إنَّه لشيء معيب أن سمو الأمير خالد ينظر إلى شيخنا العلاّمة أبي تراب الظاهري وما على كتفيه مشلح مثلنا؟؟ كان هذا تقريعاً من العلاّمة الجاسر يُصوِّبه نحوي وكنا جالسين في ضحى يوم الجمعة نروم الذهاب سويَّة إلى مسجد الملك فيصل لأداء صلاة الجمعة ثم يغدو الحفل كله إلى منتزه في أحد الأبهاء الجبلية مدعوين عند الأمير خالد لتناول طعام الغداء بمناسبة حفل مجلة الفيصل في عامها العشريني، وكان العلاّمة وحده بيننا يلبس دقلة/ جُبَّة ويعتمر بكوفية حجازية يستدير بحفافيها مقصَّب أحمرُ حريري والعادة أنهم لا يلبسون مع هذا الزي الخاص، لا يلبسون معه مشلحاً ولا عباءة وإنما يكتفون بمطرح أو شال يتركونه مهدَّلاً على الكتفين، ولكن الجاسر لا يرى ذلك، يرى من الأنسب أن يكون مثلنا بمشلح ليتوحد زيُّنا جميعاً. شيء سهل، ونكتفي شَرَّ المعيب الذي يصيب الأمير البريء من شيء لم يفعله ولم يره ولا علم لديه بهذه الأمور، وأسهل ما عندي أنني طلبت من القصر أن يسرعوا بإمدادنا بمشلح من مشالح الأمير ليلبسه أبو تراب في صلاة الجمعة وكفى الله شَرَّ القتال!! أترى الأمر قد وصل إلى حَدِّ القتال؟ وصل إلى ما هو أشد وأنكى، فبينما نحن ندلف إلى رحاب المسجد أدركتُ وقد فات الأوان أن الجاسر كان يهذل وقد خطط ل (مقلب) من مقالبه الظريفة، ويا له من ظريف وصاحب ظرائف ومزاج ومفاكهة مخبوءة من تحت إلى تحت تدِقُّ على نظر الأذكياء ولا يدركها إلا العلماء الكبار من أصحاب الفطنة النادرة والَّلمحة الشاردة. على نحو ما يفعل الغريم بغريمه أمسك الشيخ الجاسر بالشيخ أبي تراب وصدَّه بمرفقيه في إشارة إلى أنه لا يجوز له دخول المسجد معنا. ولمازا. لمازا؟ لمازا؟ لمازا؟؟ (يتطنَّز به) (لأنه لا يجوز لأهل الظاهر، وأنت ظاهري المذهب، لا يجوز لك دخول المسجد بمشلح فيه نسيج من الذهب. وأين الزَّهب (الذَّهب). هذا الزري من الذهب. إذن سأخلعه ولا أرغب فيه. وساعده الجاسر على نزعه وأعطانيه لأعيده إلى السيارة والجاسر يمشي إلى فناء المسجد وهو غارقٌ في الضَّحك فواللهِ ما في المشلح ذهب، ولا شبهة من الذهب وقلت للجاسر بعد فراغ الصلاة ما هذا يا شيخ حمد فتضاحك وتهاتف ساخراً بيديه وهو يدس في أذني هذه اللسعة الماكرة (دع أبا ترك، خَلَّنا نلعب عليه، ظاهري يتجوَّد بالقشاش. ولم أصبر فرحتُ أنقل المقلب إلى أبي تراب فغشي من الضحك. الأمير وابن إدريس أجل، فالعلماء الكبار يتظرَّفون، ولأنهم متعمقون في أصول المذاهب فالظرف فيهم على غاية من العمق وفيه سجال من نوع سجالهم في الكتب والمناظرات. وفي عصر هذا اليوم لم يبقَ من الحفل إلا الأمير وخاله الأمير خالد بن تركي ونفرٌ قليلٌ من الأصحاب فاستطاب لهم أن يروِّحوا عن نفوسهم بالغناء السامري على نحوٍّ فريد من التوجُّد والشجن وكان الشيخ الأستاذ الأديب عبدالله بن إدريس يحسب الغناء السامري لا بدَّ وأن يكون مقروناً براقصٍ يقوم ويرقص على إيقاع الدفوف فتورط حين أظهر إعجابه ولكنه يرى أن هذا ينقصه أن يقوم أحدنا فيرقص على السامري، وصعق الأمير، فهذا كيف يخفى على ابن إدريس وردَّ عليه متعجباً وساخراً وهو يسأله: أتريد واحداً منا يرقص، تبيه يرقص والله لا يوجد وما فيه.. وانزلقت بعد ما فيه إلا غي ... يا شيخ. وانطلق الحاضرون يضحكون ويتصايحون، وابن إدريس يقوم ويقعد ويسرق وجهه إلى حيث لا يدري أين يستخبئ عن كل شيء يضحك. وكان يضحك إلى الآن كلما ذكر هذه الطرفة.