أجل.. عاجله الأجل.. ورحل أبو فيصل.. طموحاته كبيرة أكبر من حياته.. وخطواته جسورة تسبق أمنياته.. فارس ترجل عن صهوة جواده مبكراً.. على غير انتظار.. لأنها حكمة الأقدار.. وارادة العزيز الجبار.. في يقينه كان الحلم الواسع يرسم خطوط أمل شاسع إلا انه تكسر على صخرة موجة العلم الغامض. هكذا.. وبهذه السرعة المفاجئة.. هكذا وبهذه الجرعة المرة من كأس الحياة انطوت رحلة ما كان لها ان تتوقف لولا تلك الإرادة السماوية.. كي تبدأ مرحلة ثانية ما كان لها ان تأتي لولا المشيئة الربانية الحقة.. والحتمية لحياة كل كائن حي يتحرك على وجه الأرض.. أحمد الحلم.. غادر إلى عالم العلم.. بعد ان توج سِفر تاريخه بما هو أحمد من مجرد ذكريات.. وبما هو أمجد من مجرد أمنيات.. كان بالنسبة لنا أشبه بنقطة ضوء تدور في فلك جميل اسمه.. «عالم سلمان الإنسان»الأب والأسرة ردحاً من زمن.. ما لبثت ان توارت خلف غيوم سماوية قدريه لا خيار لأحد فيها.. ودعناها وفي مآقينا دموع فقد لها مرارة الرحيل.. كيف لا.. والراحل شجرة تنتمي إلى دوحة وارقة.. وإلى ثمرة تنتهي الى حقل مورق مخصب.. العقل سلماني بكل ما يعنيه من شموخ.. وديناميكية.. وما يشير إليه من محصلة وتجربة.. قنوات تصب في جدول إنساني واحد له قامته.. وقيمته.. وقمته.. لئن طواه الموت جسداً.. وتلك هي سنة الحياة.. فإن عاطر الذكرى يتسامى الى ما هو أغلى.. إلى سماء رحبة هي أعلى من قبر الأرض.. ولحد الموت.. وأجلى من صمت المدافن.. إنها حسابات الربح والخسارة التي تقاس على ضوئها معطيات التاريخ الصالحة للبقاء.. والفقيد الراحل كان ملء ذاكرة الحياة.. فقد كان معها على لقاء ومع رصيدها على بقاء.. ومع مناخها على نقاء.. ومع طموحاتها على ارتقاء.. أحمد بن سلمان.. الفارس الذي ترجل عن صهوة جواده مبكراً ورحل.. افتقدناه كنقطة ضوء ملأت سماءنا دون صخب.. ثم ودعتنا بعد ان أودعتنا من طيب الذكرى فأسعدتنا.. ثم أبعدتنا.. نعم بوداعها الفجائي اثخنتنا بشحنة فراق حرَّى هي محصلة كل رحيل.. ونهاية كل راحل.. ولكن.. تبقى شعلة الضوء المحتجبة ماثلة للعيان لأنها أكبر من الانكسار.. وأقوى من الانحسار.. تلك هي الذخيرة التي استبقتها نقطة الضوء.. والتي مازالت تدور في فلك الذاكرة كل ما تذكرنا أبا فهد.. دام فهد.. وأبناء فهد واخوته الذين نشاطرهم جميعا العزاء في رحيل جسد مَنْ ودعناه واستودعناه.. إلا اننا لم نخسره كقامة.. وقيمة.. وقمة.. عملت في صمت دون صخب.. وحملت همومها في صبر دون شكوى إلى عالمها الآخر.. أبا فهد.. سلمان الإنسان.. لنا جميعا العزاء كأنت.. وكأسرتك الكبيرة الكريمة ابتداء من القمة وصولا إلى الأسرة الخاصة نهاية بكل من احسوا بفقده وبحجم خسارة غيابه.. وبعد: أثابك الله وأعانك.. وجبر مُصاب كل المصابين وهم كثر يا أبا فهد.. ويرحمه الله رحمة واسعة.. وفي النهاية ومع نهاية كل حياة لا نملك جميعا إلا أن نسترجع ونرجع المقولة الإيمانية المليئة باليقين.. واحتساب الأجر.. {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.