مع إشراقة شمس الأول من برج الميزان من كل عام يبدأ عام جديد في عمر هذه الدولة الفتية، وفيه يتذكر الجميع سيرة البطل العظيم جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي استطاع ببراعته العسكرية وحنكته السياسية ووضوح منهجه الإداري ان يبني كياناً مترامي الأطراف ينعم بالأمن والأمان والرفاه الاجتماعي والاقتصادي. والمتتبع لمراحل تطور العمل الإداري بالمملكة سيجد ان بدايات التنظيم الإداري وتكوين الوظيفة العامة في المناطق التي تشكلت منها المملكة، وفقاً لما هو سائد بها، وان اختلفت، أو بالأحرى تفاوتت تلك المعاملات في الوظيفة العامة، إلا انها في مجملها، وبدون شك، اتسمت بسمات التقاليد والأعراف السائدة بها، ومدى تطور تلك المناطق من حيث التعامل والإدارة المحلية فعندما تولى الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه زمام أمورها، اتضح في منهجه الإداري، الذي أخذ بالجمع بين ما هو موروث من تجربة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية المبني على المبادئ الإسلامية، حيث تجلى ذلك في شكل الدولة ونظامها، وبين ما هو مكتسب من تجارب شخصية، تجسدت في بساطة النهج الإداري وحزمه، بجانب ما استحسن من تجارب ويظهر ذلك في الأخذ بالتنظيمات الإدارية الحديثة المناسبة للبلاد. ولقد كانت المؤثرات الإدارية الداخلية، والخارجية إيجابية، حيث تمثلت الداخلية في التأكيد على النهج الإسلامي والعرف السائد المتزن، والخارجية في الأخذ بما هو مفيد للبلاد، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، إذ ان الملك عبدالعزيز استعان ببعض الأنظمة الوظيفية العربية والأوروبية، ووضعها أمام مجالس الدولة الاستشارية لدراسة إمكان الاستفادة منها بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ويتماشى مع مصلحة البلاد، علاوة على استعانته رحمه الله بمستشارين من جنسيات متعددة، ضمت نخبة من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية. ويمكن القول ان الوظيفة العامة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله مرت بمرحلتين مختلفتين متمايزتين ولكنهما متداخلتان. المرحلة الأولى من عام 1319 1343ه: وهي مرحلة توحيد المملكة واستكمال تكوينها السياسي وقد اتصفت الوظيفة العامة في هذه المرحلة بالتكليف على شكل مهمات، وأصبحت المهام تأخذ صفة مسميات الوظائف نفسها إذ لا يوجد مسميات محددة عدا «قاضٍ، أمير، مطوع، مؤذن، خراص،.. وهكذا» وهي مسميات محدودة تم التعارف عليها محلياً، وليس لها سجلات وظيفية أو أنظمة ثابتة أو تعليمات واضحة مدونة تحكمها. أما الأجر فقد خضع للاجتهاد وفق المتوافر، سواء من النقد أو الأرزاق، وفي حالة تعذر صرف معاشات الموظفين نقداً فيعطى بدلاً عينياً من الماشية أو كمية من الحب أو حزمة من حطب أو غير ذلك، وإضافة إلى الأجر النقدي الشهري كانت تصرف مخصصات يومية مثل الأرز والتمر والبر، كما ان هناك ما يسمى «بالشرهة»، و«البروة»، و«القاعدة» وهي تدفع بشكل حولي أو نصف حولي أو في المناسبات. ولم تتضح بصورة جلية رواتب الموظفين باختلاف شرائحهم في بداية تكوين الدولة، إلا ان الملك عبدالعزيز كان سنة بعد أخرى، يضع لبنات لهيكلة وظائف الدولة ومسؤوليات أجهزتها، ومن أهم خصائص مرحلة التأسيس والتكوين، تركيز جهود الملك عبدالعزيز على استكمال هذه المرحلة، مع المحافظة على الأمن دون التعرض للإدارة المحلية في معظم الأقاليم رغم الاختلاف النسبي بينها في ظروف المعيشة والمعطيات المحلية، ولم تنشأ مؤسسات حكومية مركزية، وقامت الدوائر المحلية مقام السلطة المركزية في مجالات القضاء، المال، الإدارة، ومعظم الشؤون الإدارية الأخرى. المرحلة الثانية من عام 1343 1347ه: وهي مرحلة بداية الاستقرار وإصدار الأنظمة والتعليمات وبدء بناء الدولة ووضع أسس التنظيم والإدارة، وقد بدأ الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بالحجاز، نتيجة لوجود تلك التنظيمات المركزية فيه، ثم بدأ هذا التنظيم يمتد تدريجياً إلى بقية مناطق المملكة. وقد استفاد من جميع التنظيمات الإدارية، قديمها وحديثها، ومزج بينها مزجاً جعل منها وحدة متكاملة منسجمة، فالتجارب المتفاوتة للمناطق التي تكونت منها المملكة رغم تباينها وتنوعها انتقلت بها إدارة الملك عبدالعزيز تدريجياً من التعددية الاقليمية إلى المركزية، ولكن في شيء من المرونة واليسر، حيث تركت في البداية كل منطقة تسير على أسلوبها الإداري نفسه إلى ان تم التعديل المناسب بالقدر الذي يتوافق مع ظروفها وبما يهيئ التقارب مع المناطق الأخرى توطئة لتحقيق الوحدة الشاملة للنظام والتنظيم الإداري. وقد استطاع الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في هذه المرحلة، من الأخذ بما استحدث من أساليب إدارية حديثة، وازالة جميع المعوقات أمامها، والقضاء على معظم أوجه التنافر في التطبيق، مما خفف من دواعي الاختلاف بين الأقاليم، ويلاحظ ان الملك عبدالعزيز حرص على الاستفادة من الخبرات الفردية السابقة، التي اكتسبها أشخاص ممن تولوا أعمالاً في أي من مناطق الدولة، كما يلاحظ ان الملك عبدالعزيز رحمه الله استطاع بقدراته الفائقة، اكمال مسيرته الإدارية بالانتقال التدريجي من مرحلة إلى مرحلة أكثر تطوراً، مستفيداً خلالها، من كل معطيات المرحلة السابقة، وواضعاً أسساً ثابتة وصريحة لنهج الدولة، وأسلوب عملها للمرحلة المقبلة. وبمرور ذكرى اليوم الوطني لمملكتنا الغالية يقف العالم أمام تجربة فريدة من التنمية والتطور والازدهار، جاءت بمعطيات مستمرة لا تقدر بثمن، مما يعد حلقة في سلسلة سيرة بطل حق لها ان يشاد بها إذ كانت نبراساً سار عليه أبناؤه البررة من بعده مقتفين أثره محافظين على ما حققه رحمه الله الشيء الذي أصبح مصدر عزة ورفعة لهذه البلاد وعززت في شعبها سمات الوفاء والمحبة والتآخي. فهنيئاً للجميع بيوم الوطن، سائلين الله ان يديم عليه أمنه وعزه ويحفظ قائد مسيرته الموفقة بإذن الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبدالعزيز ويؤيدهم بنصر من عنده.