السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإنني أشكر سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة على إتاحة الفرصة للمقالات الناقدة الناصحة، التي تكشف الحقائق، وتفنّد الأباطيل والشبهات، من ذلك مقال بعنوان (قناة الجزيرة خضراء الدمن ومنبع الفتن) لكاتبه الأخ: فهد بن مطني القمعان، وهو أيضاً جدير بالشكر على نقده الطيب لهذه القناة التي ما فتأت تثير الفتن، وتتبع مواطنها، زاعمة أنها بذلك تعبّر عما تكنه شعوب الدولة الإسلامية، والخليجية منها خاصة، من مشاعر البغض والحقد على حكامها، ولقد كذبت ورب الكعبة، فأنا مواطن سعودي ولم أخول هذا المتكلم للحديث عني ولا أحد من حمولتي، ولا أحد ممن حولي أعلم أنه خوله للحديث عنه، ثم إننا نعيش ولله الحمد في مجتمع يكن ولاء ومحبة لولاة الأمر في هذه البلاد، هذا الولاء الشرعي، والمحبة الشرعية، التي من ثمارها السمع والطاعة في المعروف، والنصيحة لمن ولاه الله أمرنا. ولقد وقف شعر رأسي عندما اطلعني أحد الاخوة على لقاء مسجل في برنامج (بلاحدود) في لقاء مع أحد من لا يمثل إلا نفسه، ومع ذلك يتكلم بلسان الشعب السعودي، مع أنني أجزم بأن أكثر الشعب السعودي لا يعرفه، بل ولا يثق به؛ بل يثق بالعلماء الكبار المعروفين كسماحة المفتي السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وسماحة المفتي الحاضر الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله -وبقية العلماء الكبار، من الذين شابت لحاهم في خدمة الإسلام وأهله، وهم المعروفون بسلامة المنهج، ولهم مواقفهم المشهودة في النصح للإسلام والمسلمين، فياليت شعري من نصب هذا المتكلم ليتكلم باسم الشعب السعودي، وما أدراه عن كل مشاعرهم، ثم رغم شناعة ما يتلفظ به مقدم البرنامج من ألفاظ سيئة جداً في حق المملكة العربية السعودية وكبار علمائها إلا أن هذا الضيف، وقف موقف المتفرج، بل هو مع ذلك لايتورع ان يقول لمقدم البرنامج بين كل فترة وأخرى سيدي، رغم ان هذا المقدم يطعن في علمائنا فيقول: (ما العلماء كلهم بيختمون ويبصمون عندكم)، وقال مرة أخرى: (علماء السلطان دائماً بيختمون ويبصمون) فأين الغيرة على أعراض دولتنا السنية وعلمائها الأفاضل!! بل إن هذا الضيف قال وبالحرف الواحد (علماء السلطة عندنا في السعودية ليسوا في معزل عن العلماء الشباب، يعني بالإمكان التأثير عليهم)!! لم يقل ولاة أمرنا -حفظهم الله تعالى - ولا أحد من علمائنا ولا مرة واحدة، ان سماحة المفتي أو الفوزان أو غيرهما من كبار العلماء - حفظ الله الجميع - من علماء السلطة؛ بل هم علماء يفتون بما في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من دون أي ضغط من ولاة الأمر، وما زالت بحمد الله النصائح والمشاورات قائمة بين ولاة الأمر والعلماء في استقلالية شرعية تامة، ولكن أهل الباطل يغيظهم ما يرونه من هذه العلاقة العظيمة بين ولاة أمرنا وعلمائنا، ويظهرون للناس أن الفتاوى التي تظهر في الساحة لا تظهر إلا بعد ضغط من الحكومة وكذبوا وأيم الله. ولعل البعض يرى ان نشر ما يحدث في المجتمع على رؤوس الأشهاد في القنوات من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا غلط كبير، وسوء فهم خطير، والسلف، وتبعهم في ذلك كبار العلماء المعاصرين قد أنكروا على من جعل المنبر وسيلة لذلك فكيف إذا كان الأمر على مرأى ومسمع من الملايين! ولقد سُئل فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان: * ماهو المنهج الصحيح في المناصحة، وخاصة الحكام؛ أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة؟ أم مناصحتهم في السر؟ أرجو توضيح المنهج السلفي في هذه المسألة؟ - العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالحكام بشر يخطئون، ولاشك ان عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا، وإن ظلموا، حتى وإن عصوا، ما لم يرتكبوا كفرا بواحا -كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وان كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم؛ فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة ووحدة للمسلمين وحماية لبلاد المسلمين، وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة - أعظم من المنكر الذي هم عليه - يحصل ماهو أشد من المنكر الذي يصدر مهما كان هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك. ولا يقول: إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا .. بل تعالج، ولكن تعالج بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سراً، والكتابة لهم سراً. وليست بالكتابة التي تُكتب ويوقع عليها من جمع كثير وتوزع على الناس، هذا لايجوز، بل تكتب كتابة سرية فيها نصيحة وتسلمها لولي الأمر أو تكلمه شفوياً، أما الكتابة التي تكتب وتصور وتوزع على الناس؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه تشهير، هذا مثل الكلام على المنابر بل هو أشد، بل الكلام يمكن ان ينسى ولكن الكتابة تبقى تتداولها الأيدي؛ فهذا ليس من الحق. قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة» قلنا: ألمن يارسول الله؟. قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم». وفي الحديث: «إن الله ليرضى لكم ثلاثاً: ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وان تناصحوا من ولاه الله أمركم». وأولى مَنْ يقوم بالنصيحة لولاة الأمور هم العلماء وأصحاب الرأي والمشورة وأهل الحل والعقد، قال تعالى -: {وّإذّا جّاءّهٍمً أّمًرِ مٌَنّ الأّمًنٌ أّوٌ الخّوًفٌ أّذّاعٍوا بٌهٌ وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ وّإلّى" أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً}. فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء، ولاهو من منهج السلف الصالح، وإن كان قصد صاحبها حسناً وطيباً، وهو: إنكار المنكر - بزعمه - لكن ما فعله أشد منكراً مما أنكره، وقد يكون إنكار المنكر منكراً إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم- فهو منكر؛ لأنه لم يتبع طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم -الشرعية التي رسمها، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». فجعل الرسول -صلى الله عليه وسلم - الناس على ثلاثة أقسام؛ منهم من يستطيع ان يزيل المنكر بيده وهو صاحب السلطة؛ ولي الأمر أو من وكل إليه الأمر من الهيئات والأمراء والقادة. «من كتاب: الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة». قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات، لابد من ان تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة.. بل كل ما أمر الله به هو صلاح. وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين وذم الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي اعظم لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجباً وفعل محرماً، إذ المؤمن عليه ان يتقي الله في عباد الله وليس عليه هداهم) أ.ه. ومن كان لديه نصيحة، فأبواب ولاة الأمر مفتوحة، وكذلك العلماء، لكن النصيحة تكون مما يكون أهلاً لها من اختيار الوقت والأسلوب المناسبين، حتى نجني الثمرة من تطبيق قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (الدين النصيحة). وأوجه النصيحة عبر مقالي هذا لعامة المسلمين ان يتقوا الله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا اللهّ حّقَّ تٍقّاتٌهٌ وّلا تّمٍوتٍنَّ إلاَّ وّأّنتٍم مَسًلٌمٍونّ}، ومن التقوى ان يتجنبوا كل ما من شأنه ان يضرهم في أمر عقيدتهم وعباداتهم، مما تبثه هذه القنوات الخبيثة من مفاسد عقدية وخُلُقية، من شأنها ان تقوض بنيان المجتمع، وتهدم أركانه، ولا يجوز لهم بحل تصديق ما تبثه هذه القنوات من أخبار مغرضة مكذوبة أو مبالغ فيها، وليكن نصب أعيننا قوله تعالى: {إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا}، وأوصيهم بطاعة ولاة أمرهم بالمعروف، والالتفاف حول العلماء الكبار المعروفين بسلامة العقيدة وصحة المنهج، وهم كثيرون ولله الحمد والمنة، وكلهم على ان الشعب وولاة الأمر في هذه البلاد سُدى ولُحمة لا يستقل أحدهما عن الآخر، بل لهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم - كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له الجميع بالسهر والحمى. كما انني أسأل الله عز وجل ان يعامل القائمين على قناة الجزيرة (الخبيثة) ومن كان وراءها من أعداء الإسلام بما يستحقون عاجلاً غير آجل.. آمين. والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. إبراهيم بن زيد الموينع - الرياض