بدأ المسلمون الذين فروا من رعب مشاهد أبشع مذبحة شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية بالعودة إلى سربرنيتسا المدينة التي أصبحت مرادفا للوحشية منذ سبعة أعوام. ومع حلول الذكرى السنوية للمذبحة يتصاعد التوتر ويتزايد تهديد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمغادرة البوسنة. وكانت سربرنيتسا قبل الحرب تنعم بالرفاهية حيث التعدين وينابيع المياه المعدنية وكانت تزود كل جمهوريات يوغسلافيا السابقة بالزنك والفضة والرصاص أما التركيبة العرقية لتلك المدينة البالغ عدد سكانها 000 ،30 فقد كان 70 بالمائة منهم من مسلمي البوسنة و30 بالمائة من الصرب ومجموعة صغيرة كرواتية ولم يكن بها الكثير من التوتر العنصري. أما الآن فقد أصبح عدد السكان أقل من 7000 -من بينهم 98 بالمائة صرب و2 بالمائة بوسنيين- كدليل على تأثير سياسة التطهير العرقي، كما أن الكثير من البوسنيين العائدين هم من المسنين ماعدا تلميذ بوسني في المدرسة الابتدائية وآخر في المدرسة الثانوية. يذكر ان القوات الصربية قامت في يوليو عام 1995 بقتل ما يزيد على 000 ،10 شخص من مسلمي البوسنة الذين بحثوا عن ملجأ في البلدة عقب إعلان الأممالمتحدة إنها جنة آمنة عام 1993. وقد احترق الكثير من سربرنيتسا وبقيت محال قليلة ومبان عامة مفتوحة وأصبحت دور العرض السينمائي بالكاد تعمل ولم تعد المناجم تعمل بنظام كما توقفت ينابيع المياه عن تصدير إنتاجها وبلغت نسبة البطالة 80 بالمائة وأصبح الصرب والبوسنيون يعيشون في فقر مع انقطاع متكرر في إمدادات المياه وكهرباء متقطعة وغذاء قليل. وعلى الرغم من أن ما لا يقل عن 100 بوسني عادوا إلى البلدة فقد ذهب ما يقرب من 1000 شخص إما إلى القرى المحيطة التي احترقت عن آخرها أو أعادوا بناء بيوتهم تمهيدا للعودة. و قد كان للمدينة عمدة بوسني وعمل مسؤولو الأممالمتحدة مع الشرطة على توفير قوة متعددة العرقيات ويقول العائدون البوسنيون انهم ما يزالون يشعرون بعدم الأمان. ومن بين العائدين كانت زينجيتش تسجنيبا البالغة من العمر 62 عاما، وقد عادت بمفردها عقب خسارتها لابنها الذي قتل بالرصاص عام 1992 وزوجها الذي قضى في مذبحة 1995 وذكرت: هربت الى الغابة في يوليو 1995. لقد كان شيئا مفزعا وتم قصفنا وكان الصربيون يطلقون سماً في الهواء. لست أشعر بالأمان هنا مرة أخرى. قبل الحرب كنا نقول إننا نستطيع أن نرقد وننام في أي موضع في غابة أو حديقة أو على مقعد في الشارع ومع ذلك لم تكن لدينا حرية الحديث بانفتاح والآن نستطيع أن نتكلم بانفتاح ولكن لم يعد آمنا أن نرقد وننام في أي مكان نريد. وتعمل بعض المنظمات مثل حملة عدالة سربرنيتسا ومقرها بريطانيا ومنظمة الهولنديين في سربرنيتسا على دعم عودة البوسنيين و إعادة بناء العلاقات بين الصرب والبوسنة. جدير بالذكر أن مذبحة 1995 وقعت عقب مغادرة كتيبة من الهولنديين المدينة تاركة إياها لقيادة القوات الصربية بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش. وما ان انسحبت القوات الهولندية حتى أطلق الجنرال ملاديتش يده بحرية وجمع الصبية والرجال وقتلهم بينما أرسلت النساء والأطفال إلى توزلا. وعلى الرغم من أن تقريراً حديثاً انتقد بشدة القوات الهولندية متهماً إياها بالتخلي عنهم فإن حملة عدالة سربرنيتسا قالت إن الجماعة الدولية لديها تساؤلات تحتاج إلى أجوبة وخططوا لتقديم طلب إحاطة إلى البرلمان. وذكر فاكس سري للأمم المتحدة أن الجنرال البريطاني روبرت سميث ومسؤولين كبارا من الأممالمتحدة اجتمعوا بعد ستة أيام من المذبحة مع الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش في بلجراد في محادثات يعتقد أنها بحثت تسليم قوات الأممالمتحدة المأسورة اكثر من اهتمامها بإدانة المذبحة وأشار الفاكس الذي أرسله ياسوشي اكاشي رئيس القطاع المدني للأمم المتحدة في يوغسلافيا السابقة إلى دقة وحرج لقاء كهذا مع ملاديتش عقب المذبحة بوقت قصير. وجاء في المكتوب: في ضوء الطبيعة الشديدة الحساسية لوجود ملاديتش في المقابلة فإنه تم الاتفاق بين كافة الأطراف على أن هذه الحقيقة لا يجب أن تذكر أمام الجمهور. وسوف يحاول حسن نوهانوفيتش -الذي فقد أفرادا من عائلته في المذبحة- حشد التأييد لإقامة نصب تذكاري دائم يتكون من 000 ،10 حجر مقبرة. وذكرت دراجانا جوفانوفيتش المترجمة الصربية المقيمة في سربرنيتسا أنها ترعرعت في سارييفو في سعادة بالغة ولكنها اضطرت للهرب إلى ساباك في الصرب عندما اندلعت الحرب وقالت لقد درست الفيزياء في بلجراد خلال الحرب وكنت إحدى ناشطات المعارضة ضد ميلوسوفيتش وقد عدنا إلى سراييفو بعد الحرب ولكن كصربيين لم نشعر بالأمان هناك وجئنا إلى سربرنيتشا. لا اريد التقليل من أي ألم عاناه البوسنيين ولكن بالمساواة أنا لا اعلم إذا ما كنت سأكمل دراستي أبدا. إن البداية الحقيقية هي إعادة البناء تحت رعاية برنامج تنمية الأممالمتحدة. وكان مؤتمر المانحين في نيويورك قد رصد 10 ملايين دولار لهذا الغرض ولكن هنريك كولسترب رئيس بعثة صندوق التنمية التابع للأمم المتحدة لديه شكوك حول نجاح المشروع. وقال: نسمع كثيرا عن أن الناس لا يريدون العودة لأن جيراناً لهم على بعد ثلاثة أبواب قتلوا أزواجهم. إن أولوياتنا الآن هي تنشيط الاقتصاد ولكن سربرنيتسا المستقبل لن تحب أبدا سربرنيتسا الماضي.