لا تحسن استغلال «الظرف» لانها مشحونة «بالخوف» فليس من حل لها الا التمسك بها!. ثامناً: الانانية: غريبة اطوار الفشل اذ يكون الانسان مدنياً واجتماعياً بطبعه لتحقيق منافعه.. يطالب بالاصلاح والعملية اذا كان في الناس «مقصده»، بينما لمصالح الناس - على الدوام - وفي الدوام خال «مقعده»!!.. فذريعة الوصول لديه اعلى مراتب الاصول. ... ان من ادبيات الفشل ان تشعر بأن رؤاك مقدسة، وان غيرك انما وجد ليقبل وينفذ فهو المعبر لتحقيق ذاتك وتطلعاتك.. ومن اعمق الانانية ان تعامل الناس على هذا الاساس. ان كل معاني الحقد والحسد والغيبة والنميمة والكبر والبطر تجتمع في ذات الاناني اذ هو في حقيقته خلق لعالم ثان!. وليس من عجب ان تجمع النفس الانانية غريب المتناقضات فهي متكلة على الناس لتحقيق منافعها ومتواكلة عنهم للهروب منها.. وذلك ما يحتار منه النفسيون ويستغربه الاجتماعيون. تاسعاً: الاستفزاز: غالباً ما يعمد الفاشل الى صيغ الاستفزاز وسلوكياته ليجلب اليه الانظار ويحط من الاقدار!، يريد احراج الناس دائماً في مقالهم وحالهم وعلاقاتهم.. فلا يسلم منه الجماد فضلاً عن العباد. .. يستصغر العمل العظيم ليستفز المتفاني فيه ويتحايل بألفاظه وحركاته لينسب العمل اليه، ليحمد بما ليس فيه؟!. يشكك في كل شيء فيكذب الصادق ويصدق الكاذب ليستثير ويثير،.. ديدنه الاستهتار والتحطيم في عباراته وفي حركاته وجلساته.. يهز يديه او كتفيه او رموش عينيه وشفتيه استخفافاً ومهانة مخفياً مافي نفسه فتخونه شهوده رغماً عن انفه. ومهما تكن عند امرئ من خليقة.. وان خالها تخفى على الناس تعلم يعدك فلا يفي، وان اتى فمتأخر ليشعر الناس بأنه متكبر.. صوته يعلو على «المجلس» ليشعر نفسه بالغنى وهو في الحقيقة «مفلس»!. يطعن بالمسئولين والعلماء، والاحباب والانساب ليغيظ الحاضرين ويتلذذ بلحوم العاملين.. وهمه الاول وربما الاخير تسليط الانسان على الانسان وتلك حقيقة الشيطان كما علمنا القرآن. عاشراً: القناعة بالفشل: عقيدة الانسان عن نفسه تجلب اليه ما يوافقها في علانيته وهمسه. ويعيش الانسان يومه وغده ما استشعره في امسه. فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم والفشل «بالتفشل». وكن كما يقول دائماً عمر: تفاءل بما تهوى يكن فلقلما يقال لشيء كان الا تحققا فلا تخطي فهم نفسك فإن يسرتها لليسرى تيسرت وان يسرتها للعسرى تعسرت. فانظر اين تقع نفسك؟، ومع من؟ والى من؟..فكل فكرة تتحول الى عمل وكل عمل يتحول الى عادة وكل عادة تتحول الى طبع وكل طبع يصبح حقيقة لك، ومن ثم مصيرك. ..اقنع نفسك واشعرها بأنك «قادر» ولا تقل بأن الحظ بالنسبة إلي َّ «عاثر»، فلا سبب من غير مسبب. وغير كل ما يشدك الى الفشل في البيت او في البيئة او السلوك او العمل.. واقض على كل عادة تريد قبل ان تقضي عليك.. ولا تقل سأجرب فأنت بين حياة او ممات. نتيجة ان مجمل حياتنا التي نعيشها هي افراز لطبيعة الافكار التي بداخلنا.. ولذلك شرط الله تغيير ما في الظاهر بتغيير ما في الباطن. والصورة التي يرسمها الانسان لنفسه في ذهنه وبوضوح هي الحقيقة التي سوف ينجذب اليها ومن ثم يتمثلها..، ومن هنا كان استشعار الانسان بالرضا عن نفسه وتحويل المشاعر السلبية الى ايجابية هو الخطوة الاولى في مسيرة التصحيح المعتمدة ابتداءً على الارادة الجازمة والادارة الحازمة على تغيير العادات التي تشده الى الوراء ليقف باتزان ثم لينطلق واثق الخطوة قوي العزيمة تجاه مستقبله الذي يكتبه بيده ويستشعره بداخله. .. ان مجمل العادات من سلوكيات ومشاعر وافكار يمكن ان تتغير وتتبدل.. ومن الجميل ان نفهم بأن القدرة على تغيير سلوك/ عادة سلبية هي البوابة الاولى للتخلص من مختلف السلبيات. وهذه العادات العشر المذكورة تختلف وتنتقل من حال الى حال، فان كان بعضها فيك فاسأل الله منها ان يعافيك، لكن لا تتواكل على السؤال وشمر العمل في الحال.. ومارس معي هذا التطبيق.. اولاً: احضر ورقة وقلم ومن ثم اكتب ما تشعر بأنها عادة سيئة تشدك للفشل وتفسد عليك العمل سواءً مع اهلك وذويك او احبابك ومسؤوليك.. بل حتى مشاعرك تجاه نفسك.. ثم تأملها وتأكد مرة اخرى بأن كل ما تراه سلباً فيك قد سطرته في هذه الورقة.. ثانياً: ابدأ خطوة التغيير بتمزيق ما بين يديك بكل ما تستطيعه.. واقذف بهذه الورقة «المشاعر» في سلة المهملات. ثالثاً: تناول ورقة «ماذا تريد؟».. واكتب فيها كل ما تحب ان تكون خطوة خطوة ثم تأملها وتشبع بها.. اغمض عينيك وارخ جفنيك وكتفيك واسترخ بضع دقائق وتصور حالك متمثلاً تلك المشاعر والمشاهد الرائعة التي بين يديك. تفاءل بهذه الآمال والاعمال واحفظها معك، وكرر قراءتها وممارستها وكرس معانيها واعزم بأنك الآن لا غداً شخصية جديدة.. تجد انك بحول الله اصبحت كذلك، فنبارك لك خطوة النجاح ومسيرة الفلاح والى الامام.. لفتة:« في النفس، اقض على الذي يقضي عليك.. وفي المجتمع، كن للناس يكن الناس لك». [email protected]