تمضي سنوات تلو سنوات والحال على ما هو عليه.. الفراق لم يكن سهلاً.. والحياة كانت تسير ببطء.. المكابر والكبرياء هما سيدا الموقف، بينما تلك السيدة تمسك القلم وتكتب، لم يكن منها غير مشاركة الأوراق حزنها وألمها.. هناك الكثير من الناس تقرأ لها، دون أن تسأل من خلف هذه الحروف وماذا يؤلمها.. عبثاً تعمل وتحاول وتُعاتب.. لعل وعسى أن يقرأ؛ وهو لا وجود له؛ لم تر منه أي بوادر للظهور او الرجوع. انهمرت الأحرف تلو الأحرف وأصبحت الكلمات متلاصقة و واردة وصادرة، حتى أصبحت متقاطعة. تلك السيدة أصبحت كاتبة؛ وحروفها تُبهج كل مكان تكتب فيه، والصحف تتسابق للحصول على نص من قلمها. تميزت وتُوجت و كُرمت.. و الجرح القديم مازال بقلبها، وذات يوم كتبت وسقطت منها ورقتها.. ولكن المصادفة العجيبة أن الورقة وقعت بيد رجلٍ ما، قام بتسمية الشارع «شارع الحب» ووضع بنهايته مقهى صغير أسماه مقهى «الحب» معلقاً الورقة في مقدمته، وتسابق الكُتاب والشعراء والزوار على المكان لتناول القهوة، وتبادل الحوار؛ وكذلك للتصوير مع تلك الورقة المعلقة. مكث ذلك الشخص ينتظر لأشهر؛ متى ستأتي السيدة صاحبة القلم. وفي ليلة شتاءٍ ماطرة وفي اجواءٍ ضبابية؛ لم يغادر احد منزله؛ أطلت السيدة وظلت واقفة أمام الورقة وهي تقرأ بصوتٍ عالِ وتتغنى بكلماتها؛ حتى وصلت لاسمه فبكت وسكتت، وإذا بصاحب المقهى يناديها وينظر إليها ويقول أنا أنا.. لم يكن هناك حديث؛ كانت الأعين هي من تحكي وتبكي ونظرات العِتاب والعَتب والألم تملأ المكان. غادرت السيدة بصحبة ورقتها، والسيد أقفل المقهى وغادر المكان. وفي صباح اليوم التالي حضر الناس كالعادة؛ فلم يجدوا لاورقة ولا مقهى الحب. ** **