من الأمور التي حض الله بها الانسان وكرمه نعمة النطق، مما جعل لكل أمة لغة، فبها يطلبون ماهم في حاجة إليه، وبها يعبرون عن مشاعرهم وأحاسيسهم، لذلك تعتبر اللغة صلة الوصل الاولى بين أفراد المجتمع الواحد. والحوار في اللغة مظهر من مظاهر الحياة الانسانية كونه وسيلة للتفاهم لإفهام الناس من حولنا مانعبر عنه، ومانريد فعله، وما نريد من الناس ان يفعلوه وما سوء الفهم الذي يوقع بعض الناس في المشكلات، إلا نتيجة لعدم استطاعتهم للمحاورة الجيدة وادارتها مع الطرف الآخر وما ذلك الا لسبب فقرهم بالثروة اللغوية، باعتبارها زاد التعبير الواضح الذي تبنى عليه المحاورة الجيدة الممتعة والمفهومة من قبل المستمعين. ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة كما قالت عائشة رضي الله عنها «كان كلامه فصلاً، يفهمه كل من يسمعه» رواه ابو داوود. فمن خلال الكلام البيّن الواضح نستطيع إظهار الحق والدفاع عنه. وكثير من الناس قد اضاعوا حقوقهم لأنهم عجزوا عن التعبير الجيد الواضح ليصبح كلامهم اشبه مايكون بورقة صفراء ميتة قد سقطت من غصون شجرة خضراء. والمعول الرئيس في ذلك فقدان عنصر فن الحوار الجيد وعدم الإحاطة بآدابه واساليبه، لذلك لم يستطع ان يؤثر على العقول والعواطف ولولا استطاع ذلك لكانت فكرته وحواره أدعى للقبول والإقناع، مع التزامه بآداب معينة مصاحبة كالخلق الفاضل، والادب الرفيع، وبعد النقاش عن التشنج والانفعال، ورمي الاتهامات التي تلقى جزافاً، بل ينبغي ان يتسم الحوار بروح المنطق والعقل، وفي جو هادئ، لا يؤخذ بزمام الحديث بالقوة ولا باعتراض المتحدث ومقاطعته «لأن الحوار ماهو الا كلام متداول بين طرفين او اكثر فيه الرغبة الى الوصول للحق والبعد عن التعصب والخصومة». فكما كان الحوار سببا في اسلام عمر بن الخطاب واسلام عميرة، كذلك كان إقناعاً لموسى عليه السلام حينما طلب رؤية ربه عز وجل، فبالحوار نصل الى الحق ونقرب وجهات النظر الذي بدوره يضيق هوة الخلاف مع التسليم بالأخطاء وتجنب الخطأ والمراوغة والكذب ولا أوصي بضبط النفس حينما لاتتاح لنا فرصة الحديث او حينما يستخدم المحاور الخلط بين الامور لتبدو مضطربة يسودها الغبش الذي يحجب صفاء الحقيقة. وحتى لا يتنازل عن الرأي الذي يدافع عنه لأنه يعتبر ان ذلك تنازلاً عن الهيبة مما يشعره بالهزيمة، وان كان رأيه لا يمت للحقائق بصلة وحتى لا نصل الى جدل عقيم لا نهاية له ينبغي ألا يكون في الحوار لا تقبيح ولا ترذيل، وإن شاء وان وقع المتحاور في مثل ذلك، فلا بد منه ان يتسم بسرعة البديهة كيساً فطناً يجيد التخلص من المآزق. ولعل من القصص اللطيفة والتي تدل على حسن التصرف وسرعة البديهة ما احاط بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر في الهجرة في الكلام مع الناس الذين كانوا يقابلونهم في الطريق، فإذا سئل أبو بكر عن الرسول عليه السلام قال «هذا الرجل يهديني السبيل، فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق، وانما السبيل الخير»، وكما كان للحوار اهدافه وغاياته المتعددة يكفينا ان الحوار وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها، فالأدب فيه لا يقل اهمية عن الحوار نفسه. * وفي هذا المقام أشيد بمجهودات الدكتور طارق الحبيب وسعيه لإيجاد مناهج تعليمية في أدب الحوار سعياً منه في انتاج جيل جديد يعتني بلغته وأسلوبه كما يعتني بمأكله وهندامه.