أولى الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - التنظيمات الإدارية المشكلة لأجهزة الدولة اهتمامًا كبيرًا، مرت خلالها بثلاث مراحل متتالية شهدت فيها تطورًا ملحوظًا حظي بمتابعة وتحليلات الدارسين والمؤرخين للنجاح الذي حققته في بناء الوطن وتنميته. ومن تلك الدراسات والتحليلات التي تناولت هذا الجانب، كتاب ( تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز 1343- 1373ه الموافق 1924-1953م دراسة تاريخية) لمؤلفه الباحث الدكتور إبراهيم بن عويض الثعلي العتيبي، ضم 691 صفحه من القطع المتوسط، مستعرضا بالتفصيل التنظيمات الإدارية في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - للفترة مابين عام 1319ه حتى 1373ه والمراحل الثلاث التي مرت بها متمثلة في البساطة كمرحلة أولى ثم المجالس، فمرحلة التوحيد الإداري المنظم. وكالة الأنباء السعودية وهي تستعرض إنجازات الوطن وتستحضرها تزامناً مع ذكرى اليوم الوطني ال 84، قدمت أبرز الجوانب هذا الكتاب الذي أعطى صوره شاملة ومكتملة عن تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز.وتطرق المؤلف في الفصل الأول إلى مقدمة تاريخية مختصرة تناول فيها مجمل الأسباب التي أدت إلى انهيار الدولتين السعوديتين الأولى والثانية وتطرق إلى الأوضاع السياسية التي أسهمت في قيام الدولة السعودية الثالثة وعلاقة مؤسسها الملك عبدالعزيز مع القوى الخارجية والداخلية . وكيف استثمر هذه العلاقات مما مكنة من تأسيس المملكة العربية السعودية. وتناول الفصل الثاني التنظيم الإداري فبعد توحيد المملكة عام 1351ه توجهت جهود الملك عبدالعزيز للعمل التنظيمي الذي أسس قواعده وأحكم تنظيمه وسار علية خلفه من بعده.ويقول المؤلف إن الملك عبدالعزيز اهتم في بداية عهده ببعض التنظيمات الإدارية للدولة كتركيز السلطة في يد الحاكم، مع منح أمراء الأقاليم بعض الصلاحيات التي تمكنهم من تطبيق الشريعة الإسلامية وحفظ الأمن ومساعده عمال الزكاة، ومر التنظيم الإداري في عهده بمرحلتين متداخلتين، الأولى: ماقبل استكمال ضم الحجاز حيث كانت الجهود منصبة على تأسيس الكيان السياسي للدولة حيث خاض من اجله الملك عبدالعزيز نحو إحدى وأربعين معركة قادها بنفسه وخرج فيها أربع عشرة مرة فقد كان هدف الملك عبدالعزيز استكمال التكوين السياسي والمحافظة على الأمن، والثانية: بعد ضم الحجاز حيث ركزت الجهود على تثبيت دعائم الدولة فقد بدأ فيها بتغيير جذري في التكوين التنظيمي للإدارتين المركزية والمحلية وبدأ بالحجاز لان الإدارة في الحجاز كانت ذات تنظيمات مركزية متقدمة نوعا ما .وانقسمت الإدارة في الحجاز في عهده - رحمه الله - إلى مرحلتين الأولى: الإدارة المؤقتة والمجالس الأهلية : فعندما آل حكم الحجاز إلى السلطان عبدالعزيز أبقى الإدارة على بعض منها وطور البعض الأخر ولهذا خطط السلطان عبدالعزيز لإعادة تنظيم أوضاع الحجاز ساعة دخول مكةالمكرمة. وجاء في الخطاب الذي ألقاه في مكة ساعة دخولها القول : سنجعل الأمر في هذا البلاد المقدسة بعد هذا شورى .. وأن مصدر التشريع والإحكام لايكون إلا من كتاب الله وماجاء عن رسوله وما أقره علماء الإسلام. ثم بدأ الملك عبدالعزيز الخطوات العملية وكان رائده في ذلك أمرين 1) مشاركة أهل الحجاز في الإدارة 2 ) وضع هياكل إدارية تتمشى مع التغييرات السياسية ونظرا لأهمية إدارة الحجاز فقد عين ابنه فيصل نائبا عنه في الحجاز.والمرحلة الثانية: الإدارة في ظل التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية وقسمت التعليمات شئون الإدارة إلى ستة أنواع منها الأمور الشرعية: وهي القضاء والمحاكم وشئون الحرمين والأوقاف والمساجد والمؤسسات الدينية ، والأمور الداخلية، وهي الأمن العام والبرق والبريد والصحة العامة والبلديات والأشغال والتجارة والزراعة والصناعة والمعادن والمؤسسات الخاصة، والأمور المالية: وهي إدارات الواردات والمصروفات والجمارك والرقابة المالية ولها فروع في المدن والقرى وتشرف عليها مديريات عامة وهذه الأمور كلها مرتبطة بالنائب العام في الحجاز، إلا أن المرجع الأعلى فيها هو الملك شخصيا . والأمور العسكرية وهي مجموع التشكيلات العسكرية. ونصّت التعليمات على إنشاء أربعة مجالس هي مجلس الشورى والمجلس الإداري ومجالس النواحي ومجالس القرى والقبائل، كما أمر الملك عبد العزيز بتشكيل لجنة التفتيش والإصلاح في غرة محرم 1346ه وكانت مهمتها مراجعة عامة للجهاز الإداري للدولة وتحسس مواطن الخلل فيه والعمل على إصلاحه وتنفيذا لسياسة الملك عبد العزيز الهادفة إلى إعادة تنظيم أجهزة الدولة الإدارية لبسط السلطة على جميع مناطق دولته مع مراعاة الفوارق الإقليمية المختلفة انشأ عدة أجهزة تنفيذية وإدارية منها: أولا : النيابة العامة وهي المرجع العمومي لجميع دوائر الحكومة وأقسام إداراتها وكل واحد من مديري الدوائر ورؤسائها يكون مسئولا إمامها عن حسن جريان الأمور الداخلية في دائرة وظيفته وهي أي النيابة مسئولة إمام صاحب الجلالة الملك. ويظهر أمران في تحديد مهام النيابة العامة وهي : 1-استثناء الشئون العسكرية من مهام النائب العام . 2-إشراف النائب العام على الشعبتين الإدارية والقنصلية . وبقيت النيابة العامة على هذا التشكيل إلى أن صدر نظام مجلس الوكلاء عام 1350ه الذي الغي النيابة العامة . ثانيا : مجلس الوكلاء ويعد تطويرا لفكرة المجلس التنفيذي الذي تشكل عام 1345ه نتيجة لاقتراح لجنة التفتيش والإصلاح التي أوصت بتكوين مجلس تنفيذي من رؤساء الدوائر الحكومية في الحجاز لمساعدة النائب العام في مهامه التنفيذية وكان يقوم ببعض الوظائف التشريعية ويتولى الوظائف التنفيذية معا . ثالثا : مجلس الشورى كان الملك عبدالعزيز يعد الشورى أمرا واجبا في إدارته، فقد أمر بانتخاب أعضاء مجلس الشورى الذي كان تطويرا لمجلسين هما المجلس الأهلي والمجلس الاستشاري، وتشكل أول مجلس من أعضاء متفرغين عام 1346 ه مقره مكةالمكرمة وبقى مجلس الشورى مهيمنا على معظم أعمال الدولة التشريعية والتنظيمية وخاصة في الحجاز إلى أن تأسس مجلس الوزراء .رابعا : مجلس الوزراء كان لزيادة عدد الوزارات من ثلاث وزارات عند إعلان توحيد المملكة // خارجية . مالية . داخلية // إلى خمس وزارات هي داخلية . صحة . مواصلات .معارف . بالإضافة إلى المديرية العامة للحج والمديرية العامة للبترول والمعادن الأثر الكبير في قيام جهاز مركزي يبسط نفوذه على جميع مقاطعات المملكة فأنشى مجلس الوزراء في1373/2/1 ه وكان مقررا أن يفتتح المجلس في 1373/4/1 ه ولكن وفاة الملك عبدالعزيز بعد شهرين من صدور المرسوم آخر افتتاحه إلى 1373/7/2 ه وكانت تتلخص صلاحيات مجلس الوزراء في رسم سياسة المملكة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية وإصدار الأنظمة المدنية والعسكرية وإقرار الاتفاقيات الدولية كما نص المرسوم على وضع نظام للوزارات يحدد صلاحياتها وواجباتها وأصبح رئيس مجلس الوزراء يهيمن على جميع الوزارات والدوائر الحكومية فلا تعقد أمرا إلا بعد موافقته.وعن إدارة المقاطعات فقد كانت متطلبات الأمن من العوامل التي أثرت على التقسيم الإداري كما أن ظروف البيئة وصعوبة المواصلات والتوزيع السكاني علاوة على المؤثرات الأخرى زاد من إصرار الملك عبد العزيز على التقسيم الإداري فأملت على الملك عبدالعزيز تقسيم المنطقة الشمالية من المملكة إلى مفتشية الحدود الغربية ومفتشية الحدود الشمالية . ومثلت المقاطعات الرئيسية قبل انضمام الحجاز : نجد، والقصيم، والأحساء، ومنطقة عسير، وحائل، ثم جيزان، ونجران، وكان الملك عبدالعزيز يبعث بهيئات تفتيش إلى مختلف المناطق ويحرص على استعراض انجازات الدولة الإدارية مع النائب العام في نهاية كل عام .كما عين أمراء على المقاطعات بلغ عددهم 64 أميرا كل منهم يتصرف في شئون أمارته وفقا لما يراه مناسبا للعادات والعرف السائد مالم يرد فيه تعليمات من الملك، إلى أن صدر نظام الأمراء والمجالس الإدارية في 1359/1/13 ه حدد صلاحيات ومسئوليات أمراء المقاطعات والمجالس الإدارية بصورة واضحة . أما فيما يتعلق بالمجالس الإدارية بالملحقات فكانت مهامها تتمثل في الإشراف على الشئون الرسمية والإصلاحية والعمرانية والبلدية والإدارية للمنطقة، وأسندت رئاسة المجلس الإداري إلى أمير المدينة والصلاحيات التي منحها النظام للمجالس الإدارية بالملحقات تشبه إلى حد بعيد صلاحيات مجلس الشورى ولا يستثنى من ذلك إلا التشريع.وفي الفصل الثالث تناول المؤلف: التنظيم القضائي في عهد الملك عبدالعزيز، الذي أشار فيه إلى أن الملك عبدالعزيز جعل للشريعة مكانة عظيمة ومميزة في تنظيمات الدولة مستشهدا بقوله - رحمة الله - // دستوري وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد صلى الله عليه وسلم // كما أن الملك عبدالعزيز كان ينظر إلى إشاعة العدل كأساس للاستقرار في ربوع دولته ولحفظ كيانها.ورأى المؤلف أن يبدأ في هذا الفصل برؤية الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- بضرورة توحيد مصادر الأحكام، حيث كان لتعدد المذاهب التي سارت عليه المحاكم في الحجاز معوقات الفصل في القضايا علاوة على طول إجراءات المرافعات الشرعية التي تؤخر إصدار الحكم أحيانا حيث كان القضاة يصدرون أحكامهم وفقا لأحد المذاهب الفقهية الأربعة.وبعد أن استتب الأمر للملك عبد العزيز سعى لتوحيد مصادر الأحكام في محاكم الحجاز فأصدر العديد من الأنظمة القضائية وخير ما يصور مدى اهتمام الملك عبد العزيز بأمور القضاء قوله / فإذا أصلحنا المحاكم هانت الأمور واستقامت الأحوال/، وحرص على استقلال القضاء وإبعاده عن المتناقضات الإدارية التي تعارض غالبا كل تنظيم جديد . وخصص المؤلف الفصل الرابع للتنظيم المالي في عهد الملك عبدالعزيز، وبين في بدايته أن التنظيمات المالية التي أحدثها الملك عبد العزيز كانت تتطور جنبا إلى جنب مع تطور التنظيمات الإدارية نظرا للعلاقة الوطيدة بين التنظيمات الإدارية والمالية في كل الأحوال والمجالات وفي 1351/4/11 ه صدر مرسوم ملكي بتأسيس وزارة للمالية في مكةالمكرمة وقد الحق بوزارة المالية على فترات مختلفة عدد من الدوائر الحكومية مثل مصلحة الجمارك والخزينة الخاصة ووكالة الدفاع ومصلحة المعادن والأشغال العمومية وإدارة الأبنية وتعبيد الطرق ومصلحة سجل العلامات الفارقة ومالية الأحساء.