أدرك العرب أن العمر محدود بسنوات معدودة، وأنه ينقضي ولمَّا تنقضِ حاجاتهم، ولم يحققوا أمانيهم. ولم نقرأ لهم تمنيهم أن يُخَلَّدوا، فالعرب في هذا يختلفون عن الأمم القديمة التي تمنت الخلود، وسعت جاهدة للحصول على دواء سحري يحققه لهم. وحينما نقرأ لشاعر يفكر في البحث عن طريقة للخلود، أو لتمديد عمره سنوات إضافية فما ذلك إلا من باب التخيل ليس أكثر. ومن هذا التخيل ما ورد على ذهن الشاعر السوري شفيق جبري، فحين ابتدأ اكتشاف الفضاء وأخذت الرحلات المكوكية تغزو الكواكب وجَّه تساؤلاً لهؤلاء الذين يحاولون غزو الفضاء: هل سيجدون كوكبا تتاح الحياة فيه مدة أطول؟ لكن كثيرا من الناس - ومنهم الشعراء - تمنوا أن يعمروا، أو يمتد عمرهم لسنوات إضافية، لكنهم حين يتحقق لهم ما أرادوا ويبلغون من الكبر عتيا يسأمون الحياة بسبب ما يعتريهم من أمراض، وما يشعرون به من غربة بعد أن يفقدوا رفاق دربهم. وما أصدق قول الله تعالى في محكم كتابه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} يس: (68). إن الشيخوخة في أحيان كثيرة تكون مؤذية لأن طول العمر يعني زيادة الألم ومراكمة الضجر. وقد أُلهم زهير بن أبي سلمى حقيقة أن مآل من يُعمَّر الهرم فقال: ولا يرى عبيد بن الأبرص في طول العمر غير العذاب: ويعجب حكيم المعرة من الذين يتمنون طول العمر مع ما يمر عليهم من تعب طول الحياة: واستلهم كثير من الشعراء هذا المعنى وعبروا عنه في أبيات ضمنوها قصائدهم، ومنهم أبو العتاهية الذي يرى أن طول العمر مُضِرٌّ بعد الشباب فيقول: واختتم النمر بن تولب قصيدة طويلة له - بعد أن عدد ما حل به من عجز وسقم ومهانة - بقوله: وأنهى عمرو بن قميئة قصيدته التي كتبها بعد أن بلغ التسعين، وذكر فيها ما أصابه من وهن جراء طول العمر، فقال: وهو الذي دعا ربه جاهدا أن يطيل عمره: ويرى حميد بن ثور الهلالي أن المرء لو عاش سالماً معافى فإنه لن يسلم من الهرم فيقول: ويحدثنا محمود الوراق عن تأثير طول العمر: وإن صح البيت التالي المنسوب له فهذا يعني أن الهرم قد أصابه بما لا يحتمل: واختتم الفارس الكاتب أسامة بن منقذ قصيدة له عدد فيها ما أصابه بسبب الكبر بقوله: ** **