على مدى ربع قرن من حياتي الإعلامية اتيحت لي فرصة مقابلة عدد من الشخصيات المعروفة في مختلف فنون المعرفة الانسانية داخل المملكة وخارجها ولكني كنت أرى ان الشيخ محمد العبودي ينفرد بصفات مختلفة عن اغلبهم بحكم شمولية ثقافته واتساع اهتماماته وقدرته على تكييف نفسه لمشاركة محدثيه في اي موضوع جاد يطرح للنقاش مهما كان مجال الحديث فقراءاته المتنوعة ورحلاته المتعددة ولقاءاته بالناس في كل القارات اكسبته رصيداً من التجارب في كل المجالات فخلال جلسة واحدة يثار موضوع شرعي فاذا به يقدم رأيه مستنداً الى ثقافة شرعية واسعة واذا انتقل الحديث الى جوانب الثقافة والادب اثراك بسعة اطلاعه وحفظه لتراثنا حتى يخيل اليك ان هذا مجاله الوحيد الذي يحسن الحديث فيه ولكنك ما ان تورد معلومة عن الادب الشعبي الراقي القديم حتى تجد ان مشاركته في هذا الاطار واسعة ودقيقة. اما حديثه عن رحلاته التي شملت كل ارجاء العالم فيبهرك من خلاله بدقة الملاحظة وقدرته الفائقة على حفظ الأسماء والأعلام ووصفه لحالة المسلمين ومعرفته الدقيقة باوضاعهم حتى تتوقع انه عاش بينهم فترة طويلة من حياته. واذا انتقلت الى جانب آخر بعيداً عن هذا الاطار فستجد ان معلوماته عن الاسر والانساب وخاصة في منطقة القصيم تتصف بالدقة والشمول وهي لا تقل عن تلك المعلومات الموسعة التي قدمها في المعجم الجغرافي للمنطقة ومن نعم الله عليه ان الله وهبه قدرة على تنظيم وقته والاستفادة منه فرغم اهتماماته المتنوعة وانشغاله الدائم بالكتابة والتأليف إلا أنه ومن خلال معرفتي به لم ينشغل عن اولاده واحفاده الذين عودهم على نقل تجاربه اليهم وحثهم على استثمار اوقاتهم وتنظيمها بشكل مفيد. كما لم يشغله البحث والتأليف عن اهتمامه بممارسة هواياته وخاصة ما يتعلق بالزراعة وتخصيص بعض ايام اجازته لمتابعة موسم الثمر بالنسبة للنخيل. على ان اللافت للانتباه انه ليس من الذين يميلون الى الوجود الإعلامي فرغم كثرة رحلاته وغزارة انتاجه إلا أن حضوره الإعلامي محدود وكثيرا ما يعتذر عن المقابلات واللقاءات مالم يجد انها مفيدة للمتلقي وتطرح افكاراً جديدة ومفيدة.