لا أشك ولو للحظة واحدة في ان قناة الجزيرة الفضائية التي تبث من دولة قطر قد اسهمت في توسيع حدة الخلافات بين الأشقاء العرب وزادت في انتشار مرض الانفصام في الشخصية العربية وأخذت على عاتقها توجهات معكوسة في الإعلام قوامها الإثارة والافتعالات والتشويش الفكري وإشعال مناطق الشعور عند المشاهد بالبرامج الحوارية إن اي وسيلة إعلام عندما تنشأ من الضرورة ان تكون معبرة عن آمال المجتمع وتطلعاته وعندما تقدم اي ثقافة من خلال (برامجها وموادها وإرسالياتها) فلا بد أن يكون هدفها هو المحافظة على (الهوية) هوية الإنسان العربي، أصالته، تعاليم دينه، عاداته، ارتباطه بمجتمعه، تعريفه على قضاياه المصيرية، تبنِّي مشاكله وهمومه. وأي وسيلة إعلام عندما تخالف هذه النهج الاعلامي النظيف وتقوم بالإسهام في تفكيك شخصية الإنسان وسلبها إرادته وجعله طيّعاً لشهواته ورغباته ومتعدياً على حريات الآخرين وتنقلب الى وسيلة للنيل والتشهير بالدول والحكام والآخرين من اجل تحقيق أغراض سياسية فإنها بذلك تكون قد انحرفت عن حدود الإعلام المسؤول وهبطت إلى الحضيض وهذا مالانتمناه في أي محطة فضائية عربية ولا نرضاه لها. واسمحوا لي اذا قلت لكم بأنه يجب على كل إنسان في هذا الوطن المعطاء أن يعرف دوره في بناء وطنه والدفاع عنه، واذا كانت مسؤولية (تأصيل) أي عمل ثقافي، فكري، إعلامي تقع على عاتق المثقفين فإن مسؤولية المنافحة عن الوطن ورسالته البيضاء واسهاماته التي لا ينكرها إلاّ خائن تقع ايضا على عاتق كل مثقف صغر في موقعه أو كبر ويكفي أننا عندما رغبنا عدم الدخول مع الآخر في مهاترات إعلامية وخطب كلامية فُسرت مواقفنا بالضعيفة وتمادى في غيه وزاد من حبكة أباطيله لأنه لم يجد من يلقمه حجراً ليسكت عن أكاذيبه وافتراءاته وما أتمناه على بلدي وجميع المثقفين في وطني ان نقمع دجل الآخرين بالحجة والبرهان. فكم من المواقف الرائعة التي وقفها بلدي المملكة العربية السعودية على الصعيد الإنساني وفي الميدان السياسي مع الأشقاء العرب والمسلمين كلهم دون تمييز ولكن لأننا في بلد يؤثر دائما أن يعمل في صمت وحكمة ولا يعشق المزايدات ولا يرغب في الشعارات ولا يتمنى سماع كلمات من تلك الأنواع التي تعبر عن أن ما قدمناه نمنّه على الأشقاء فما كان من الآخر الاّ أن (جحد وأنكر وتصلف وبغى وقلب ظهر المجن لنا واستأسد علينا). أعود الى الجزيرة المحطة الفضائية التي هلل الكثيرون لها وصفقوا من أجلها بأنها ومع كل الأسف تحولت الى بوق ينفث من خلاله الاسرائيليون سمومهم الفكرية ولم تسع من الأسف الى فضح مكايد العدو الاسرائيلي. وبقدر ما تسعى الى إثارة الرأي العام فإنها تقوم بإعطاء الفرصة لكل من هب ودب لأن يتجرد من الحياء ويتكلم بما لا يجوز من الكلام على القادة والدول وكأنه بهذا قد أسهم في حل القضية وكأنها هي قد لامست حد الحرية المطلقة في قول كل شيء .