ثارت أمواج حادة من التساؤلات وتحركت رياح عاصفة من النقاشات في فضاء هذه الجريدة الكريمة حول إجازات المعلمين والمعلمات وعودتهم المبكرة إلى المدارس، بل امتد النقاش ليصل إلى رواتب «آل التدريس المكلفة» كما تناول ذلك راشد الفوزان في عدد الجزيرة 10897 في طرح حسابي مليء بالتراجيديا الاقتصادية!! كما تابعنا مداخلة الأستاذ عبدالله الحسني مدير الإعلام التربوي بوزارة المعارف الذي لم ينس أن يذكر المعلمين بمنحة«الاجازة».. أو الاسطوانة المعهودة حتى قلنا ليته: سكت. وحقيقة إنه ليتملكنا العجب نحن معشر المعلمين من هذا الوتر المشروخ الذي أصابنا بالدوار وأسهم في زرع حوارات عقيمة ونقاشات مجدبة قد تشتت ذهن المعلم وتصرفه عن تطوير أدواته التربية والنهوض بإمكاناته الفنية.. لكن من حقه أن يدافع عن كيانه وحقوقه. أدرك أن هناك أطروحات صحفية مصابة بالاحتقان.. تجيء زاحفة لتجتر أحاديث مملة عن رواتب المعلمين والمعلمات وإجازاتهم بأسلوب مسكون بالاستفزاز والتطفل.. ومثقل بمنعطفات التجاوز.. وقد كثرت الظباء على خراش! ولا غرو فنحن في زمن الوجع والاستخفاف.. زمن العقوق وهضم الحقوق.. زمن الإثارة التي تبحث عن شطارة.. زمن صار الحرف فيه تجارة.. ولعل ما يؤسف أن فضاء المعلمين بات مفتوحاً تدور في فلكه أقلام تمارس المشاغبة. والعبث والضغط على أعصاب المعلم واستكثار حقوقه وتجريح خصوصياته الوظيفية ولا أظن أن موظفاً في دائرة ما أو أية جهة حكومية يتعرض لاستفزازات كتابية كما يتعرض المعلم فاسطوانة إجازاته ورواتبه أزعجت الآذان. وبالرغم من أن التدريس ممارسة شاقة تستعمل فيها جميع حواسك.. وهو عمل ميداني مثخن يتبعه ركام من الأعمال الكتابية التي لا تنتهي. إلا إنه - ولله الحمد - استطاع المعلم أن ينجح في تحقيقه منجزاً تربوياً مشرفاً.. وأن يقف فوق أرضية صلبة متجاوباً مع مستجدات الواقع التعليمي في وطن معطاءبات التعليم فيه حكاية جميلة نكتبها على صفحات مضيئة يزهو بها كتاب حضارة الوطن الغالي. التدريس أصبح جزءاً من كيان المعلم.. ورسالة تسكن ضميره.. حتى صرنا في زمن الهجرة إلى التدريس.. بالرغم من وعورة التضاريس. كما أن المعلم مطالب بإبراز حضوره وتأكيد تميزه وحماسه وتجدده من أجل تحقيق هدفه المنشود ألا وهو بناء العقول ورعاية فلذات الأكباد. وهو مطالب أيضاً بإثبات استحقاقه هذا الدعم الذي يلقاه من حكومتنا الرشيدة إيماناً منها بأهمية التعليم وفضل المعرفة وضرورة إعداد جيل نافع يخدم عقيدته السمحة ووطنه المجيد.. فلم يكن غريباً أن يكون المعلم محور اهتمام خاص باعتباره العنصر القائم بالتربية والتعليم قياماً مباشراً. نعم لابد أن يغض المعلم الطرف عن كل طرح كتابي معاق يستهدف استفزازه وإشغاله عن أداء رسالته.. لأن هذه الأصوات النشاز تذوب في دائرة الميدان التربوي الأصيل المحفوف بالعطاء والتوهج. وكل حرف يستمرئ الرقص على هموم المعلم ينكفئ ويرتد على عقبيه أمام بذل وشموخ رجل الميدان الأول. ولا عجب.. فقد كدت أن تكون رسولا.. وأنت قادر على التشكل.. والارتحال بين دوائر التدريس.. عفواً رجل التربية- يا رعاك الله تعالى- لانريدك أن تظل غارقاً في صمت المواقف الجائرة.. من أناس يعيشون سنوات الحبو الكتابي.. ويضايقونك في مصدر رزقك وفي مواسم استراحاتك.. قل لهم: على رسلكم، فلن تهزك كتاباتهم الخارجة من زوايا إرشيف قديم.. عذراً معشر المعلمين، إن تلك الأبواق لن تبعثر الأوراق المبتلة بعبق المعرفة.. مدارسكم تنتظركم على كف اللهفة، وأنتم تقفون على ضفاف عام دراسي جديد، فهلا أشرعتم أبواب التأهب وأشعلتم لغة الاحتفاء عبر مخاض حميمي مكتظ بدوائر الانتماء، لترسموا مشاهد حية ونابضة في مسرح التدريس.