أمير المدينة يطلع على الجهود المبذولة في عمليات التسجيل العيني للعقارات    «الموارد»: السعودية خامس دول «العشرين» في انخفاض البطالة    الهيئة العامة للصناعات العسكرية تشارك في الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث    تصفيات كأس العالم 2026: أخضر "باهت" يعود بخسارة قاسية من اندونيسيا    الأربعاء.. 3 مباريات من "مؤجلات" دوري يلو    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالحرمين الشريفين    هوكشتاين متفائل من بيروت: هناك فرصة جدية لوقف النار    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي إلى 43972 شهيدًا    الجامعة العربية تعقد مؤتمرًا دوليًا بالأردن حول دور المجتمع الدولي في تعزيز حقوق الطفل الفلسطيني    أرامكو ورونغشنغ توقعان اتفاقية لتوسعة مصفاة ساسرف    مجلس الوزراء يوافق على الترتيبات التنظيمية لرئاسة الشؤون الدينية للحرمين وهيئة العناية بهما    محمد بن عبدالعزيز يطلع على جهود تعليم جازان لانطلاقة الفصل الدراسي الثاني    محافظ الخرج يكرم مركز التأهيل الشامل للإناث    أمير القصيم يستقبل سفير أوكرانيا    مجمع الملك فهد يطلق "خط الجليل" للمصاحف    الهويّة السعوديّة: ماضي ومستقبل    جامعة الملك سعود تحتفي باليوم العالمي للطلبة الدوليين    في اليوم ال1000 لحرب أوكرانيا.. روسيا إلى عقيدة نووية جديدة    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود مجلس الجمعيات الأهلية    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي المتنازل عن قاتل أخيه    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    «السعودية للكهرباء» و«أكوا باور» و«كوريا للطاقة» توقع اتفاقية شراء الطاقة لمشروعي «رماح 1» و«النعيرية 1»    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2623.54 دولارًا للأوقية    سماء غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة    منتدى الرياض الاقتصادي يطلق حلولاً مبتكرة    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الأمريكي    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    9,300 مستفيد من صندوق النفقة في عام    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    رينارد في المؤتمر الصحفي: جاهزون لإندونيسيا وهدفنا النقاط    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة منتخب إندونيسيا ضمن تصفيات كأس العالم    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    الخليج يواجه الشباب البحريني في ربع نهائي "آسيوية اليد"    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    مرحلة الردع المتصاعد    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    لبنان نحو السلام    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    الجودة والتقنيات الحديثة في تحقيق رؤية المملكة 2030″    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد 11 سبتمبر
تقرير أعده ل « الجزيرة » أحمد حنون إسرائيل حصلت على دور إضافي في الحملة الأمريكية ضد الإرهاب اليمين المسيحي الأمريكي الحاكم مفتاح الدعم للتشدد الإسرائيلي
نشر في الجزيرة يوم 09 - 08 - 2002

واقع الحال أن أحداث 11/ أيلول، قد شكَّلت منعطفاً مهماً وخطيراً على مستقبل العالم، ومهما يكن السبب ومن كان وراءها، وعليه فإن الحديث عن مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد 11/أيلول، لا يمكن فصله عن تاريخ العلاقة بينهما، وعن القضية الفلسطينية وعلاقات العرب مع أمريكا، وكذلك الحروب، والمتغيرات التي حصلت في العالم وبشكل خاص في المنطقة العربية، والانتفاضة الفلسطينية، ومناقشة إمكانية انفكاك العلاقة والتحالف الاستراتيجي الوثيق المشتق من وظيفة اسرائيل في المنطقة، والتي بدأت تتوسع كمختبر للصناعة النووية تربطها مع أمريكا، روابط وثيقة ومتجذرة، والولايات المتحدة الأمريكية تنطلق من مجموعة من المنطلقات التي تؤيد دعمها لاسرائيل والأهم تطور المنطلق الديني الذي كان مستتراً، والذي أصبح يتقاطع مع الفهم الصهيوني، على اعتبار أن فلسطين كما يزعمون أرض الميعاد المنتظرة للمسيح المخلص القادم، اضافة إلى تحليل موضوعي مدعم بأحداث تاريخية حول نقاط التحول التي أثرت في توجهات الادارات الأمريكية، وكذلك على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والتي انعكست بدورها على القضية الفلسطينية والمنطقة العربية، وكذلك السيناريوهات المستقبلية لتطور أو تدهور العلاقات بينهما وخصوصاً في السنوات السبع العجاف القادمة.
وفي مقابلة مع الرئيس الأمريكي ريغان (1981-1989) في صحيفة فيلت ام سونتاغ الألمانية الغربية في شباط 1982م، أوضح أن أمريكا تعتبر إسرائيل حليفتها الوحيدة بالمنطقة، وأشاد بقوة إسرائيل، وديمقراطيتها، وأنها تقف حاجزاً ضد ما وصفه بالتوسع السوفيتي، وأكد أن إسرائيل كنز استراتيجي لأنه بعد الإطاحة بشاه إيران تبقى إسرائيل الحليف الوحيد الموثوق به لأمريكا في المنطقة، بالمقارنة مع الدول الأخرى الموالية للغرب، وتمتلك الأسس التقنية والعسكرية التي تمكنها من أن تظل حليفاً قوياً للولايات المتحدة، وفي حال نشوب حرب فإن إسرائيل قادرة على مساعدة أمريكا في الدفاع عن منطقة البحر المتوسط، وخلص ريغان في مقابلته للتأكيد على ضرورة مساعدة إسرائيل بكافة الوسائل، (1) وللتعرف على طبيعة وخلفيات ومنطلقات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، لا بد من التعرف على سياقها التاريخي، حيث بدأت هذه العلاقة تؤتي ثمارها ما بين الحركة الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية بداية من القرن العشرين عندما لعبت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون (1913-1921) صاحب مبدأ ويلسون في حق الشعوب في تقرير مصيرها (2) - دوراً رئيساً في صدور وعد بلفور سنة 1917م حيث رافق صدور الوعد تنسيق مشترك بين الحكومة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية، وتم اتباع سياسة مشتركة بريطانية أمريكية في احلال الوجود الصهيوني اليهودي محل الوجود الفلسطيني العربي في فلسطين (3) - حيث ان التدخل المباشر الأمريكي جاء متأخراً نسبياً في المنطقة رغم أهمية المنطقة الاستراتيجية (4) التي كانت ضمن مناطق الحليف البريطاني - من خلال التنسيق الذي تم بين بلفور وبراند أيس مستشار الرئيس الأمريكي ويلسون وأركان الإدارة الأمريكية(5).
ومن يرى الدور الأمريكي، يظن أنه ليس من دور لبريطانيا في صدور الوعد (6). وكانت إدارة ويلسون من وراء حصول بريطانيا على قرار انتداب فلسطين في مؤتمر سان ريمو، حيث وافق المجلس الأعلى للحلفاء - المنتصرين - في جلسته المنعقدة في سان ريمو (إيطاليا) بتاريخ 25 نيسان 1920م على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث تم تكليف هربرت صموئيل اليهودي الأصل - الصهيوني المتحمِّس لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين - بأعمال المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين، وتم ذلك اعتباراً من تموز 1920(7)، وفي 11/أيلول 1922م أصدر مجلس الشيوخ والنواب قراراً يؤيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (8) حيث اتّبعت الولايات المتحدة سياسة مؤيدة «مبدأ ويلسون الذي عرف باسمه، والذي يقضي بحل كل مسألة سواء تتعلق بالأرض أو السيادة أو المسائل الاقتصادية والسياسية، يجب أن يبنى على قبول الناس (الشعوب) الذين يتعلق بهم قبولاً حراً، لا على المصالح المادية أو لفائدة أية دولة أو أمة أخرى ترغب في حل آخر خدمة لنفوذها الخارجي، أو لسيادتها، ذلك في 4/ تموز/1981م» للصهيونية بشكل واضح من حيث التشريع والتسهيل، ووصلت ذروتها بتبني مشروع بيلتمور الشهير Biltmore Program(9). والأهم في السياسة الأمريكية الرسمية يتمثل بالعمل المباشر لخدمة المشروع الصهيوني تشجيع الهجرة اليهودية (الصهيونية) إلى فلسطين، وقد أعلن الحزب الديمقراطي الذي كان يرأسه روزفلت ضمن برنامجه الانتخابي بتاريخ 20/7/1944م، تم فتح باب الهجرة والاستعمار الصهيوني في فلسطين، واتخذ ترومان خطوته الحاسمة الأولى لتشجيع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، عندما طلب من اتلي رئيس الحكومة البريطاني باسم حكومة الولايات المتحدة بإدخال مائة ألف يهودي إلى فلسطين بتاريخ 4/10/1946م، وطالب كذلك بإدخال مائة ألف يهودي آخرين (10)، وأوصى بمشروع تقسيم فلسطين على غرار الخطوط التي اقترحتها الوكالة اليهودية (11). وقد كان الضغط الأمريكي وراء الهدنة الأولى التي فرضها مجلس الأمن في حزيران يونيو 1948م (12)، وكذلك اتفاقية الهدنة الدائمة بين الدول العربية وإسرائيل (13)، حيث سعت إدارة ترومان للمساعدة في إدخال إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة 11949/5/1 (14)، رغم عدم توفر شروط العضوية والاكتفاء بتعهد إسرائيلي شكلي دون تحفظ بالالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتعهدها بتطبيق القرار 194 (د-3) الصادر في 11/12/1948م (15)، والتي تضمنها قرار الجمعية العامة/ رقم 273 (د-3) بتاريخ 11949/5/1م، وكذلك دور واشنطن في إثارة موضوع التعويضات من ألمانيا الغربية، لضحايا الاضطهاد الهتلري، وإجبار حكومة بون على دفع تعويضات إلى إسرائيل بوصفها ممثلة وحيدة للشعب اليهودي كله، هذا من حيث قدم العلاقات (16)، أما من حيث عمق العلاقات فقد واصلت تجذرها وذروتها من حيث الأهمية في عهد الرئيس ترومان الذي عمل على السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، وكان أول رئيس في العالم يعترف بالدولة العبرية بعد اعلانها ب11 دقيقة (17)، اضافة للأدوار التي لعبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وتعهدها في دعم وحماية ومساندة إسرائيل وضمان تفوقها منذ اللحظة التي اعترفت بها في أيار 1948م، وتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية والدعم السياسي المتواصل في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، أو في تسليحها ابتداء من انشاء أول مفاعل نووي إسرائيلي سنة 1952م (18)، وصولاً إلى الدعم التكنولوجي والمالي، وتقديم التسهيلات، وضمانات القروض، وهذا نابع من المنطلقات التالية:
المنطلق الديني فقد نشرت حميدة النعنع في مقالتها «لهذا تدعم الولايات المتحدة إسرائيل (19)، ان صانعي القرار في أمريكا يحرصون على عدم إظهار خلفياتهم الدينية التي تدفعهم لدعم إسرائيل لكن زلات اللسان أحياناً تفضح أصحابها - رغم أن اليهود عادوا إلى فلسطين بموجب وعد بلفور، وليس بموجب وعد إلهي حسب رأي الباب شنودة وكذلك المسيري (20) - وفي هذه المقالة تشير الكاتبة إلى كتاب «العرب اليهود في التاريخ» للكاتب أحمد سوسة، والذي يخصص للجانب الديني في الدعم الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل أربعة أجزاء، والذي يعتبر مرجعاً مهماً في هذا المجال، والكاتب سوسة هو مثقف ومفكر عراقي ولد لأسرة يهودية في الثلاثينيات من القرن العشرين اعتنق الديانة الإسلامية بعد دراسته للإسلام واليهودية، يثبت من خلال فصول الكتاب الأربعة الخلفية الدينية للدعم الأمريكي لإسرائيل ولليهود على أساس ما يزعم من أن اليهود هم شعب الله المختار والأمة المفضلة على كل الأمم، وأن عودة اليهود إلى فلسطين وعد إلهي كما يدعون، وخطوة حاسمة على الطريق نحو العودة الثانية كما يدعون، للمسيح مرتبطة بتجميع اليهود في فلسطين وإعادة بناء الهيكل المزعوم، وأن فلسطين العربية المسلمة أرض لميعاد اليهود وفقاً لتفسيرهم للتوراة، ويشار هنا إلى تصاعد قوة اليمين المسيحي باطراد خلال العقدين الماضيين، وتحقيقه مركزاً قوياً في الحزب الجمهوري، وأوساط الكونغرس، شبكة ضغط واسعة وحديثة الظهور نسبياً كقوة سياسية دينية، كما أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن معروف بتعاطفه مع المسيحيين الإنجيليين الذين يصطفون حالياً مع حق إسرائيل (21). وبهذا فإن اليمين المسيحي الأمريكي يشكِّل مفتاح الدعم لليمين الصهيوني، فقد صرح تشيني نائب الرئيس الأمركيي في نفس الإطار «ان هذه الصداقة - بين أمريكا واسرائيل - ولدت من قيم ومصالح يتقاسمها إيماننا المشترك» (22).
2- منطلق التعاطف والشعور بالرغبة في تعويضهم عن المعاناة والظلم الذي لحق بهم، ومساعدة اليهود على بناء دولة لهم وتحقيق أماني اليهود في وطن لهم، يبعدهم عن الخطر إلى مكان آخر خارج أوروبا التي كان يعيش اليهود فيها ضمن جيتوهات معزولة، والتعبير عن التعاطف الأمريكي مع اليهود، وتعبيراً عن عقد الذنب الانعكاسية لما حصل مع اليهود، والتي لاقت ترجمة فعلية وحقيقية لها في شعار «دع العرب يدفعون ثمن استهداف هتلر لليهود» (23)، رغم أن (المحرقة) قد قام بها غربيون ألمان وسقط ضحيتها غربيون يقدر عددهم ب 6 ملايين خلال حرب الإبادة النازية «بولنديون وأرمن ويهود ومعاقون ومسنون ألمان»، وبسبب القصف وأعمال السخرة، والموت من الجوع.
3- منطلق التوافق الثقافي الرأسمالي: كونها تحلم بما يعرف بالفكر الرأسمالي الحر والديمقراطي، حيث تمثل واحة الديمقراطية في المنطقة، ومركزاً للثقافة الرأسمالية والاستعمارية الإمبريالية (العولمة حالياً)، وقاعدة استعمارية متقدمة في المنطقة العربية، لمحاربة المد الشيوعي في المنطقة سابقاً - رغم أن غالبية الدول العربية سنت قوانين لمحاربة الشيوعية - وجزء من التحالف المناهض للثقافة العربية والإسلامية، وللعرب وللمسلمين،. وجزء من حلف ما بعد 11/ أيلول، وكذلك مناهض لأي تحالف مستقبلي ممكن أن يتكوّن.
4- منطلق التحالف الاستراتيجي: إسرائيل حليف استراتيجي قوي لأمريكا وقاعدة استعمارية توسعية، تمتلك ترسانة نووية كبيرة، حيث كشفت جهة رسمية في سلاح الجو الأمريكي عن أن بعض القنابل النووية التي تمتلكها إسرائيل، وتشمل قنابل هيدروجين تفوق شدة انفجارها القنابل الذرية العادية بين 100 و1000 مرة طبقاً للمعطيات فإن اسرائيل تحتل المكان الخامس بين الدول النووية، كشفت مقالة نشرت على صفحات موقع الإنترنت التابع لمعهد منع انتشار السلاح النووي، الذي يديره سلاح الجو الأمريكي، أن إسرائيل تملك ما يزيد على 400 رأس نووي وقنابل هيدروجينية، وتصف المقالة تاريخ تطوير القدرة النووية الإسرائيلية، وتدعي أن هذه القدرة تعد أحد الأسباب التي تعزز استمرار الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل (24)، وتقوم بدور استراتيجي في المنطقة العربية في التجسس لحساب مشترك أمريكي - إسرائيلي - عسكري وأمني ، حيث أعلن في 30/8/1981م عن اتفاقية التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، رسمياً - وبقيت نصوص اتفاقية التحالف سرية (25) - وقد كتب صلاح الدين حافظ في مقالته بعنوان «أية أزمة بين أمريكا وإسرائيل» في صحيفة السفير (26)، أوضح فيها بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل قد تعدى تعهد المساعدات لتصبح ركيزة في صميم العقل والوجدان الأمريكيين، وان حماية إسرائيل ودعمها يماثلان تماماً حماية الأمن القومي الأمريكي ذاته، ولم يشذ حاكم أو رئيس أمريكي جاء إلى السلطة منذ عام 1948م حتى الآن، أو حتى ألمح بإمكانية الخروج من هذا التعهد، وتعميق الارتباط الإسرائيلي الأمريكي بالضمير الوطني الأمريكي جزء من مكوناته الرئيسية، الأمر الذي لم يقتصر على النخبة، بل تعداه للشعب. وهذا يعني أن جميع الرؤساء ملتزمون بدعم إسرائيل ومتعهدون بحمايتها واستمراريتها، بذلك فإن إسرائيل تكون في قلب المصالح الحيوية لأمريكا، وتقوم بدور استراتيجي، وتتلقى الدعم والإسناد على أساس دورها الحيوي في المنطقة العربية، مع ضمان تفوقها النوعي عسكرياً واقتصادياً وأمنياً، من أجل العمل على تهديد المشاريع العربية الوطنية، واستنزاف العرب، وطلب الاحتماء بأمريكا من اسرائيل. العلاقة بينهما أصيلة، وأن أول من ابتكر لفظ الشرق الأوسط هو الاستراتيجي البحري الأمريكي الأميرال الفرد ماهان في سنة 1902م الذي لفت الانتباه لها مبكراً كمنطقة حيوية ودائمة في مواجهة الاستراتيجية والجغرافيا السياسية بين القوى المتناحرة (27). ويهدف التحالف الاستراتيجي إلى الحفاظ على الأطماع الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وحرية المرور المائي، والجوي للولايات المتحدة، وحلفائها في المنطقة العربية وقناة السويس، والبحر الأحمر، وضمان استمرار تدفق النفط العربي الذي يقدر بأكبر مخزون استراتيجي نفطي في العالم، واضعاف المناعة القطرية والإقليمية العربية، وتهديد الأمن والسيادة للمصالح «الجيو - استراتيجية»، وضرب أي إمكانية للتقدم التكنولوجي والتقني العربي، وخصوصاً في مجال الصناعات العسكرية، وكذلك السيطرة على مصادر المياه، (28)، واستمرار فتح الأسواق العربية أمام المنتجات الغربية، ذلك في الوقت الذي كان البحر الأبيض المتوسط مغلقاً أمام حاملات الطائرات الأمريكية (29). وقد أثبتت إسرائيل تفوقاً في قدراتها العسكرية، والتكنولوجية، والاقتصادية، ولا تمثل عبئاً كبيراً على حليفها الاستراتيجي، وخصوصاً انها تخطت الحدود في عدوانها منذ سنة 1956م، وقد نافست الصناعات العسكرية الإسرائيلية على العقود الكبيرة لتطوير الأنظمة «توجيه ورقابة وتجسس محمولة جوا...» والصواريخ المضادة للصواريخ، والصواريخ العابرة للقارات إضافة لامتلاكها ترسانة نووية.. كبيرة، وقد قدمت أمريكا لإسرائيل جسراً جوياً عسكرياً لإمدادها بالسلاح عندما كان يقتضي الأمر، وفي حرب الخليج الثانية حيث زودت إسرائيل ببطاريات صواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ، اضافة إلى ملياري دولار سنوياً مساعدات عسكرية اضافية، ومشروع الدرع الصاروخي، وقد أوضح البرفسور إدوارد سعيد بأن إسرائيل قد تلقت مساعدات من الولايات المتحدة تقدر بأكثر من 92 مليار دولار منذ سنة 1967م حتى يومنا هذا (30)، وهذا يوضح حجم الدعم الذي تلقته إسرائيل من أمريكا بعد التحول الذي شهده التحالف بعد عام 1967م، الإسناد والتعاون الاستراتيجي (العسكري - الحربي، والأمني واللوجستي والتكنولوجي...) لدعم دورها.
حديثاً أعلنت اسرائيل استغناءها عن المساعدات العسكرية الأمريكية، وحسب د. المغربي فإنه عندما سئل الرئيس الأمريكي نيكسون، كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تبرر مثل هذه الكميات الهائلة من المساعدات لإسرائيل؟ أوضح بأن تسليح إسرائيل أقل تكلفة من الأسطول السادس في مياه البحر المتوسط - الذي كان مغلقاً أمامه - وأكثر فائدة قليلاً (31). ويقول يعقوب ميريدو وزير التخطيط الاسرائيلي عن أن بديل إقامة إسرائيل للولايات المتحدة هو عشر حاملات للطائرات يكلف بناؤها خمسين بليون دولار، وذلك بالطبع عدا تشغيلها وتكلفة الجنود والحرج السياسي الذي يسببه وجود هذه القوات. (32) يقول ناحوم غولدمان، وكانت إسرائيل ذراعاً مستقبلية محتملة للولايات المتحدة وخدمة حربية جاهزة على أهبة الاستعداد لتأدية الخدمات في أي وقت. (33).
5- المنطلق القانوني (البنيوي): ان الرباط الذي يربط المجتمع الأمريكي هو القانون الذي يحكم جميع نواحي الحياة بتشريعات تفصيلية، حيث ان هذه القوانين قد أصبحت قوانين مستقرة بعد أن استقر الوضع السياسي في أمريكا بعد سنوات من انتهاء الحرب الأهلية. وفي هذا الإطار فقد نظمت القوانين والتشريعات العلاقة ما بين الأمريكيين أنفسهم، ومن بينهم اليهودي والأمريكي، وكذلك بين الأمريكيين واليهود من خلال الإطار القانوني نفسه، وان اسرائيل حاضرة بقوة في نسيج المجتمع الأمريكي، وجزء من التشريع والقانون، حيث ان إقرار أي مساعدات مالية لإسرائيل أو اتفاقيات أو عقود يكون من خلال قانون تشريعي يعرض على الكونغرس ومجلس النواب لإقراره، وتكون إسرائيل حاضرة وبقوة عند نقاش أي قانون أو معاهدة مع أمريكا، ويصبح ساري المفعول بعد المصادقة عليها من قبل الرئيس الأمريكي الذي يقع ضمن صلاحياته عدم إقرار القانون، والقانون في حالتنا هذه يعبر عن التوجه والإطار السياسي الذي تسعى الإدارة الأمريكية لتكريسه كإرادة سياسية، ومن بين هذه القضايا والاهتمامات للإدارات الأمريكية تقع اسرائيل في المقدمة منها، وكذلك فهي جزء هام من البرنامج الانتخابي للرئاسة الأمريكية.
6- منطلق التاريخ المشترك والمصالح المشتركة: استطاعت إسرائيل تعظيم المصالح المشتركة عبر سنوات التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تنجح في تنمية القواسم والمصالح المشتركة، المتداخلة أصلاً، والتي يصعب معها الفصل بين المصالح الأمريكية والمصالح الإسرائيلية، باعتمادها على أرضية التاريخ المشترك، ففي الوقت الذي عزلت دول العالم دولة جنوب أفريقيا بسبب ممارستها السابقة والتمييز والفصل العنصري، بقيت اسرائيل تربطها بجنوب أفريقيا علاقات وثيقة بالرغم من شجب وإدانة أمريكا لهذا النظام، ولكن إسرائيل مستمرة في اتباع نظام التمييز والفصل العنصري، وحسب يوسف، بل تزايد «بكل عزم وجد وبنشاط متجدد، منذ انتهاء الحرب الباردة عن طريق سلب أراضي السكان الفلسطينيين الأصليين بالقوة والسيطرة عليها»، (34)، لا بل لاقت قبولاً دولياً ودعماً أمريكياً وغربياً رغم أنها كيان قسري استعماري قام على ذبح وتشريد وتصفية عرقية السكان الأصليين، ويفتقر إلى منشأ شرعي، بعد أن كانت إسرائيل مترددة في توسيع هذه السياسة بسبب المقاطعة الكبيرة التي وجهت لها عشية احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية سنة 67، حيث قطعت الدول الاشتراكية علاقاتها مع إسرائيل، وكما قال المؤرخ الأمريكي الشهير كارل بيكر: «إن الأمريكيين يحاولون دائماً إعادة انتشاء العالم وفق تصورهم، معتمدين إلى خبراتهم الخاصة»، وقال فيوت غينغريش الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي «حسب نفس المصدر» إن إسرائيل والولايات المتحدة لهما ماض مشترك وجاء ذلك في إطار دفاعه لتعليل القمع الإسرائيلي للفلسطينيين، ولكن سياسة التمييز والفصل العنصري لا تمثل ماضياً فقط ولكنها تمثل ماضي وحاضر ومستقبل إسرائيل، وأنها لن تلقى الانتقاد من حليفتها أمريكيا بسبب التاريخ المشترك فيما يتعلق بنفس السياسة.
7- منطلق السياسة الداخلية: ويصف د. محمد عزيز شكري أستاذ القانون الدولي أن علاقة التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بأنه تحالف استراتيجي نما وتطور بفعل مجموعة من العوامل الثابتة والمتغيرة في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، واليهود جزء من النسيج الاجتماعي الداخلي الأمريكي يشاركون في الحياة السياسية والانتخابات بفاعلية كبيرة، ولليهود 306 منظمات صهيونية ومراكز دراسات (35)، ويتمتعون بقوة كبيرة داخلية نابعة من فاعلية المشاركة في الانتخابات، والتنظيم الجيد والقوة المالية والسيطرة على الإعلام، وذلك على النحو التالي:
الانتخابات: اليهود يتربعون على أعلى قمة مصالح الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والحزبان يتنافسان على الأصوات اليهودية، وعادة ما يكون الرئيس الأمريكي من أحد الحزبين الوحيدين، ويقدَّر عدد الناشطين اليهود في الحياة الحزبية السياسية الأمريكية بمليوني يهودي، وهم الجزء المهم المنظم من النخبة السياسية التي تدفع بمصالح اليهود وإسرائيل، حيث تتقاطع عندهم اللوبيات الثلاث الأهم في أمريكا (لوبي النفط ولوبي الصناعات العسكرية والتكنولوجيا والمال واللوبي الصيهوني). ومن المعروف أن النظام السياسي الانتخابي في أمريكا هو نظام رئاسي ديمقراطي حر، يقع الرئيس الأمريكي في قلب مؤسسة الإدارة الأمريكية، ولديه صلاحيات كبيرة فهو الشخصية الأهم والذي تتجمع لديه سلطة إقرار القوانين والمساعدات والمصادقة على التشريعات... وبذلك فإن اليهود يدركون أهمية مشاركتهم الفعالة في عمليات الاقتراع فهم الأكثر التزاماً، وتصل نسبة مشاركتهم إلى 80% بينما لا تتعدى النسبة العامة للناخبين 35% كما كانت الانتخابات الأخيرة، (حيث صوّت 79% من اليهود إلى آل غور) ولدى اليهود قيادة وتمثيل في أكثر المواقع الحساسة في أمريكا سواء في البيت الأبيض والخارجية ووزارة الدفاع و....، اللوبي والمنظمات الصهوينية والايباك American Israeli Public Committee يدركون أهمية الانتخابات واللعبة الديمقراطية في أمريكا، اضافة إلى قوة إمكانيات جماعات المصالح في التأثير على صانع القرار، فهم بارعون في عقد المساومات واعداد السيناريوهات المتفقة مع الرغبة الأمريكية والأولويات الإسرائيلية (الصهيونية) فقد أوضح هاري ترومان (1945-1953) بأن أصوات اليهود الانتخابية دافع مؤثر في هذا الباب، وعندما قابل المندوبون العرب الرئيس الأمريكي للاحتجاج على سياسته المساندة لإسرائيل قال لهم آسف أيها السادة عليّ أن استجيب إلى مئات الألوف من الذين يتطلعون إلى نجاح الصهيونية فلا يوجد هناك مئات الألوف من العرب في مناطقي الانتخابية (36). وحسب د. المغربي فكل سياسي أمريكي يفكر في الوصول إلى الكونجرس أو الرئاسة ينصح بالقيام بالحج الإجباري إلى إسرائيل، بمعنى أن العواطف الموالية لإسرائيل أصبحت مكوناً حاسماً من المكونات الأساسية لبدايات كل سياسي أمريكي، وبدونها فإنه لا يستطيع جمع الأموال اللازمة والضرورية لحملته الانتخابية. (37).
المال: وعادة ما يقدم رأس المال اليهودي المنح والتسهيلات والتبرعات المالية للمرشحين لمجلسي النواب الشيوخ، والتصويت لهم مقابل ضمان وقوفهم إلى جانب إسرائيل، فاليهود قوة اقتصادية ومالية كبيرة مؤثرة وخصوصاً في ظل دولة رأسمالية كبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يستثمر اليهود أموالاً طائلة في الأسواق المالية الأمريكية، وأسهم عدد كبير من شركات التقنيات الإسرائلية مدرجة في أسواق المال الأمريكية.
الإعلام: يستطيع اليهود في أمريكا فرض الرؤية والأولويات الإسرائيلية على السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق في المنطقة العربية والسياسة الخارجية الأمريكية، خصوصاً ضمن السيطرة اليهودية الكبيرة على الإعلام ومحطات التلفزة المحلية في جميع الولايات الأمريكية، اليهود في أمريكا يمثلون 2% من عدد السكان، ويتحكمون في 98% من وسائل الإعلام (38)، والأخبار، والمحطات المحلية، وشركات الإعلام، والإنتاج السينمائي والتلفزيوني، ودور النشر، والصحف الرئيسة، ومحطات البث الإذاعي، والمجلات المتخصصة، وشركات العلاقات العامة، ومراكز الأبحاث والدراسات، وحسب بحث قامت به جو ووتش Jew Watch في 15/12/99 أن هناك 28 ظهوراً إعلامياً، أو برنامجاً يهودياً في الأخبار يومياً، الأمر الذي يعني أن وسائل الإعلام والصحافة، وأدوات الإعلام مملوكة لرأس المال اليهودي، وتقوم برسم صورة إعلامية، وبث وتوجيه رسائل إعلامية موجهة من قبل اليهود وإسرائيل، والتي تملأ الفضاء الأمريكي بالصورة والصوت، وعلى مدار الساعة يومياً بهدف خلق ثقافة إسرائيلية بحتة للشعب الأمريكي، وخصوصاً إذا ما علمنا أن وسائل الإعلام تبث برامجها لغالبية الشعب الأمريكي، وتتزود المحطات الأوروبية بالمواد الإعلامية والأخبار، ضمن نفس الرؤية الإسرائيلية، وقد كتب في هذا الإطار د. وليام بيرس المعروف بانتقاداته للسيطرة اليهودية على وسائل الإعلام الأمريكية، وقد وصفها بأنها تهدف وتتلاءم مع الأجندة الإسرائيلية (39) وحسب د. المغربي فان اللوبي الصهيوني نجح في إرهاب وسائل الإعلام الأمريكية، عبر تعريض كل فرد يتجرأ على إسرائيل لتهمة معاداة السامية (40).
11/ أيلول نقطة التحوّل الكبرى:
الحركة الصهيونية استفادت من فترات ونقاط التحول في سياسة الإدارات الأمريكية، وعمدت إلى توظيف تلك التحولات المهمة التي أثرت على السياسة الدولية في العالم للمصلحة الصهيونية اليهودية، بشكل عملي وملموس لصالح المصالح الصهيونية اليهودية، حيث عملت على مواءمة سياساتها مع سياسات الإدارات الأمريكية واتصفت بالتنسيق العالي والفعال، وعلى خطوات حسب التالي:
الخطوة الأولى: الاستفادة الكبيرة للحركة الصيونية واليهود من مبدأ الرئيس الأمريكي ويلسون، التي سعت إلى توثيق علاقاتها وصلاتها بإدارته، بشكل كبير أدى إلى نجاحهم في الحصول على الدعم والتأييد لوعد بلفور، وانجازات مهمة في إطار التشريعات والقوانين الداعمة والمؤكدة على حق الشعوب في تقرير مصيرهم بنفسهم، وتأييد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتقديم الدعم السياسي أولاً على قاعدة مبدأ ويلسون، الأمر الذي أصبح قدوة للرؤساء اللاحقين يقتدون به، خصوصاً ان الرئيس ويلسون (1913-1921)، ترأس الولايات المتحدة الأمريكية فترة الحرب العالمية الأولى، وانتخب رئيساً لفترتين عاصر خلالهما أهم الأحداث التي عصفت بالعالم (41)، بحيث أصبح الوفاء والاحترام لمبادئه بمثابة المقياس الذي يقيم على أساسه الرؤساء الأمريكيون في مدى تعاطفهم ومساندتهم لليهود والحركة الصهيونية، وللمبادىء الأمريكية.
الخطوة الثانية: الخطوة المهمة على الأرض، كانت في عهد الرئيس الأمريكي ترومان، وبضغط من اللوبي الصهيوني تمثلت بتسهيل الهجرة الصهيونية اليهودية إلى فلسطين، والمساعدة الكبيرة في قيام إسرائيل، والاعتراف بها، وتبني النص الصهيوني، وتمرير قرار التقسيم.
الخطوة الثالثة: سنة 1956م شكل قرار الرئيس الأمريكي ايزنهاور بالطلب من اسرائيل ضرورة الانسحاب من سيناء، والطلب لفرنسا وبريطانيا «شركاء اسرائيل في العدوان على مصر» بضرورة وقف الحرب، تحولاً مهما في سياسة اللوبي الصهيوني في التعامل مع رؤساء الإدارات الأمريكية، في ضرورة ابتزازهم لأقصى درجة، واختراق أسرارهم الخاصة والشخصية، والتجسس عليهم حتى لا يتكرر ما حصل معهم ، وقد تحدث رئيس مجلة فورن انتليجنس ريفيو ادوارد سبانوس «بأن اسرائيل قد سعت منذ عام 1956 إلى بناء اللوبي الصهيوني والتجسس على الرؤساء لمصلحة إسرائيل، ولاضعاف الرؤساء،» حتي لا يأتي من يقول إن إسرائيل على خطأ» (42) وبهدف تطويع الإدارات الأمريكية للامتثال لإسرائيل، اضافة لذلك فقد شهدت تلك الفترة حتى 1967م تعزيزاً للتحالف بين اسرائيل وفرنسا التي قامت بتسليحها بطائرات الميراج الفرنسية المقاتلة عشية الحرب، - حيث لعبت اسرائيل دوراً عسكرياً إقليمياً محدوداً في انضمامها لفرنسا وبريطانيا في شن الحرب على مصر - وصولا للتحول الأهم والتاريخي بالتحالف التام مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الخطوة الرابعة: بعد حرب الخليج الثانية، شهد العالم خروج قوات أمريكية مقاتلة وبأعداد كبيرة للقتال خارج أمريكا، في تحول ملموس بعد الحرب في فيتنام والتخلص من عقدة الحرب الفيتنامية وتبعاتها الاقتصادية، بعد أن كانت تتجه نحو الضربات الخاطفة والسريعة، كما حصل مع ليبيا في عهد ريغان، وكذلك التبعات المالية الكبيرة للحرب الباردة، وسباق التسلح وحرب النجوم بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، كذلك قيادة تحالف دولي من خلال تفويض وقرارات مجلس الأمن أو من خلال الاشتراك المباشر في الحرب، والأهم أن فترة انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي شهدت ولادة المولود الأمريكي الجديد «وهو النظام العالمي الجديد» في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب (1989-1993م) وكذلك في عهد الرئيس الأمريكي كلينتون لضرب كوسوفو، وفي إطار الترتيبات اللاحقة لمؤتمر مدريد فقد حصلت إسرائيل على دور استراتيجي وعسكري إقليمي وأمني في المنطقة إلى جانب تركيا - ذلك بعد سقوط شاه إيران وفقدان امريكا للحليف القوي - غير العربي - في المنطقة، وتوقيع اتفاقية تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان سنة 1981- وقد عملت إدارة الرئيس بوش الأب الذي يعتبر امتدادا لعهد الرئيس الامريكي ريغان إلى شطب القرار الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، تمهيداً لتهيئة إسرائيل للدور الإقليمي.
إن حرب الخليج الثانية مثلت منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقة بين العرب وأمريكا، وخصوصاً بعد أن تحالفوا مع أمريكا.
إن أحداث أيلول مثلت التحول الثاني في العلاقة ما بين العرب والأمريكان، فقد عكست حاجة أمريكا - قليلاً - للموقف العربي هذه الأيام بعد أن كانت بحاجة ماسة للموقف العربي في بداية الأزمة، من أجل تأييد تحالفها المناهض للإرهاب والموجه ضد الجهات التي تمارس العمل العسكري بعد افغانستان، واشترطت على العرب، إدانتهم العلنية للعمليات الفدائية التي تستهدف الإسرائيليين داخل الخط الأخضر، وان كانت بداية من خلال تفويض شارون بهذه المهمة، والذي لم يكن له ليتجرأ على القيام بعمليات التدمير والقتل الواسعة لولا ذلك التفويض والغطاء الأمريكيان، والتي يمكن أن تنفذ بشكل مباشر أمريكياً، وهذا يتفق مع تسريبات إسرائيلية لوسائل الإعلام بهذا الخصوص، وهذا يعني أن المرحلة الثانية من الحملة الأمريكية قد بدأت مبكراً، وتحت عنوان الاصلاحات والانتخابات وانهاء السلطة الوطنية الفلسطينية، واستبدالها، وإمكانية فرض عقوبات أو شطب مساعدات أو عدم اعتراف بالدولة الفلسطينية حال قيامها.
الخطوة الخامسة: بعد أحداث 11/أيلول 2001م، شكَّل هذا الحدث منعطفاً كبيراً في التاريخ الأمريكي، وبذلك فإن التاريخ سيشهد قراءتين قبل وبعد 11/ أيلول مرتبطة بالحدث وبالرؤية السياسية الأمريكية، والتي بدأت مضخمة وتحت تأثير مفاجأة الحدث الضخم، فقد توجهت الإدارة الأمريكية للحسم العسكري - بحكم التفوق العسكري الكبير للولايات المتحدة - في حملتها على (الإرهاب)، بشكل واسع وكبير حيث أصبحت السياسة الأمريكية محكومة أكثر من أي وقت بمنطق القوة والاستبداد السياسي - على قاعدة إما مع أمريكا أو مع الإرهاب - والسعي إلى تحويل التفوق العسكري إلى هيمنة «حسب هدى حوا»، وتم تشكيل حلف ما بعد 11 أيلول الذي يضم أمريكا وبريطانيا وإسرائيل تحت عنوان الإرهاب غير المحدد والمُوصف الحرب الجديدة المفتوحة الدائمة للحماية من الإرهاب والموجّه ضدّ العرب والمسلمين، والهيمنة على العالم من خلال القوة العسكرية، وأدوات العولمة (43).
إسرائيل بعد 11/أيلول
الواقع أن دور إسرائيل لم يتراجع بعد 11/أيلول، بل إن إسرائيل حصلت على دور إضافي أكبر في إطار حلف ما بعد 11/أيلول، حيث ان شارون والحكومة الإسرائيلية منذ أحداث 11 أيلول التقطوا أنفاسهم ووجدوا بالعمل الذي حدث في نيويورك وواشنطن ذريعة لهم، ووجدوا ضالتهم، والمبرر المقتبس عن النص الأمريكي في حق الدفاع عن النفس، واستخدام قوة إسرائيل وتفوقها العسكري الكبير، فارتكبت المجازر والجرائم ضد الشعب الفلسطيني، واصفة نضاله الوطني المشروع أنه يندرج تحت العنوان الأمريكي للارهاب، وغدت اسرائيل جزءاً أساسياً ومهماً من حلف ما بعد 11 أيلول، اضافة لأمريكا وبريطانيا، وبذلك فقد كانت إسرائيل والحركة الصهيونية أكبر المستفيدين من أحداث 11/ أيلول في انتقالهم للعمل والتأثير والحصول على دور شريك استراتيجي حاصل على دور عالمي فقد أطلقت اسرائيل في 28/5/2002م قمرها الاصطناعي الخامس للتجسس، ولكن هذه المرة ضمن الرؤية الإسرائيلية «للتجسس على العالم» فقبل ذلك كانت أهداف أقمار أفق الإسرائيلية المعلن المنطقة العربية، ولكن هذه المرة امتد بشكل كبير للتعبير عن الطموح الاستراتيجي الصهيوني العالمي بعد 11/ أيلول، والاعتماد على امكانياتها المباشرة في الاستثمار في مجال التجسس، إضافة للقنوات الأمريكية المتاحة لها، عدا عن تجسسها على حليفتها أمريكا للحصول على معلومات اضافية، وذلك بعد أن تبنت أمريكا نفسها النهج الأمني الإسرائيلي، ويرى د. فؤاد المغربي حول سياسة الولايات المتحدة الخارجية والقضية الفلسطينية «بأنه ينظر إلى اسرائيل في داخل بيروقراطية الأمن القومي الأمريكي كنموذج أول للقتال ضد (الإرهاب). ورجح كذلك أن تتجه أمريكا بأولوياتها نحو توظيف الموارد بغية تعزيز الأمن الداخلي، وأن هذا التغيير في السياسة الأمريكية الداخلية يتجه نحو الأسرلة» (44)، وبذلك فإن أمريكا قد اتبعت سياسة إسرائيل خطوة بخطوة بعد أن كانت أسرائيل توائم سياساتها على أساس توجهات السياسة الأمريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.