الرئيس جورج بوش أطلق أخيرا تصريحاته، فهو يريد تغيير السلطة الحاكمة في فلسطين، تماما مثلما يسعى إلى تغيير النظام الحاكم في العراق، وكل ما يفعله الرئيس بوش هو أنه يقرأ مانشيتات الصحافة الإسرائيلية الحكومية، ثم يقتبسها حرفا حرفا، ثم يعلنها على الشعب الأمريكي. وآرييل شارون لا يريد سوى تدمير أو تصفية أو إقصاء الرئيس الفلسطينيياسرعرفات، والرئيس بوش يضرب على نفس الوتر. وفي حديثه الذي ألقاه على الشعب الأمريكي، الغارق حتى أذنيه في الخوف من احتمال وقوع هجمات إرهابية أخرى في أي وقت، قال الرئيس بوش: «يتطلب السلام قيادة فلسطينية جديدة مختلفة حتى يتسنى ميلاد الدولة الفلسطينية». إذاً، لا قيام للدولة الفلسطينية إلا بعد رحيل عرفات، ولم يتكلم بوش عن أي شروط مفروضة على إسرائيل، ولم يضمن وضع حد للاستمرار في بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي العربية، ولم يضمن حتى إنهاء «الغزوات» العسكرية من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلية (كم هي رائعة هذه الكلمة..«غزوات»). أما السفاح شارون، وبمطالبته كذبا وتدليسا بالشفافية الفلسطينية، فقد طالب بإصلاح السلطة الفلسطينية، على ألا يكون إصلاحا شكليا، ولا محاولة للإبقاء على عرفات، فماذا قال الرئيس بوش؟ ولماذا يجب أن يكون الإصلاح الفلسطيني «أكثر من مجرد تغييرات شكلية أو محاولة خادعة لإبقاء الوضع كما هو عليه». ولماذا، كما أتساءل، لا يدع الرئيس بوش آرييل شارون يدير له مكتبه الصحافي؟ فلن يكون أكثر أمانة وصدقا فحسب، بل سيوفر على الرئيس الأمريكي الخزي من الظهور كالببغاء الذي يردد كل ما يلقيه عليه الإسرائيليون.فكل ما يقدمه بوش للفلسطينيين ليس سوى نسخة كربونية تدعو للسخرية من المطالب التي يفرضها الإسرائيليون على الفلسطينيين، لم يكن هناك على الإطلاق شيء اسمه دولة «مؤقتة»، كل هذه الأفكار ليست سوى أوهام جاء بها الإسرائيليون والرئيس بوش. ويعتقد «المسؤولون» في البيت الأبيض ونحن بالطبع نستطيع أن نخمن من هم هؤلاء المسؤولون أن الدولة الفلسطينية من الممكن «تحقيقها» في غضون 18 شهرا. ودعونا ننسى أمر القوانين الدولية وشروطها فيما يتعلق بهذا الكيان.، دعونا مرة أخرى نتمعن في جزء من أكثر أجزاء بيان الرئيس بوش حساسية، ولنقل «كذبا» أيضا: «عندما يكون للفلسطينيين قادة جدد، ومؤسسات جديدة، واتفاقات أمن جديدة مع جيرانهم». يقول لنا الرئيس بوش، «ستدعم الولاياتالمتحدةالأمريكية قيام الدولة الفلسطينية، وستكون حدودها وجوانب معينة في السيادة ذات وضع مؤقت لحين حلها كجزء من التسوية النهائية في منطقة الشرق الأوسط». دعونا نفهم المغزى المقصود من هذا الكلام، عندما ينتخب الفلسطينيون رئيسا لهم ويوافق عليه الإسرائيليون وهذا في حد ذاته شرط سيظل قائما إلى يوم الدين ستدعم الولاياتالمتحدة الدولة الفلسطينية التي لن يتعدى كيانها سوى موافقة إسرائيل على الشكل الذي تريده لتلك الدولة.بقول آخر، ستكون الولاياتالمتحدة المتحدث الرسمي لإسرائيل في أي مفاوضات، وهناك عدد متزايد من الأمريكيين ممن يدركون جيداً أن حكومتهم وإعلامهم يبتلعونهم، الأمر الذي جعل السياسة الخارجية لبلادهم موجهة لمنح أقصى دعم ممكن لدولة واحدة واحدة فقط في الشرق الأوسط، لذلك سمعناه يردد «جوانب معينة في السيادة»، أنظر لتلك الكلمات الثقيلة.. «جوانب معينة في السيادة». وأتساءل، ما معنى كل هذا؟ هل هذه ال «جوانب معينة في السيادة» تشمل الاستمرار في بناء المستوطنات اليهودية غير الشرعية؟ أم يعني غياب أي ضمانات دولية لتلك الدولة المؤقتة/ الانتقالية؟ أم أنه بيان لإبراء الذمة حتى تخلي الولاياتالمتحدة مسؤوليتها من القضية برمتها إذا قررت إسرائيل ابتلاع الضفة الغربية بأكملها؟ لاحظ، مرة ثانية، الكلمات المراوغة، الحدود الفلسطينية سوف تكون «مؤقتة.. لحين حلها كجزء من التسوية النهائية في الشرق الأوسط»، لكن لم يحدث من قبل مطلقا أن كان هناك شعب محتل يقوده شخص مثل ياسر عرفات، منذ ثمانية عشر عاما. كان ياسر عرفات هو نفسه الذي أقسم لي وقت أن كنا معا على قمة أحد التلال التي تشرف على مدينة طرابلس اللبنانية أن «فلسطين» التي يحلم بها ستكون دولة «ديمقراطية». ولأنه بات من الواضح إلى أبعد حد أن عرفات قد أخفق في مهامه بوصفه زعيم الفلسطينيين صارت الحقيقة المزعومة أنه يأبى أي تغيير في الوضع القائم. صار الافتراض أنه نال الفرصة لإثبات ولائه للغرب، لأمريكا، لإسرائيل، كان من المفترض أن يغض النظر عن المستوطنات اليهودية، أن يجعلها آمنة ومقدسة. الآن، وبعد أن صار في غير استطاعته التحكم في الشعب الذي لابد من التحكم فيه وتحجيمه، صار من الضروري إنهاء خدماته، لابد أن يرحل، لابد من إحلاله بزعيم آخر من اختيارنا لا تذكر الانتخابات على طرف لسانك يتحلى بالديمقراطية كالتي تتحلى بها الحكومة الأفغانية «المؤقتة» الجديدة. لقد أهان بوش الفلسطينيين، ووضع العالم العربي بين المطرقة والسندان، لكن ثمة هاجساً يقول لي إن الفلسطينيين لن يقبلوا هذا السخف، وسيكون ذلك هو السبب في إدانتهم جميعا من جانب الولاياتالمتحدة بأنهم «إرهابيون».