تركنا «تطوان» قبل أن تترك الشمس ميناءها والعبارات تمخر عباب المتوسط بالمهاجرين والزائرين واليخوت البيضاء في المارينا كالحمائم ترجرج من تحتها الماء وبقايا من عشب مبللة يفترش ظلها بعض ممن استباحهم النعاس وسلوى الفتاة المغربية تبيع العطور والشكولاتة والأسبرين.. تزيح المنديل عن بعض شعرها تسألنا عن راشد الماجد وتكتب أرقام الهواتف على قطعة صغيرة من الكرتون تدسها في شنطتها بحبور ودونما تحدد قالت: يعني ما لقيتوا تسافروا غير اليوم؟! الليل زاد الوحشة والسائق يتلذذ بخوفنا من تعرجات الطريق يضغط على دواسة البنزين بشدة بدلا من أن يرفع قدمه ليمنحنا فرصة التقاط الأنفاس والقرى نثقبها كابرة في قطعة صوف وهذه الليلة الصيفية تزداد برودة والجوع كان القاسم المشترك بين المسافرين .. آه ما أقسى الجوع وما أقسانا حين نجوع ؟! شيعنا الرباط بنظرة بطول المآذن والأضرحة إلى الدار البيضاء التي لم تنم بعد تركنا حقائبنا لحاملي الأمتعة ووضعنا جوازاتنا على كاونتر الاستقبال وهدهدنا تعبنا على مقاعد البهو الوثيرة ورحنا نستذكر «تطوان» والسفن و«سلوى» والطريق وقلبت شمس صباح اليوم التالي صفحة الذكريات لتكتب أسماء جديدة لشوارع وميادين وحوانيت وحانات وكتب وحالات انتعاش وكآبة ونوم لا يفيق وسهر لا ينوم ووجوه تعرفها ولا تعرف أنك تعرفها وأخرى لا تعرفها ولا تعرف انك لا تعرفها تستبد بك الرغبة لإنهاء هذه المغامرة لكنك لا تجرؤ على فعل ذلك.. تؤجِّل سفر اليوم إلى الغد ولا تؤجِّل سهر اليوم إلى الغد؟! فاصلة: ربما لا أكون كما أشتهي ربما لا أصل البحر بالجمر لكنني سأظل نقيضك لو مت يبقى الصدى في الطريق يموسق نهر الفضاء